تصاعدت مؤخراً حدة المواجهة بين الإدارة الأمريكية والكونجرس بعد موافقته على مشروع قرار يربط التمويل الإضافي للحرب في العراق بجدول زمني لبدء سحب القوات الأمريكية من العراق بحلول أبريل المقبل.حيث يستعد الرئيس الأمريكي جورج بوش لممارسة صلاحياته الرئاسية باستخدام حق النقض الفيتو، ضد المشروع الذى تبناه الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ، فقد أعلن الرئيس الأمريكى بوش اليوم الجمعة فى مؤتمر صحفى مشترك مع رئيس وزراء اليابان أنه بمجرد أن يعترض على مشروع القانون سيدعو زعماء الكونجرس الى البيت الأبيض لاجراء محادثات حول سبل المضى قدما وسيرفض قبول أى تشريع يتضمن جداول زمنية للانسحاب متوقعا قبول اعتراضه لأن الديمقراطيين لن يتمكنوا من الحصول على تأييد ثلثى الأعضاء لتجاوز اعتراضه .ويرى الرئيس الامريكي أن القانون يضعف القوات الامريكية الموجودة في العراق،واصفاً الجهود التي تحاول فرض انسحاب من العراق بأنها محاولات "لتكبيل الجنرالات الأمريكيين". وهذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها الديمقراطيون في حشد أصوات كافية لاقرار قانون يعارض الحرب ومن المقرر أن يرسل القانون لمكتب الرئيس بوش يوم الثلاثاء، الذي يوافق الذكرى الرابعة لخطاب أعلن فيه "النصر" في معركة العراق وذلك ضمن "الحرب على الإرهاب". ويطالب القرار الذي يمثل تحديا كبيرا لبوش بالانتهاء من سحب القوات الأمريكية المقاتلة بحلول أول ابريل المقبل، وبوقف معونات قدرها850 مليون دولار للحكومة العراقية اذا لم تف بالتزاماتها التي تتضمن تحقيق المصالحة وإعادة النظر في تسريح البعثيين السابقين واعادة توزيع الثروة واشراك السنة في الحكم،كما يقصر مهمة القوات الباقية علي مكافحة الإرهاب وتأمين القوات الأمريكية وتدريب القوات العراقية.
وعلى صعيد ردود الأفعال على هذا القانون ،انتقدت الحكومة العراقية تصديق مجلس الشيوخ على مشروع القانون. وقال المتحدث باسم الحكومة العراقية على الدباغ إن التصويت الذي قام به مجلس الشيوخ لتمرير القانون سيرسل الإشارات الخطأ للجماعات المسلحة التي تقدم نفسها كبديل للعملية السياسية. وأضاف الدباغ أن الحكومة العراقية تنظر إلى القانون "كخسارة لأربع سنوات من التضحيات". وجاءت تصريحات المسؤول العراقي موافقة لما قاله وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري مطلع الأسبوع الحالي من أن "أي جدول زمني للانسحاب لن يكون واقعيا". مشيرا الى أن ما يجري في واشنطن من ضغط للانسحاب من العراق أضر بالأمن والعملية السياسية ليس في العراق فحسب وإنما في المنطقة بأكملها. وقد اكد لبيد عباوى وكيل وزارة الخارجية العراقية لشئون التخطيط و التعاون السياسى ان انسحاب القوات الامريكية قبل انتهاء الجدول الزمنى المحدد سيضعف من قدرات القوات المسلحة العراقية على فرض الامن فى البلاد
كما قال محمود عثمان، وهو نائب كردي في البرلمان العراقي، إن القانون يأتي كخطوة من السياسيين الأمريكيين لتمهيد الأرض من أجل الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام القادم، فيما قال نائب سني إن التصويت الأمريكي لا يهم العراقيين. لكن نائبا في البرلمان العراقي عن كتلة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر قال إن التصويت على هذا القانون يعتبر اعترافا بهزيمة الولاياتالمتحدة في العراق.
فى حين عبر العراقيون عن سعادتهم بتجدد بادرة الأمل فى رحيل الجنود الامريكيين قريبا لكنهم أبدوا خوفا مما يمكن ان يتركوه وراءهم بعدما وافق الكونجرس الامريكى على مشروع القانون مع ضرورة الاتفاق على شكل الخريطة السياسية للعراق بعد الانسحاب تجنبا لتقسيم البلاد وحذر بعضهم من ان الانسحاب سيكون خطرا وسيشعل التمرد و الصراع على السلطة بينما يرى أخرون ان الانسحاب سيقلل الهجمات الانتحارية ويسد الطريق أمام تدخل الدول الاخرى .
