التحرش الجنسي ظاهرة كونية لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، بغض النظر عن مكوناته الثقافية والحضارية والدينية. ومع تقدم التشريعات وآليات تطبيق العدالة وضعت معظم الدول قوانين تتعلق بالحماية من التحرش، بشقيه الجسدي واللفظي أولا، ومعاقبة مرتكب جريمة التحرش ثانيا، والتعويض على الضحايا ثالثا. والظاهرة الأكثر انتشارا في المجتمعات الغربية تتلخص في التحرش الفردي في أماكن العمل، حيث يحاول الشخص المتنفذ أن يستعمل صلاحياته وإمكانياته وموقعه في إجبار شخص ما (ذكرا أو أنثى) على الانصياع لرغباته الجنسية تحت طائلة العقوبات، كالفصل وتأخير الترقية والنقل ومضاعفة حجم العمل اليومي، فيما لو رُفضت تلك التحركات، أو الحصول على رزمة من الجوائز أو الامتيازات فيما لو قبلت. وكم من مسؤول سقط من موقعه الرفيع لأن سيدة ما قررت ألا تصمت على تحرشاته غير المقبولة وأعلنت على الملأ قصة ذلك المسؤول. التحرش في العالم العربي خاصة في مصر وبلاد الشام كان إلى وقت قريب مقتصرا إلى حد كبير على إطلاق الألفاظ والتعليقات وجمل الغزل غير المباشر، التي لا تؤذي أحدا ولا تنتهك عرضا ولا تجرح كرامة. لكن الأمور تغيرت كثيرا في السنوات الأخيرة فهذة الظاهرة الغريبة غير المألوفة وغير المقبولة والأقرب إلى التصرف الهمجى التي قد توحي بأنها مدبرة ومتعمدة ومسيسة. أن ظاهرة التحرش في مصر بات مشكلة أمن قومي تهدد سمعه البلاد و استقرارها ما لم تتخذ السلطات و الخبراء و المختصون خطوات حاسمة للحيلولة دون انتشارها و استفحالها بين طبقات المجتمع . وكشفت الدراسات العديدة التي أجراها المركزالقومى للبحوث أن التحرشات الجنسية منتشرة و بشدة بين طبقات الشعب المصري المختلفة و أن نسبة ما يتم الإبلاغ عنه من هذه الحالات لا تتجاوز 5 % فقط مما يعني وجود فتيات و سيدات كثيرات يخشين الإفصاح عما جرى لهن خوفا من " العار " أو الفضيحة المترتبة عليها ! . ولا احد يعرف سبب لتحول الشعب الذي كان يتميز من قبل بالمروءة و الشهامة و النخوة هو نفسه الشعب الذي يحدث مئات حالات التحرش يوميا في المواصلات العامة و أماكن العمل المغلقة و حتى في الطريق العام و لا يتحرك أحد لنجده من تقع عليها الاعتداءات بدافع من خوف ( قد يكون المعتدي حاملا للسلاح الأبيض ) أو سلبية ( أنا مالي تلاقيها هيا اللى شجعته ) أو حتى بدافع " الفرجة " على ما يحدث !!! . و هناك عددا من المصطلحات القانونية التي يتعامل القانون مع كل منها بصيغة تختلف عن الأخرى ، فالتحرش معناه التعرض أو الإثارة أو الإغواء أو المضايقة أو المراودة عن النفس أو غيرها و هو يبدأ بالنظرة أو الحركة أو الفعل أو القول أو اللمس الجسدي وقد يصل إلى حد هتك العرض او الاغتصاب ، و رغم خطورة الأمر إلا أن المشرع المصري لم يضع معنى أو إطارا محددا للتحرش – كما الحال في كثير من دول العالم – و ما تعرض له القانون المصري في المادتين 268 ، 269 في قانون العقوبات هو مسالة هتك العرض و عقوبتها السجن المشدد ( 3 – 7 سنوات ) و يتم التشديد في حالة إذا كانت المجني عليها أو عليه أقل من 18 سنة ، أو إذا كان الجاني من أصول المجني عليها أو أحد القائمين على رعايتها و تربيتها، وهنا قد ترتفع العقوبة إلى 15 سنة و قد تصل إلى المؤبد . و هناك أيضا المادة 306 مكرر أ جنحة التي ذكرت أن " التعرض لاثني على