جوتيريش يدعو دول العالم إلى سرعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    ولي العهد السعودي يؤكد ضرورة الوقف الفوري للاعتداء بغزة    الخارجية الأمريكية: تشكيل حكومة الحرب الإسرائيلية قرار لا يخصنا    البيت الأبيض يعلن مقتل بحار فلبيني في هجوم للحوثيين على سفينة شحن    طاقم حكام مباراة زد أف سي وفاركو في الدوري    عاجل.. خبير تحكيمي يحسم الجدل حول هدف الزمالك "الملغي" أمام المصري (شاهد)    ضحايا الحر.. غرق شخصين في مياه النيل بمنشأة القناطر    عارفة عبد الرسول تكشف سرقة سيدة لحوما ب2600.. وتعليق صادم من سلوى محمد علي    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    نائب لبناني عن كتلة الوفاء: المقاومة لا تخضع للتهديد وهي مستعدة لكل الاحتمالات    سرايا القدس تعرض مشاهد لقصف عناصرها جنودا وآليات عسكرية إسرائيلية في رفح    تعرف على حدود التحويلات عبر تطبيق انستاباي خلال إجازة العيد    محافظ المنيا: حملات مستمرة على مجازر خلال أيام عيد الأضحى    إصابة دموية ل مبابي في افتتاح مشوار فرنسا باليورو (صور)    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    وفاة أول حاج من الوادي الجديد خلال أداء مناسك الحج    حريق يلتهم مقلة لب بطنطا في ثاني أيام عيد الأضحى (صور)    مفاجأة عن الحالة الصحية للطيار المصري قبل وفاته، والشركة تبرر تصرف مساعده    «قضايا الدولة» تهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عودته بعد أداء فريضة الحج    مسؤول إسرائيلي يعلق على مصير عشرات الرهائن في غزة    وفاة والد عمرو أدهم عضو مجلس إدارة نادي الزمالك    أحمد حلمي من كواليس "ميمو" ونيللي كريم في طريقها للسعودية ..10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    مسئول في الموساد يعكس "صورة قاتمة" حول صفقة التبادل مع حماس    هيئة الدواء المصرية تسحب عقارا شهيرا من الصيدليات.. ما هو؟    8 أعراض تظهر على الحجاج بعد أداء المناسك لا تقلق منها    صدمة في فرنسا.. مبابي يخضع لجراحة عاجلة    محمود فوزي السيد: عادل إمام يقدر قيمة الموسيقى التصويرية في أفلامه (فيديو)    عبدالحليم قنديل ل"الشاهد": طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    إسماعيل فرغلي: ربنا كرمني بعد مرارة سنوات.. وعشت ظروف صعبة لا تنسى    «الأزهر» يوضح آخر موعد لذبح الأضحية.. الفرصة الأخيرة    مرشحو انتخابات الرئاسة الإيرانية فى أول مناظرة يدعون لحذف الدولار.. ويؤكدون: العقوبات أثرت على اقتصادنا.. النفط يُهدر بنسبة 17% والتضخم تجاوز 40%.. ومرشح إصلاحي يعترف: عُملتنا تتدهور والنخب تهرب والوضع يسوء    تعرف على سعر الفراخ والبانيه والبيض بالأسواق اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    الزمالك يهدد بمنتهى القوة.. ماهو أول رد فعل بعد بيان حسين لبيب؟    في ثالث أيام العيد.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم في مصر ودرجات الحرارة المتوقعة    وفاة 10 حجاج من أبناء كفر الشيخ خلال أداء مناسك الحج.. اعرف التفاصيل    بيان عاجل من وزارة السياحة بشأن شكاوى الحجاج خلال أداء المناسك    تراجع سعر سبيكة الذهب اليوم واستقرار عيار 21 الآن ثالث أيام العيد الثلاثاء 18 يونيو 2024    بعد الارتفاع الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 18 يونيو في ثالث أيام العيد    بعد الفوز على الزمالك| لاعبو المصري راحة    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    لسبب جسدي.. أنس جابر تعلن غيابها عن أولمبياد باريس 2024    وزراء البيئة بالاتحاد الأوروبي يوافقون على قانون استعادة الطبيعة    عاجل.. أميرة نايف تعلن وفاة والدتها: «اللهم ارحم موتانا»    مصطفى عمار: عادل إمام سفير فوق العادة للكوميديا المصرية في الوطن العربي    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    تهنئة إيبارشية ملوي بعيد الأضحى المبارك    االأنبا عمانوئيل يقدم التهنئة بعيد الأضحى المبارك لشيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    شقق التضامن الاجتماعي.. تفاصيل تسليم 1023 وحدة سكنية ب 400 مليون جنيه    وكيل «صحة الشرقية» يقرر نقل 8 من