كل الشواهد والمؤشرات توحي بأن العلاقات المصرية اليابانية بدأت تستعيد قوتها وحيويتها، على جميع الصعد والمستويات، بعد سحابة صيف طارئة، وسوء فهم من طوكيو، تجاه ما حدث في القاهرة، بعد 3 يوليو عام 2013. على هذا الأساس، ثمن المراقبون النتائج الإيجابية، التي أسفرت عنها زيارة نائب وزير الخارجية البرلماني الياباني، نوبوو كيشي، لمصر، الأسبوع الماضي، الذي قام بتسليم رسالة من رئيس مجلس الوزراء الياباني، شينزو آبي، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، تتضمن دعوته لزيارة طوكيو، بكل ما تحمله مثل هذه الزيارة في حالة إتمامها من أبعاد، بالإضافة إلى اشتمالها على أربع نقاط أساسية، هي: 1- تتوقع اليابان أن يتم تحت قيادة الرئيس السيسي تحقيق الاستقرار والازدهار في مصر، من خلال تعزيز إدارة السياسة والاقتصاد بشكل تشارك فيه شرائح واسعة من الشعب، كما انها تتوقع إجراء الانتخابات البرلمانية بشكل حر وعادل. 2- تقدر اليابان إقبال الحكومة المصرية على الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تصاحبها متاعب، وتدعم اليابان جهود مصر في الإصلاح. 3- تعمل اليابان على الاستمرار والتعزيز في تقديم الدعم الذي يساهم في إجراءات مصر من أجل بناء مجتمع ديمقراطي واستقرار المجتمع والاقتصاد، وتتوجه اليابان إلى تقديم قرض ميسر جديد بالين إلى مشروع إنشاء قناطر ديروط الجديدة، وهو المشروع الذي يساهم في تحسين الإنتاج الزراعي الذي يعد محور الاقتصاد في مصر. 4- تأمل اليابان في تعزيز التبادل وعلاقات التعاون بين البلدين، على مختلف المستويات، من أجل تعميق الشراكة الاستراتيجية، كما أنها تتطلع إلى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لليابان في المستقبل القريب. تركز رد الرئيس السيسي على رسالة رئيس مجلس الوزراء الياباني في ثلاث نقاط أساسية، هي: 1- تقدر مصر تقديرا كبيرا زيارة مسئول على مستوى رفيع من اليابان، الدولة الصديقة على مدى التاريخ، والإعلان عن مشروع الدعم الياباني الجديد. 2- إن الإرهاب الذي تواجهه مصر لا تقتصر آثاره عليها فقط بل تمتد إلى المنطقة والعالم كله. هناك ضرورة لمواجهة هذه القضية، من خلال نشر التعليم وإجراءات القضاء على الفقر، وغيرها. ومن أجل ذلك، تحتاج مصر إلى دعم المجتمع الدولي، بما في ذلك اليابان. 3- تم اتخاذ إجراءات إصلاحية قاسية على الشعب، مثل تقليل الدعم المالي وغيره، ومصر ستواصل اتخاذ هذه الإجراءات بحزم، مع تقديم المساعدة إلى الطبقات الفقيرة، وتحتاج مصر إلى دعم المجتمع الدولي، بما في ذلك اليابان. تجدر الإشارة هنا إلى أن قرض اليابان الميسر لإنشاء مجموعة قناطر ديروط الجديدة، سوف يضاف إلى قائمة مميزة، ومبتكرة ومتنوعة، من علاقات التعاون التنموي بين البلدين، بدءا من مشروعات البنية التحتية إلى مشروعات التعليم والتنمية البشرية، وصولا إلى مجالات متسعة لا تهدف إلى خدمة مصر فقط وإنما تخدم الحضارة الإنسانية والتقدم العلمي، مثل: مشروع المتحف المصري الكبير، ودار الأوبرا المصرية، والجسر البري فوق قناة السويس، ومستشفى الأطفال في أبو الريش، والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، المخطط لها أن تكون مركزا بحثيا وتعليميا ليس لمصر فقط ولكن لخدمة الدول العربية والإفريقية. في هذا المقام، لعله من المناسب إلقاء بعض الضوء على أهمية مشروع إنشاء مجموعة قناطر ديروط الجديدة، بمساعدة اليابان، في دعم قطاعي الزراعة والري في مصر. فمشروع قناطر ديروط الجديدة سيجري إنشاؤه بدلا من القناطر القديمة الموجودة على قناة فرعية لنهر النيل، في مدينة ديروط، الواقعة في مصر الوسطى، ومن خلال استخدام التكنولوجيا اليابانية الفائقة، يتوقع أن يساهم المشروع في تحسين الإنتاج الزراعي في صعيد مصر، باستهدافه تحقيق توزيع كفء للمياه من خلال تدعيم نظام الإدارة المائية. ومن الممكن أن يتم الإنشاء بدون إعاقة جريان المياه المستخدمة للزراعة. معروف أن قناطر ديروط توفر 9.6 مليار متر مكعب من مياه الري، أي 17 في المائة تقريبا من استخدام المياه المتوفرة سنويا من نهر النيل، وهذه الكمية كافية لتوفير المياه لما يقرب من 600 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. تصل قيمة القرض الميسر الياباني المتوقع إلى حوالي ستة مليارات ين، علما بأن اليابان قامت منذ عام 1995 وحتى الآن بإصلاح أربع قناطر تقع بعد قناطر ديروط، وهي: قناطر اللاهون، قناطر مازورة، قناطر ساقولا، وقناطر دهب. وبعد الانتهاء من إنشاء قناطر ديروط الجديدة، سيكون قد تم إصلاح كل القناطر الرئيسية على بحر يوسف. من واقع تجربتها كوزيرة للتخطيط والتعاون الدولي، ومن موقعها الحالي، رئيسة مجلس أمناء الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، تقول السفيرة فايزة أبو النجا: أثق أن دولة عريقة مثل اليابان تعلم جيدا تحديات إعادة البناء، لن تفوتها فرصة أن تكون كما كانت دائما في مقدمة شركاء مصر التنمويين، وأن الفترة المقبلة في العلاقات المصرية اليابانية تتطلب جهدا أكثر من التعاون بين الحكومات، تتطلب زيادة الاستثمار والمشروعات المشتركة في القطاع الخاص، ووجودا متزايدا للشركات اليابانية الكبرى في مصر، بالإضافة إلى ضرورة استعادة السياحة اليابانية، التي تعد من أكبر موجات السياحة الوافدة إلى مصر. نقلا عن جريدة الأهرام