نقلا عن / جريدة الدستور26/07/07 فاجأت الثورة الإسلامية في إيران العالم كله باندلاعها في فبراير 1979 بعد أن ظنها الغرب وعلى رأسها الشاه التابع لأمريكا والغرب واحة أمان. تراكمت فيها محاولات الثورات السابقة وتعذيب الثوار في السجون على أيدي السافاك وتأميم مصدق البترول في 1954 الذي كان الملهم لتأميم ناصر لقناة السويس في 1956 ، وهروب الشاه وعودته بعد الانقلاب الذي دبرته الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد مصدق. وكان أول عناصر قوتها زعامة قوية لا تساوم ممثلة في الخميني الذي كان ناصر يساعده وهو في ملجأه في النجف في العراق ، يساعد مجاهدي خلق ، عصب الثورة وقوتها الضارية ، ضد نظام الشاه ثم في منفاه في باريس من خلال شرائط التسجيل التي يخاطب بها شعب إيران. وكان الإسلام الثوري هو عنصرها الثاني ، أيديولوجية شعبية نابعة من تاريخ إيران. تحمل آمالها في الحرية والاستقلال والدفاع عن الهوية الوطنية. لا خلاف عليها بين الطبقات الاجتماعية. وحدت الأيديولوجيات الثورية الأخرى داخلها مثل الماركسية وحركة تحرير إيران ومجاهدي خلق ، وفدائيي خلق ، طلبة وعمالا ومثقفين وجنودا كما كان الشيخ إمام يغني "عمال وفلاحين وطلبة". والعنصر الثالث جماهير شعبية بالملايين في الشوارع تستولي على الكلية الحربية رمز نظام الشاه. تسد الطرقات وتملأ الملايين. ثم طعنها العرب في الخلف. غزاها النظام العراقي السابق بعد عامها الأول وهي تتحدى الولاياتالمتحدة بوازع منها وتشجيع على الغزو لإضعاف القوتين العسكريتين الإيرانية والعراقية ، حماية لإسرائيل من الجبهة الشرقية بعد أن اتسع عمقها الاستراتيجي من سوريا إلى العراق إلى إيران بعد عزل الجبهة الجنوبية في مصر بعد كامب ديفيد في 1978 ، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979 ، والإعلان المستمر على أن حرب 1973 هي آخر الحروب ، وأن السلام اختيار استراتيجي للعرب. وقطعت مصر العلاقات السياسية معها إلى الآن ما يقرب من ثلاثين عاما وكأنها أخطر على العرب من إسرائيل التي عقدت الصلح معها واعترفت بها وتبادلت السفراء معها تحت وهم تشجيع الحركات الإسلامية في مصر والوطن العربي ، وأن يتكرر النموذج الإيراني في الثورة الإسلامية في باقي أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي بإيحاء من الولاياتالمتحدة وإسرائيل. والثورة الإسلامية هي الناصرية مركبة على الإسلام ، الحلم الذي راود الثورة المصرية في بدايتها ، التعاون بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين. وقد كان بعض الضباط الأحرار منهم بمن في ذلك الوصي على العرش لولا الشقاق الذي وقع بين الفريقين في أزمة مارس 1954 والذي تعاني منه الثورة حتى الآن عبر الجمهوريات الثلاث. وظلت الولاياتالمتحدة وإسرائيل تضعان العقبات ، وتوحي بالتناقصات بين الثورة الإسلامية في إيران والقومية العربية ، مرة باسم الجزر الثلاث في مدخل الخليج وقد كانت مناطق للتكامل على ضفتي الخليج ورمزا لحسن الجوار كما فعل عبد الناصر في محافظة وادي حلفا كمحافظة تكامل بين مصر والسودان وكما يمكن استمراره في محافظة حلايب وشلاتين حتى تُبتلع الحدود المصطنعة التي وضعها الاستعمار بين كل دولتين عربيتين قبل الرحيل بين مصر وليبيا في واحة جعبوب ، وبين مصر وفلسطين في مثلث العوجة ، وبين الجزائر والمغرب في واحة تندوف ، وبين اليمن والسعودية في عسير ونجران ، وبين الإمارات وعمان في واحة البريمي ، وبين سوريا وفلسطين في وادي الحمة ، وبين وسوريا ولبنان في مزارع شبعا ، وبين الكويت والسعودية في مثلث تحت وصاية الأممالمتحدة ، وبين الكويت والعراق على آبار النفط على الحدود والتي كانت سبب غزو العراق للكويت في حرب الخليج الثانية. ومشروع الثورة الإسلامية في إيران لفلسطين يتجاوز المشروع العربي في إزالة آثار العدوان ، لا فرق بين نكبة 1948 ونكسة 1967. وما زالت تتحدى الهيمنة الأمريكية دفاعا عن حقها في تخصيب اليورانيوم في منطقة تزخر بالسلاح النووي في إسرائيل وفي باكستان ، وإسرائيل تهدد بضرب إيران بمفردها أو بالتعاون مع الولاياتالمتحدة ، وحق الدفاع عن النفس حق مشروع. وهو ما يكشف المعيار المزدوج للغرب في التعامل مع إسرائيل التي لم توقع على معاهدة منع انتشار السلاح النووي. ولا تسمح أن يفتش على مفاعلها النووي. والنووي الإيراني قوة