ومن ناحية أخرى ، انتقد جون هوارد رئيس الوزراء الاسترالى سعى الكونجرس الامريكى لوضع جدول زمنى للانسحاب معتبرا أنه يصب فى مصلحة تنظيم القاعدة ومن اسماهم بالمتمردين .معتبرا ان هزيمة امريكا بالعراق ستؤدى الى حدوث اضطراب كبير بالمنطقة . ويعتبر هوارد من أشد حلفاء الرئيس الامريكي جورج بوش حيث أرسل الفى جندى استرالى لمساندة القوات الامريكية والبريطانية في غزو العراق وأبقى بعد ذلك 1400 جندي هناك رغم دعوة نواب المعارضة الاستراليين لسحبهم من ذلك البلد.
وفي أول مناظرة للمرشحين الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2008، والتي استمرت 90 دقيقة في جامعة ساوث كارولينا تحت عنوان "أول مناظرة رئاسية مبكرة من نوعها" ترعاها MSNBC ، جدد نواب ومرشحون للانتخابات انتقاداتهم للرئيس بوش بشكل عام وللحرب في العراق بشكل خاص حيث اتفق المرشحون الديمقراطيون الثمانية على رفض البقاء في العراق مناشدين "بوش"بعدم استخدام حق الفيتو ، وكان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، قد وصف المشروع بأنه "خطة عقلانية لإعادة الانتشار العسكري، وليست انسحابا طائشا". وقد قال بيل ريتشاردسون، حاكم نيو مكسيكو وسفير سابق لواشنطن في الأممالمتحدة، الذي دعا إلى سحب جميع القوات الأمريكية من العراق بنهاية 2007: "هذه الحرب كارثة..علينا أن نضع حدا لهذه الحرب."
ومن جهتهاأعلنت السيناتور هيلاري كلينتون عن نيويورك، والمرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة "يبدو الرئيس مصرا على عدم تغيير المسار .. نحن وسط حرب مذهبية أهلية متعددة الأطراف .. نقوم (الديمقراطيون) بكل المستطاع لبدء الانسحاب من هناك."وقالت السناتور هيلاري كلينتون إنه "إن لم يوافق الرئيس على الخروج من العراق، فأنا سأفعل ذلك عندما أصبح رئيسة".
بينما قال النائب الديمقراطي ديفيد اوباي رئيس لجنة المخصصات بالمجلس "هذا المشروع يعطي الرئيس استراتيجية للخروج من الحرب الاهلية العراقية ليست لديه حتى الآن."
وعلى عكس الديمفراطيين ، قد رفض النواب الجمهوريون القانون واعتبروه محاولة لا جدوى منها، لأنه بالرغم من سيطرة الديمقراطيين على مجلسي الشيوخ والنواب، فإنهم لا يملكون ما يكفي من الأصوات التي تمكنهم من الوقوف في وجه حق النقض الرئاسي. وقالوا ان تحديد أي مواعيد للانسحاب سيقيد أيدي القادة العسكريين الامريكيين وسيشجع الاعداء في العراق. وقال جون بويهنر زعيم الجمهوريين في مجلس النواب "يمكننا ان نخرج من العراق مثلما فعلنا في لبنان ومثلما فعلنا في فيتنام ومثلما فعلنا في الصومال ونترك الفوضى خلفنا."
جاء ذلك في الوقت الذي أظهر فيه استطلاع للرأي العام الأمريكي أجرته محطة تليفزيون إن.بي.سي نيوز وصحيفة وول ستريت جورنال ان اثنين من كل ثلاثة أمريكيين, يعتقدان بأن الولاياتالمتحدة تسير في المسار الخاطئ، وأن حرب العراق كانت السبب الرئيسي وراء هذا الاعتقاد.واعتبر22% فقط من الأمريكيين أن بلدهم يسير بالشكل الصحيح، مقابل66% عبروا عن اعتقاد بأنه يسير في الاتجاه الخاطئ .
