الاتصالات بين واشنطن و موسكو لم تنقطع خلال الساعات الاخيرة ، لبحث اخر أزمات الملف الطويل المشترك بين البلدين .. و مسرح الازمة الحالية هو الجيب الحدودى " كالينينجراد" الروسي الذى يقع على بحر البلطيق بين بولندا وليتوانيا ، و الذى يعد جزءً منفصلا من الاراضى الفيدرالية الروسية تم الاستيلاء عليه من ألمانيا في عام 1945. الجيب الحدودى و الذى ظل منطقة عسكرية مغلقة طوال الفترة السوفياتية أصبح الورقة الرابحة التى تلاعب بها موسكوالولاياتالمتحدة و تراهن عليها لعرقلة الخطط الامريكية لنشر درعها الصاروخى فى اوربا على حدود روسيا .. فقد قام الجيش الروسى مؤخرا بنشر منظومة صواريخ اسكندر قصيرة المدى ذات القدرة النووية على أرض الاقليم المطل على بحر البلطيق ، و هو ما اعتبرته واشنطن تأثيرا مزعزعا للاستقرار في المنطقة المتاخمة لأوروبا. وأعربت الخارجية الامريكية الاثنين عن بالغ قلقها ازاء نشر الصواريخ الروسية الباليستية فى قلب اوربا ، وأعلنت أن ادارة الرئيس اوباما تتابع عن كثب تطورات الازمة التى اثارت قلق الدول الاوربية المتاخمة للجيب الروسى ، و قالت مارى هارف Marie Harf مساعدة المتحدث باسم وزارة الخارجية " لقد ابلغنا روسيا القلق الذي يسود المنطقة (...) و نعلم بالتأكيد ان دول المنطقة عبرت عن قلقها ونحن نواصل التشاور معها"، في اشارة الى القلق الذي ابدته كل من بولندا ودول البلطيق الثلاث - وجميعها أعضاء في الحلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي- بعد اعلان نشر الصواريخ بين بولندا وليتوانيا. و قد حاول البنتاجون طمأنة موسكو حيث ابلغ وزير الدفاع تشاك هيجل نظيره الروسى "انه وبالرغم من الامال التي ولدت بعد الاتفاق الاولي مع ايران حول برنامجها النووي لكن المشاريع الاميركية والاطلسية المضادة للصواريخ لا تشكل اي تهديد لروسيا بل انها لمواجهة ايران". و طالب القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسى "الناتو" فى أوروبا فيليب بريدلاف، نشر صواريخ متقدمة بالقرب من الحدود الشرقية للحلف، تظهر الحاجة إلى زيادة الاتصالات بين القادة العسكريين الروس والأطلسيين. وقال بريدلاف، إن الطائرات الأطلسية والروسية تعمل على مقربة من بعضها البعض فى بحر البلطيق والبحر الأبيض المتوسط ومناطق أخرى و"ليس هناك أى مجال لسوء تقدير". على الجانب الاخر ، أكدت وزارة الدفاع الروسية اليوم ما نشرته صحيفة "بيلد" الالمانية يوم السبت حول اتمام روسيا خلال الاشهر ال12 الماضية نصب منظومة بطاريات صواريخ من نوع اسكندر- ام التي تعرف ايضا باسم "اس اس - 26 في كالينينجراد وعلى طول الحدود الروسية مع دول البلطيق.. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية ان ستة أنظمة صواريخ من نوع اسكندر سبق ان نشرت في المنطقة العسكرية الغربية عام 2010، كما نشرت اخرى في منطقة القوقاز جنوبروسيا. واوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية ايجور كوناشينكوف ان هذا الانتشار "لا يخرق اي معاهدة أو اتفاق دوليين" .. إلا أن المتحدث الروسي لم يؤكد بشكل واضح ما إذا كانت هذه الصواريخ التي يبلغ مداها 500 كيلومتر ويمكن أن تحمل رؤوسا نووية، قد نشرت في كالينينجراد.. و يرى محللون انه على الرغم من عدم معرفة أين و متى تم نشر صواريخ اسكندر الروسية ، الا ان هذا التحرك يعكس قلقا كبيرا لدى موسكو التى جددت مؤخرا معارضاتها لنشر الدرع الصاروخية لحلف الاطلسي في اوروبا ، باعتباره تهديدا لها . و يتوقع الخبراء ان يفتح نشر الصواريخ الروسية مجالا جديدا لحرب باردة ، حيث تعد الصواريخ الروسية قادرة على تغطية المنطقة العسكرية الغربية الروسية وهو ما يشمل مساحة شاسعة تمتد الى موسكو وسان بطرسبورغ وتصل الى المحيط المتجمد الشمالي شمالا واوكرانيا جنوبا. و بوادر الازمة كانت قد ظهرت في عام 2008، مع تلويح روسيا بنشر صواريخها قصيرة المدى فى جيب كليننجراد ، إذا ما مضت الولاياتالمتحدة قدما في خطتها المثيرة للجدل لبناء قواعد للدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك.. و هى الخطط التى اعلنت واشنطن انها ستدخل حيز التنفيذ بدا من عام 2018 و تستهلها بوضع صواريخ اعتراضية على اليابسة في شمال بولندا و رومانيا تحت زعم كونها جزء من نظام للدفاع الاوربى ضد صواريخ طويلة المدى الايرانية . يذكر ان جيب كالينينجراد ذا الاهمية الاستراتيجية الكبيرة لموسكو و الذى يضعها فى وسط قلب اوربا ، يعد مركز لاسطول البلطيق الروسي المتمركز في ميناء "بالتييسك" وهو المنفذ الأوروبي لروسيا الخالى من الجليد في البلاد.. ومنذ انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي اصبح هناك احتكاكات روسية لتوانية حيث اصبح المرور بين كيلينجراد وباقي روسيا لا يتم دون عبور أراضي دولة واحدة على الأقل في الاتحاد الأوروبي.