المهدي بن بركة شغل المغرب حيا ويشغله الاَن ميتا. ذلك ما تشهد به تطورات ملف اغتياله منذ سنة 1965. والمعارض الماركسي للملك الراحل الحسن الثاني لم يشغل المغرب وحده فقط بل شغل ويشغل فرنسا والأجهزة الاستخباراتية لدول أخرى ذات صلة قريبة أو بعيدة بالاغتيال. والمهدي الذي أسال كثيرا من المداد فألفت حوله الكتب ونشرت حوله المقالات والتحقيقات، صار مادة للسينما فأنتج عنه فيلمان فرنسيان شهيران الأول عام 1972 للمخرج الفرنسي إيف بواسيه بعنوان ''الاغتيال'' والثاني في 2005، للمخرج الفرنسي سيرج لوبيرون بعنوان ''رأيت قتل بن بركة''. تحرك ملف اغتيال بن بركة بسرعة منذ أن رفعت فرنسا جزءا من السرية عنه فبادر قاضي التحقيق قاضي باتريك راماييل بمتابعة الملف وسعى الرجل جاهدا لفك الخيوط الغامضة والمعقدة بكل من المغرب وفرنسا فدخل بصعوبة إلى المغرب ليلتقي بعدد من الأطراف دون أن يحصل على شيء من الدوائر المغربية المسؤولة. غير أنه بعد وفاة وزير الداخلية المغربي الشهير إدريس البصري هذه السنة وتزامنا مع زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للمغرب شهر أكتوبر/تشرين الأول، أصدر باتريك راماييل مذكرة توقيف بحق شخصيات عدة تعذر على القاضي الحصول على عناوينها للاستماع. وشملت مذكرة التوقيف كلا من الجنرال حسني بنسليمان قائد الدرك الملكي والجنرال المتقاعد القادري وبوبكر حسون وهو ممرض يشتبه في أنه أشرف على تخدير المعارض المغربي وعبد الحق العشعاشي المسؤول السابق عن جهاز الكاب 1 -وهو قسم تابع للاستخبارات- بالإضافة إلى ميلودي التونزي، الاسم الحقيقي لشخصية العربي الشتوكي. صحيفة الصباح المغربية ذكرت أن سلطات الرباط باشرت التحقيق في علاقة معلومات سربها وزير الداخلية الراحل إدريس البصري بمذكرة البحث التي أصدرها قاضي التحقيق الفرنسي. وأضافت أن المعطيات الأولية تشير إلى أن كثيرا من المعلومات الدقيقة حول الموضوع حصل عليها القاضي الفرنسي بعد زيارة له لإدريس البصري. وكشفت الصباح أيضا أن السلطات المغربية منعت قاضي التحقيق في قضية المهدي بن بركة من دخول الأراضي المغربية وأنها رخصت لقاض اَخر ليقوم مقام باتريك راماييل ويزور المغرب. وزارة العدل المغربية، من جهتها، نفت أن تكون قد تلقت أي مذكرات بتوقيف مسؤولين مغاربة. أما رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بالمغرب أحمد حرزني، فصرح بأن المجلس يمكن أن يغلق الملف نهائيا ويعتبره مطويا بسبب التطورات الأخيرة التي وصفها بالسلبية. على الصعيد الحقوقي، يرى عبد العزيز النويضي عضو لجنة حقوقية تطالب بالكشف عن حقيقة اغتيال بن بركة، أن أمد الملف سيطول أمام التطورات الأخيرة التي عرفها. وقال النويضي إن المغرب لا يبدي تعاونا كافيا مع القاضي الفرنسي مما يعزز الشكوك حول موقفه وأوضح أن المغرب ضيع فرصة تاريخية مع هيئة الإنصاف والمصالحة لطي الملف وحله بكيفية ترضي جميع الأطراف، بما فيها الدولة المغربية. أما الموقف الفرنسي، حسب النويضي فلا غبار عليه ما دام القضاء مستقلا وما دامت السلطات الفرنسية رفعت السرية عن جزء من القضية عملا بمبدأ الحفاظ على أسرار الدفاع الوطني. وخلص الحقوقي المغربي إلى أن على المغرب أن يتخذ موقفا شجاعا للتعاون وأن المسار السياسي للملف قد وصل إلى طريق مسدود ولم يبق إلا المسار القضائي.