للعرب في مواجهة النووي الإسرائيلي. والثورة الإسلامية في إيران ظهير للثورة العربية. وهي الآن تعيد سيرة ناصر وهو يتحدى الاستعمار الغربي قبل العدوان الثلاثي في 1956. وتقف الشعوب العربية والإسلامية مع الثورة الإسلامية في إيران في دفاعها عن استقلالها الوطني وتحديها قوى الهيمنة والاستعمار الجديد الذي تمثله الولاياتالمتحدةالأمريكية. والخطورة الآن على الثورة الإسلامية في إيران هي الجبهة الداخلية. إذ لا تستطيع الولاياتالمتحدة بالتعاون مع إسرائيل العدوان العسكري على إيران. إذ تستطيع إيران الرد العسكري على الأسطول الأمريكي القابع في الخليج. كما أن صواريخها تطول القوات الأمريكية في العراق والقواعد العسكرية ومطارات إسرائيل. وقد تنهار النظم العربية التابعة للولايات المتحدةالأمريكية لاحتمال ثورة الشعوب ضدها كما هبت الشعوب العربية مع ناصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم القناة في 1956 ، وتفجير أنابيب النفط في سوريا ، واندلاع الثورات العربية بعد ذلك في العراق في 1958 ، واليمن في 1964 ، وليبيا في 1969. وقد تتغير الأوضاع في الخليج نظرا لتركيبته السكانية والطائفية والمذهبية. تستطيع الولاياتالمتحدة اللعب في الجبهة الداخلية ، والتآمر على الثورة الإسلامية من الداخل ، وليس العدوان عليها من الخارج. تستطيع اللعب على القلق الاجتماعي كما ظهر في توزيع البنزين بالبطاقات في دولة من أكبر الدول المصدرة للنفط. تستطيع اللعب على التفاوت الشديد بين الفقراء والأغنياء والمشاكل الاجتماعية كالبطالة والإسكان. وقد خسر التيار الليبرالي الانتخابات الأخيرة لأن الحرية لم تشفعها العدالة الاجتماعية ، وحوار الحضارات لم يقرن بتحدي قوى الهيمنة. والأخطر من القلاقل الاجتماعية الحريات العامة ، وضيق الناس بالمحافظة الدينية والتشدد في السلوك اليومي ، والتدخل في حياة الناس الشخصية. فما زال التناقض الرئيسي في الثورة الإسلامية هو قيامها على أساس محافظ ، ديني إشراقي يمثله صدر الدين الشيرازي الذي ينتسب الإمام الخميني إليه ويتتلمذ عليه ، وليس علي شريعتي ممثل اليسار الإسلامي قبل اندلاع الثورة ، الإسلام الاشتراكي التقدمي. ويتضمن ذلك اللعب على القوميات الفارسية والأذرية وغيرها التي تكون شعب إيران ، والمذهبية والطائفية ، سنة وشيعة ، الممتدة في الجبهة الشرقية في الوطن العربي وفي الإسلام الأسيوي ، إيرانوباكستان. لقد قُضي على الثورة المصرية ليس بالعدوان الخارجي عام 1967. فقد تم تدمير المدمرة إيلات في نفس العام ،وأُعيد بناء الجيش ، وقامت حرب الاستنزاف في 1968 ، ثم قامت حرب التحرير في أكتوبر 1973. بل قُضي عليها بسبب الانقلاب الداخلي في 15 مايو 1971 من الجبهة الداخلية وبنفس الرجال ، وتحولت الثورة إلى ثورة مضادة ، من الاشتراكية إلى الرأسمالية ، ومن التعاون مع الاتحاد السوفيتي إلى التبعية للولايات المتحدة ، ومن القطاع العام إلى الخصخصة ، ومن مجانية التعليم إلى الحاجات الخاصة ، ومن القومية العربية إلى القطرية. إن التعاون الإقليمي بين مصر وإيران وتركيا يحمي النظم الثلاثة من العدوان الخارجي عليها ، ويقلل المخاطر الداخلية فيها. فالديموقراطية والتعددية الحزبية مشهود لها في إيران وتركيا دون مصر. والدفاع عن الاستقلال الوطني والإرادة الوطنية مشهود له في إيران وتركيا دون مصر. والطريق الثالث ، الإسلام المستنير مشهود له في تركيا دون إيران ومصر. ومصر ما زالت الدولة القاعدة في محيطها العربي ، ما يحدث فيها له ردود فعل في مائتين وخمسين مليون عربي دون إيران وتركيا. وأن مجموع سكان الدول الثلاث ما يقرب من مائتي مليون. مواردها الطبيعية وإنتاجها الصناعي وتراثها الإسلامي المشترك يجعلها تجمعا إقليميا مركزيا قادرا على تجميع دول الجوار العربية والإسلامية توسيعا لمفهوم القومية العربية. من السهل مواجهة التحديات الخارجية وتجميع الشعوب حوله كما حدث إبان حركات التحرر الوطني ، ومن الصعب الوقوف أمام المخاطر الداخلية كما حدث بعد حركات التحرر الوطني والنزاع على السلطة بين رفقاء النضال بالأمس القريب. ويُروى أن جهاد النفس أصعب من جهاد العدو لو صحت الرواية. لقد أتت الثروة والثورة للعرب والمسلمين ولم يستعدوا لها بعد. فبددوا الثروة وانقلبوا على الثورة. وفي التاريخ ضحى يهوذا بالسيد المسيح في مواجهة اليهود والرومان.