بعيداً عن الدعاية السياسية والشد والجذب الذي يصاحب الانتخابات الرئاسية المصرية، فإن هناك عدداً من القيم العامة، التي تحدد في خاتمة المطاف الدوافع والحوافز التي تقود الناس إلى اختيار هذا المرشح ورفض ذاك، ولا يمكن أن يستهان بها في تحديد الفائز بهذا السباق. ويمكن سرد هذه القيم على النحو التالي: 1- الإنجاز: سيصوت ناخبون للشخص الذي يعتقدون أنه سيحقق إنجازاً كبيراً، يخرج البلاد من مشاكلها المعقدة التي خلفها نظام مبارك وسنة من حكم "الإخوان"، ولاسيما حيال قضايا التنمية والأمن والحريات العامة. 2- الانتماء: هناك من سيمنح صوته للمرشح الذي يعتقد أنه يتوافق مع أيديولوجيته واتجاهه السياسي أو يقترب منها، حسب إدراك الناخب لهذا. وهناك أيضاً التصويت على أساس العلاقة بالثورة وقواها ومطالبها، وعلى النقيض مدى الارتباط بنظام مبارك وفلوله أو بظلال "الإخوان" ومستقبلهم. 3- التردد: لا تزال هناك قطاعات عريضة من المواطنين متحيرة بين السيسي وصباحي، وهو ما تدل عليه بعض استطلاعات الرأي، وتبين أن هؤلاء يشكلون نسبة تربو على 50 في المئة ممن لهم حق التصويت، حسب استطلاع "بصيرة" للشهر الأخير الذي بين أن 39% حسموا أمرهم بالنسبة للسيسي و1% لصباحي وهناك 60% مترددون، بينما كان من حسموا أمرهم بالنسبة للسيسي في استطلاع سابق للمركز نفسه يصلون إلى 51%، ما يدل على أن شعبية الرجل انخفضت في اتجاه التردد وليس بالضرورة نحو منافسه، الذي تبقى أمامه فرصة جذب هؤلاء بقدر ما توجد أمام السيسي فرصة استعادتهم. وهناك دراسات سابقة في مجال "علم النفس الاجتماعي"، ومؤشرات واضحة نستقيها من خبرة عام كامل بعد الثورة، تبين أن الشعب المصري "عاطفي بطبعه" وحالته النفسية قد تنقلب من النقيض إلى النقيض في وقت قصير جداً. والمثل الصارخ على ذلك هو التعاطف مع مبارك بمجرد إلقاء خطاب حافل بالأكاذيب عن رغبته في أن "يموت في بلده"، ثم كراهيته ومقته بعد ساعات إثر وقوع "معركة الجمل"، ثم النزول بعد أيام بعشرات الملايين إلى الشوارع للاحتفال برحيله. وهذا الأمر تكرر مع "الإخوان" الذين لعبوا على العاطفة الدينية إلى أن تبين الناس خداعهم فأسقطوهم. واستخدام الميل العاطفي ينطبق، بلا شك، على انتخابات الرئاسة، إذ يمكن أن تقع حوادث أو تجري وقائع قبل أيام أو ساعات من عملية الاقتراع تبدل الناس من حال إلى حال. 4- العزوف: هناك نسبة لا يستهان بها ستعزف عن المشاركة، فلا توجد انتخابات يحضرها كل من يحوزون هذا الحق. وهذا السلوك السلبي يمكن أن يسهم في تغيير خريطة التصويت ونتائجه، فكلما تراجع حجم المشاركين تحسنت فرص المرشح الذي تسنده تنظيمات وقوى اجتماعية محددة القوام والملامح تحشد أفرادها بإصرار للذهاب جميعاً إلى لجان الاقتراع. 5- الاصطياد: يوجد دوماً الرهان على وجود كثيرين من المترددين والمذبذبين يمكن اصطيادهم خارج اللجان مباشرة، وقد يكون ذلك بالدخول معهم في حوار مباشر لإقناعهم بالتصويت لمرشح معين، أو من خلال جذب أنظارهم وملء أسماعهم بصور واسم مرشح محدد، بما يجعلهم يشعرون بأن له الغلبة، أو أنه هو الأفضل، ومن ثم يمنحونه أصواتهم. 