من جانب آخر،قررت لجنة الرقابة والاصلاح الحكومي في مجلس النواب الأمريكي بأغلبية21 عضوا الي10 أعضاء استدعاء وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للمثول أمامها لسؤالها عن مبررات الادارة الأمريكية لغزو العراق في مارس2003 باعتبار أنها كانت ترأس مجلس الأمن القومي الأمريكي أثناء اتخاذ قرار الغزو.وأمرت اللجنة في قرار غير مسبوق في عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش بمثول رايس أمامها قبل نهاية الشهر المقبل للإدلاء بشهادتها بشأن مزاعم الادارة بأن العراق حصل علي اليورانيوم من النيجر لتصنيع أسلحة دمار شامل, وهي المزاعم التي ثبت زيفها فيما بعد. الا أن رايس ردت من جانبها علي هذا الاستدعاء بالتلميح بأنها قد لا تستجيب لذلك, مشيرة في تصريح للصحفيين الي ان هذا الموضوع أي قضية المعلومات المغلوطة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية تمت الإجابة عليه مرات ومرات بحسب تعبيرها.
وفى هذه الأثناء ، اعلن جورج تينيت المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية ان قرار الحرب فى العراق اتخذ دون مناقشة فعلية داخل ادارة الرئيس بوش وذلك فى كتاب،نشرت صحيفة نيو يورك تايمز مقتطافات منه اليوم الجمعة "،ومن المقرر أن ينشر تينيت مذكراته (في قلب العاصفة) الأسبوع المقبل،
كما هاجم رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية السابق جورج تينيت مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وخاصة نائبه ديك تشيني بشأن غزو العراق .واتهم تينيت إدارة الرئيس الأميركي بالقضاء على سمعته وإساءة استخدام تصريح أدلى به خلال اجتماع في البيت الأبيض قبل الغزو الأميركي للعراق لتبرير الحرب. "بأن العثور على اسلحة دمار شامل بالعراق شىء مؤكد و هو الأمر الذى لم تثبت صحته حتى الأن ". وصرح "تينيت" لبرنامج (ستون دقيقة) في شبكة سي بي إس الأميركية بأن الإدارة سربت تصريحه بعد أن تصاعدت المعارضة لحرب العراق حين لم تعثر القوات الأميركية على أسلحة دمار شامل عراقية.وأوضح تينيت للبرنامج أن ما قصده هو أنه يمكن عرض القضية بشكل أفضل على الرأي العام، ومضى تينيت بأن أكثر ما يثيره هو استمرار كبار المسؤولين مثل ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي وكوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في الإشارة إلى تعبيره هذا وكأنهم يقولون "انظروا إلى هذا الغبي وما قاله لنا ونحن قررنا أن نخوض الحرب".ودعا المسئولين في البيت الأبيض إلى تحمل المسؤولية وقال "لينهض الجميع وليقولوا للشعب الأميركي حقيقة ما حدث .
والجدير بالذكر ان تينيت استقال (بعد أن خدم في إدارة بوش وأيضا في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون )في يوليو عام 2004 وسط انتقادات واسعة النطاق لأداء المخابرات شملت أيضا الهجمات التي تعرضت لها الولاياتالمتحدة في 11 سبتمبر 2001 وشغل تينيت المنصب منذ عام 1997. كمايشار إلى أن الحرب على العراق عام 2003 بررت بدرجة كبيرة بمعلومات مخابراتية عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، لكن لم تعثر القوات الغازية قط على هذه الأسلحة وحققت لجنة رئاسية في أداء المخابرات قبل الحرب وأدانته ووصفته بأنه من أبرز وقائع الفشل الضار في التاريخ الأميركي الحديث. وكان الشيوخ مجلس قد أقرالخميس المشروع بغالبية 51 صوتا مقابل 46، بعد أن تبناه مجلس النواب الأربعاء بغالبية 218 صوتا مقابل معارضة 208 وامتناع اثنين.. وفي حالة استخدام بوش حق الفيتو الرئاسي، فسيتم إعادة القانون مرة أخرى إلى الكونغرس الذي يحتاج عندها إلى ثلثي الأصوات لتمريره، وهو ما يستبعده المراقبون في ظل التوازنات الحالية.ويسمح مشروع القانون لبعض القوات الامريكية بالبقاء في العراق بعد مارس 2008 لمواصلة تدريب الجنود العراقيين وحماية المنشات الامريكية والقيام بعمليات محددة لمكافحة الارهاب. ولاتزال المعركة الدبلوماسية تنتظر نتائج الفيتوالرئاسى المرتقب الاسبوع المقبل واستعداداً له ذكرت صحيفة واشنطن بوست ان نوابا ديمقراطيين و جمهوريين بدأوا تقديم بدائل للبند الاكثر اثارة للجدل فى مشروع القانون لاضفاء مرونة على شروط الانسحاب الملزمة التى تقيد طريقة ادارة بوش للحرب بالعراق . 27/4/2007