شرع البرلمان اللبناني يوم الثلاثاء في مناقشة موازنة عامة للبلاد للمرة الأولى منذ عام 2005 في خطوة من شأنها أن تنهي وضعًا شاذًا لبلد قضى 12 عامًا بلا ميزانية عامة. وعلى الرغم من أن موازنة 2017 المطروحة أمام البرلمان تم صرفها في معظمها إلا أن إقرارها يؤسس ليبنى عليها في الموازنات اللاحقة. وبدون ميزانية تتضاءل فرص معالجة العجز المالي المتنامي للبنان. وعلى مدى الاثني عشر عامًا الماضية كانت الدولة تسير وفق ما يعرف بقاعدة "الاثنا عشرية". ووفقًا للدستور، فإنه في حال تخلف مجلس النواب عن إقرار الموازنة خلال شهر ديسمبر، أي قبل إنطلاق السنة المالية التالية، فإنه يمكن للحكومة أن تلجأ إلى الصرف لمدة شهر واحد وهو يناير ، وتلك تسمى "الاثنا عشرية". لكن الحكومات المتلاحقة اعتمدت هذه الطريقة على مدار السنة. وافتتح رئيس مجلس النواب نبيه بري الجلسة العامة التي ستستمر ثلاثة أيام متتالية من دون أن تجري أي عملية "قطع حساب" للموازنة وتترك هذا البند لتوافق سياسي تقرر بموجبه إجراء "قطع الحساب" في العام المقبل. ومن شأن "قطع الحساب" أن يبين الكشف المالي الدقيق لعمليات الإنفاق للدولة ووجهة الصرف. غير أن خلافًا سياسيًا ماليًا إندلع قبل 12 عامًا تسبب في التوقف عن إقرار الموازنة وقطع الحساب بعد أن اكتشفت الحكومة ومجلس النواب أن 11 مليار دولار قد تم صرفها من دون تحديد وجهتها. وأدى هذا "الضياع" في الأرقام إلى نشوب حروب كلامية في عهد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة واستمر أعوامًا لكن السنيورة كان يؤكد استعداده لتبيان "كل قرش" صرف في حكومته. وخلال الجلسة الصباحية قدم رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان تفاصيل الموازنة. وقال إن "النصوص الضريبية الواردة في الموازنة تفتقر إلى أسباب تبريرية كافية وإلى رؤية شاملة تحقق العدالة الإجتماعية والإقتصادية". وكان البرلمان قد أقر في وقت سابق هذا الشهر سلسلة ضرائب مثيرة للجدل يقول خبراء إقتصاديون إنها ستؤثر على الوضع المعيشي لغالبية اللبنانيين. وفي يوليو وافق البرلمان على زيادة قدرها 917 مليون دولار في رواتب العاملين بالقطاع العام على أن يتم تمويلها من الزيادات الضريبية بما فيها زيادة ضريبة القيمة المضافة لتصبح 11 بالمئة بعد أن كانت عشرة بالمئة. ويبلغ معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 148 بالمئة، وهو من أعلى المعدلات في العالم. وسجل لبنان عجزًا في الموازنة بلغ 4.9 مليار دولار العام الماضي. وخلال مناقشة الموازنة في البرلمان قال رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي "أرقام البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن الإنفاق والهدر مرعبة وباتت كلفة الفساد والهدر تشكل ما نسبته تسعة في المئة من الناتج المحلي أي حوالي 4.5 مليار دولار كعبء على الإقتصاد الوطني، إضافة إلى الهدر الناتج عن المنافسة غير المشروعة بسبب أعمال التهريب، فبات الإقتصاد اللبناني عاجزًا عن تحمل المزيد". وأضاف قائلًا "أرقام البنك الدولي تشير أيضًا إلى أن 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي أو ما يعادل 4 مليارات دولار هي عبء على الإقتصاد بسبب سوء حال الطرق وأزمة السير". وتحتاج البنية التحتية في البلاد إلى الإصلاح منذ 1990 العام الذي انتهت فيه الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا حيث الطرق مكدسة بالسيارات والشواطئ تتناثر عليها النفايات وخدمة الإنترنت بطيئة أو متقطعة وانقطاعات الماء والكهرباء متكررة إضافة إلى رزمة تشريعات غير مكتملة. وتحدث علي فياض النائب عن حزب الله بإسهاب عن نفقات تسجل في باب الهدر وقال "هناك نفقات لا نعرف أين صرفت ولماذا... إذ انها مسجلة في خانة العناوين المبهمة مثل: أعمال إضافية وبدلات أتعاب وتعويضات مختلفة ومكافآت ونفقات شتى وتجهيزات متنوعة ونفقات على دروس واستشارات وإنشاءات ونفقات سرية وهذه كلها أبواب غير واضحة". وفي الجلسة المسائية حذر النائب المسيحي جورج عدوان من عواقب الهدر والفساد في البلاد قائلًا "إذا أكملنا بنفس المسار سنصبح مثل اليونان". لكن وزير المال علي حسن خليل كان أكثر تفاؤلًا إذ قال "عمل الدولة وٌضع على السكة الصحيحة مع مناقشة الموازنة العامة تمهيدًا لاقرارها. وهذه تعد موازنة إعادة الانتظام لتكون الموازنة المقبلة ذات رؤية إقتصادية ومالية".