6- الحماسة: حول كل مرشح هناك مجموعات من المتحمسين، يتفاوتون من واحد إلى آخر، وهؤلاء يلعبون دوراً كبيراً في خطف أصوات، أو الدفاع عن مواقف المرشحين أثناء التصويت والفرز، وبالتالي فلهم دور كبير في مساعدة أي مرشح على الفوز في خاتمة المطاف. 7- التزييف: التزوير بشكله التقليدي القائم على استبدال الصناديق، وتسويد بطاقات فارغة، وعدم دقة الكشوف الانتخابية، وتصويت الموتى، ومنع ناخبين من الوصول إلى اللجان بيد "بلطجية"، قد ولّى إلى حد كبير، لكن سيحل محله تزييف الإرادة بالإفراط في استخدام الدعاية السياسية وربما الدينية، وتوظيف المال السياسي، وكسر القواعد التي تحكم العملية الانتخابية، والقيام بأفعال غير أخلاقية من أجل خطف الأصوات بأي طريقة، وأي ثمن. 8- الاستلاب: هناك ملايين الناخبين باتوا مستلبين بغير وعي حيال الدعاية السوداء التي أُطلقت ضد الثورة والثوار، وهي ترقى إلى مستوى الحرب النفسية، التي تصل إلى النجاح التام حين يقوم الخصم باتخاذ القرار الذي يحقق مصلحة من يشنها. وعلى مدار ثلاث سنوات تم تنفيذ خطة محكمة لفصل الطليعة الثورية عن القاعدة الشعبية. وقد قامت هذه الحرب على أساس تحذير الناس وتخويفهم من الاضطراب وتفكك الدولة وتفشي الجرائم وتهديد المصالح المباشرة، وذلك حتى ينحازوا في النهاية إلى من يعتقدون أن لديه القدرة على استعادة الأمن في وقت قصير، ويصبح هذا هو المحدد الرئيسي لاختيارهم في الانتخابات. وبالطبع فإن تهديد الأمن القومي المصري إلى جانب الإرهاب مسألة واقعية لا شك فيها، لكن المشكلة في توظيف هذا بشكل مبالغ في الانتخابات الرئاسية. 9- الطموح: لا شك أن هذه القيمة تراود كل المرشحين بلا استثناء، سواء الاثنين اللذين نزلا السباق بالفعل، أو المحتمل نزولهم في الأيام المقبلة. وهناك من الناخبين من يعي جيداً الفروق الجوهرية بين هذه الألوان من الطموح، وعلى أساسها سيحدد إلى من سيذهب صوته. وفي المقابل فإن الطموح شكَّل مادة قوية لدفع المرشحين أنفسهم، ومن يقف خلفهم، إلى بذل كل جهد مستطاع في سبيل الوصول إلى الرئاسة، وهي مسألة لمسناها جيداً أثناء مرحلة الدعاية في الانتخابات الرئاسية السابقة، إلى درجة أدهشت كثيرين وجعلتهم يتساءلون عن مصدر الطاقة الجبارة التي تحرك المرشحين أو يتحركون بها بين جمهور الناخبين. 10- المفاضلة: فهناك اقتناع لدى كثيرين بأن المتصدرين للمشهد الانتخابي قد لا يكونون الأفضل من بين الشخصيات المصرية العامة، ولكنهم هم الذين أخذوا القرار وتقدموا للسباق، بينما بقي بعيداً من تهيّب أو رفض المزاحمة. ومع هذا فالناس ليس أمامهم سوى الاختيار من بين النازلين إلى السباق، وسيرتبونهم في أذهانهم وفق معايير عديدة، ثم يصوتون لصالح من يحظى بقبولهم. ولكن ليس كل المنتخبين يفاضلون بين المرشحين وفق معايير منطقية، بل يغلب على كثيرين الاختيار العشوائي لعوامل عدة معقدة يمكن أن نبحث عنها في الدراسة المتأنية لنفسية الجماهير، وتصرفات الحشود البشرية. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية