التوتر السياسى طويل الامد بين إيران والمملكة العربية السعودية ، انعكس ظله على اجتماعات منظمة الدول المصدرة للنفط " اوبك" ، والتى شهدت اجتماعاتها اعلان طهران خطط لزيادة حصصها من انتاج النفط .. فيما قررت المنظمة الابقاء على نفس سقف انتاجها من خام النفط المحدد بثلاثين مليون برميل يوميا لمدة ستة اشهر اخرى حتى الاجتماع المقبل في يونيو 2014. ان ضوابط منظمة الاوبك بشان انتاجها - خاصة مع سيطرتها على نحو ثلث سوق النفط العالمي، وكونها المصدر الوحيد لتوفير اى فائض من النفط فى حالة اشتداد الطلب - له تأثير كبير على الأسعار، و لكن اعتماد المنظمة لنفس سقف الانتاج الذى داوم اعضائها اعتماده منذ ديسمبر 2011 ، قد يواجهه هذه المرة عدة تحديات متزايدة، على راسها ضرورة استيعاب الارتفاع السريع في إنتاج الصخر الزيتي الامريكى، وتحقيق التوازن بين تطلعات إيرانوالعراق، اللتان تهددا بزيادة الانتاج بقوة بغض النظر عن أهداف و مصالح المنظمة . لذا اعتبر محللي مركز دراسات الطاقة الشاملة، فى لندن، ان 'مجرد تجديد سقف الانتاج قد يكون كافيا لتفادي هبوط الاسعار خلال النصف الاول من العام المقبل، لكنه لن يسمح بمواجهة التحديات الفعلية التي ستطرح على المنظمة عام 2014. ايران ، وهى مدعومة باتفاق مؤقت مع القوى الدولية حول برنامجها النووي ، تأمل فى رفع انتاج النفط الخام بسرعة من مستوي 2.7 مليون برميل يوميا الى مستوى 4 مليون برميل يوميا ، إذا وصلت الى اتفاق لدحر العقوبات.. وفى مؤتمر صحفى قبيل انعقاد اجتماع وزراء اوبك في فيينا يوم الاربعاء، هدد "بيجان زنقانة" وزير النفط الإيراني، باشعال حرب أسعار، محذرا أعضاء أوبك من بلاده ستزيد الانتاج حتى لو انخفضت أسعار النفط الخام فى السوق العالمية .. و قال: "في ظل أي ظرف من الظروف سنصل لمعدل 4 مليون برميل يوميا حتى لو انخفض سعر النفط الى 20 دولارا للبرميل". تصريحات " زنقانة" لم يكن لها الا تفسير واحد ، وهو انه على أعضاء أوبك الأخرين خفض انتاجهم لاستيعاب عودة ايران إلى السوق، للحفاظ على ارتفاع الأسعار ، و الاستتضطر ايران للتصرف من جانب واحد و زيادة حصتها فى السوق . على جانب اخر .. العراق أيضا اعلنت انها تعتزم زيادة الإنتاج بنسبة مليون برميل يوميا في العام المقبل ليصل انتاجها اليومى الى 4 ملايين برميل .. و يرى المحللون ان تهديدات ايران و العراق سابقة للمستقبل ، حيث تواجه كلا البلدين معوقات تحول دون تنفيذهما لهذا التهديد ، فايران مازالت لا يمكنها تصدير النفط إلى الاتحاد الأوروبي أو الولاياتالمتحدة بواقع العقوبات القائمة ، في حين نجد أن صناعة النفط العراقية مازالت تعانى من اختناقات البنية التحتية والمشاكل الأمنية المتزايدة. و يعتقد جيمي ويبستر، رئيس استخبارات السوق فى شركة PFC للطاقة ، انه حاليا ينبغي أن ينظر إلى اللغة الايرانية العدوانية على أنها محاولة لتمهيد الطريق لإجراء مناقشات في المستقبل مع المملكة العربية السعودية، الزعيم الفعلي لمنظمة اوبك.. لذا فان تشدد ايران ما هو إلا استهلال لموقف تفاوضي صعبى تسعى فيه لجنى اكبر المكاسب . المملكة العربية السعودية، و هى أكبر مصدر للنفط في العالم، ستواجه معظم هذه الضغوط من اجل خفض إنتاجها لاستيعاب إيرانوالعراق، خاصة و ان انتاج المملكة حاليا فى مستويات قياسية بالقرب من أكثر من 10 مليون برميل يوميا ، نتيجة تعثر الامدادات المناسبة من بقية أعضاء أوبك الآخرين. لكن بالطبع يعى المسؤولون السعوديون ان نمو الإنتاج الإيرانيوالعراقي من غير المرجح أن يتحقق بسرعة فى القريب العاجل .. لذا تجاهل "علي النعيمي " وزير النفط السعودي، موقف ايران العدواني ازاء تهديدها بحرب الاسعار ، و قال قبل الاجتماع "الجميع يعرف ما الذي سيحدث إذا وصل السعر إلى 20 دولارا؟ و انتاج النفط بما في ذلك النفط الصخري، ونفط الرمال الكندية، والنفط الكامنة تحت طبقة الملح، سيزول كل ذلك ". البيان الرسمي لاوبك ، أبرز النمو الاقتصادي باعتباره التهديد الرئيسي لارتفاع أسعار النفط، بدلا من زيادة المعروض ، و شدد على "إن أكبر تحد يواجه أسواق النفط في عام 2014 هو عدم اليقين الاقتصادي العالمي ". و يرى المحللون ان ثبات اسعار النفط هذا العام على الرغم من تعطل الانتاج في نيجيريا وليبيا ، جاء نتيجة النمو السريع لانتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، الذى عوض نقص المعروض بالاضافة الى اضرار المملكة العربية السعودية لضخ امدادات قياسية من النفط فى السوق و هو ما حقق التوازن النسبى . و يرى خبراء الطاقة ان عودة الانتاج في ايران وليبيا ونيجيريا لمعدلاته الطبيعية او حدوث زيادة قوية في الانتاج العراقي اذا ما حلت المسائل اللوجستية و امور البنية التحتية هناك ، قد يضع " اوبك " امام تحدى اخر حيث قد يطفو على السطح مرة اخرى مسألة الحصص الفردية التى طالما كانت قضية شائكة. و قد تمكنت المنظمة من تفادي قضية تحديد حصص انتاج فردية لاعضائها، بالسماح للسعودية باستخدام الفائض في قدراتها الانتاجية لاعادة التوازن الى السوق ، لكنها كانت سياسة مقبولة طالما ان المملكة يمكنها ذلك ، لكن ذلك لن يعود ممكنا ان كان سيقلص انتاجها بشكل كبير.