وجه يخدش حيائها في طريق عام أو متروك يعاقب بالحبس حد أقصي عام و غرامة ( 200 – 500 جنيها ) و إذا عاود نفس الجاني ارتكاب الجريمة مرة أخري ، يعاقب بالسجن 3 سنوات و غرامة ( 500 – 3000 جنيها ) ، ورغم وجود هذه المادة إلا أنه للأسف لا يتم الإبلاغ أو الإفصاح عن وقوعها بسبب مشكلتين أساسيتين هما : أولا : الخوف من العار أو الفضيحة و لاسيما في مناطق العمل او الدراسة ثانيا : مشكلة أمنية تتعلق برجال الأمن نفسهم الذين يتعاملون باستخفاف شديد مع هذه النوعية من البلاغات ، فكثير من ضباط الشرطة و النيابة لا يتعاملون بجدية مع الفتيات المبلغات و قد يقوموا بالسخرية منهن أو إلقاء اللوم عليهن باعتبارهن المشجعات على الفعل !! . وهناك 9 أسباب انتشار الظاهرة المزعجة و هي : 1 – الابتعاد عن القيم الدينية و الخلقية وغياب منظومة الاسره عن القيام بدورها الأساسي في التربية و التنشئة الصحيحة و اتجاهها نحو جمع اكبر قدر ممكن من المال في ظل ظروف اقتصادية بالغة السوء و الصعوبة . 2 – اختفاء دور التربية و التعليم كلاهما من المدارس و المعاهد و الجامعات . 3 – الفراغ الهائل الذي يعاني منه الشباب بسبب البطالة المتفشية و اختفاء الساحات الرياضية التي يفرغ فيها الشباب طاقاته و تحولها إلى مقالب قمامة ! . 4 – تنامي ظاهرة العشوائيات التي تفرز مجرمين إلى المجتمع . 5- ارتفاع سن الزواج و ارتفاع تكاليفه و تفشي ظاهرة العنوسة ( 8 مليون شاب جاوزوا سن الخامسة و الثلاثين بلا زواج ) . 6 – تعاطي الشباب للمخدرات التي تفقد الوعي و تحث على ارتكاب التحرش أو الاغتصاب . 7 – سلبية المجتمع المصري و اختفاء قيم الرجولة و الشهامة و النخوة ( بحيث أصبح شباب الحي يعتدون على جاراتهم في الحي ذاته !! ) 8 – إجراءات الإثبات و الشهود المعقدة التي تعرقل إثبات التحرش ( و من هنا يجب أن تكون القضية قضاء مستعجلا بسبب موضوع الإثبات و الإشهاد ) . 9 – انتشار الفضائيات و المواد التليفزيونية الإباحية و اللا أخلاقية . ويقول خبير اجتماعي إن من أهم العوامل التي أدت لانتشار ظاهرة التحرش غياب الوازع الديني لدى الكثير من الشباب، وفقدان الأسرة دورها المهم في توجيه الشباب في ظل انشغالها بكسب العيش، إضافة لانتشار البطالة والفقر والعشوائيات والمخدرات. ويعزو مراقبون انتشار ظاهرة التحرش الجنسي إلى تجاهل المجتمع والدولة للظاهرة، وعدم إصدار تشريعات قانونية أو حملات توعوية للحد منها، وبحسب دراسة أعدتها الأممالمتحدة فإن 99.3% من المشاركات في الدراسة تعرضن لنوع من أنواع التحرش الجنسي بغض النظر عن عمرهن أو نوعية لباسهن. تغير اجتماعي تغيير جذري أصاب التركيبة الاجتماعية والعقلية للشعب المصري، وحوّله من مجتمع كان يتصف بالشهامة والمروءة إلى ذلك النحو المشين من الفعل. وهناك من يقول ان النت من أهم العوامل التي أدت إلى انتشار تلك الظاهرة غياب الوازع الديني لدى الكثير من الشباب، وفقدان الأسرة دورها المهم في توجيه الشباب في ظل انشغالها بكسب العيش، إضافة إلى انتشار البطالة والفقر والعشوائيات والمخدرات . وانتقد الكثير عدم وجود قوانين رادعة للمتحرش فتصل أقصى عقوبة للمتحرش خمس سنوات، ونددوا بالدعوات التي تطالب بتقنين الدعارة لمواجهة التحرش، مشيرين إلى أن 83% من النساء الأميركيات يتعرضن للتحرش الجنسي سنويا رغم الحرية الجنسية المتاحة هناك.