العاملين بمستشفى ههيا لتغيبهم عن العمل    مشروع الضبعة.. تفاصيل لقاء وزير التعليم العالي بنائب مدير مؤسسة "الروس آتوم" في التكنولوجيا النووية    الإفتاء توضح حكم طواف الوداع على مختلف المذاهب    شروط القبول في برنامج البكالوريوس نظام الساعات المعتمدة بإدارة الأعمال جامعة الإسكندرية    تعرف أفضل وقت لذبح الأضحية    دعاء يوم القر.. «اللهم اغفر لي ذنبي كله»    إطلاق مبادرة «الأب القدوة» في المنوفية.. اعرف الشروط    ثاني أيام عيد الأضحى 2024.. طريقة عمل كباب الحلة بالصوص    الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر.. الأنواع والشروط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد السماك: لماذا استاءت أمريكا من سقوط "الإخوان"؟
نشر في أخبار مصر يوم 22 - 11 - 2013

أي الولاءين يتقدم على الآخر في الدولة الواحدة؟ الولاء الديني أم الولاء الوطني؟ تتضمن الإجابة على هذا السؤال إجابة غير مباشرة على سؤال آخر طالما شغل الأوساط السياسية في العالم العربي، وهو: لماذا تتعاطف الولايات المتحدة مع حركة "الإخوان المسلمين"؟
تقول الحركة بالولاء الديني أولاً. بمعنى أن المسلم الإندونيسي مثلاً، هو أقرب إلى المسلم المصري من القبطي المصري. وهذا يفسر تقديم الأمة على المواطنة في ثقافة الحركة وفي عملها السياسي. وتقول حركة "الإخوان" إن الأوطان التي تقيم فيها هي تقسيمات للأمة وتشتيت لإمكاناتها وقواها المادية والمعنوية! ولذلك فإن الحركة في أساس عقيدتها تعادي الدولة الوطنية وتزعم رفع لواء الدولة الأمة.. وهذا هو أساس دعوتها ل"الخلافة"، ول"دولة الخلافة".
غير أن المجتمعات في العالم الإسلامي هي مجتمعات متعددة الأديان والمذاهب ومتعددة العناصر والثقافات واللغات. ففي مصر مثلاً حيث تمكنت حركة "الإخوان" من الوصول إلى السلطة، يتشكل المجتمع المصري من أكثرية إسلامية وأقلية مسيحية. ويعني إسقاط الدولة الوطنية إسقاطاً للوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين.
قد لا تنجح حركة "الإخوان" في إسقاط هذه الوحدة لإقامة دولة الأمة الإسلامية. لأن في ذلك الكثير من المصاعب والمستحيلات. ولكنها قد تستطيع أن تنجح في هزّ أركان الدولة الوطنية والأسس التي تقوم عليها. ويعني ذلك أن يتطلع المسيحيون المصريون الذين يشكلون حوالي 10 في المئة من السكان (أي حوالي تسعة ملايين نسمة) إلى إقامة دولة خاصة بهم.
وهذا ما حدث في السودان المجاور لمصر، حيث أدت سياسة المطالبة بتطبيق الشريعة على الجميع، إلى صب الزيت على نار الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. وانتهى الأمر إلى انشقاق الجنوب وإقامة دولته الخاصة.
صحيح أنه ما كان للجنوب السوداني أن ينفصل من دون دعم الولايات المتحدة في الدرجة الأولى، ودعم الدول الغربية الأخرى، إلا أن تقسيم السودان ليس حلقة منفصلة عن سياق المشاريع التقسيمية التي تستهدف المنطقة العربية، والتي تشمل مصر أيضاً.
لقد تصدعت الوحدة الوطنية في العراق، ليس بين العرب والأكراد فقط، ولكن بين السنة والشيعة أيضاً. أي أن هذه الوحدة معرضة للتفتت على خلفية عنصرية ومذهبية معاً.. بعد أن تمت تصفية معظم الوجود المسيحي التاريخي فيه، حيث انخفض عدد المسيحيين من مليون ونصف مليون قبل الاجتياح الأمريكي، إلى أقل من نصف مليون الآن.
وتصدعت الوحدة الوطنية في اليمن بين الشمال والجنوب وبين الحوثيين والسلفيين أيضاً.
وتصدعت الوحدة الوطنية في ليبيا بين قبائل الشمال وقبائل الجنوب. وبين قبائل الشرق وقبائل الغرب بمن فيهم الأمازيغ. ووصل التصدع حتى إلى تونس على رغم أنها في أكثريتها الساحقة عربية القومية، مالكية المذهب. وتصدعت الوحدة الوطنية في سوريا بعد أن كانت توحدها قبضة حديدية. والوحدة الوطنية مرممة في لبنان بعد أن تصدعت على خلفية دينية. إلا أن الخطر الذي يهدد وحدته الآن هو خطر التصدع المذهبي.
ومن هنا فإن انطلاق حركة "الإخوان المسلمين" في مصر نحو الدولة الأمة، يتطلب المرور فوق كيان الدولة الوطنية، ليقسمها إلى دولتين إسلامية تنشد دولة الأمة، وقبطية تسعى مثل جنوب السودان للبقاء والاستمرار بحماية ودعم دوليين.
وإذا تقسمت مصر -لا سمح الله- فإن من المشكوك فيه أن تصمد الوحدات الوطنية -التي تترنح تحت ضربات سوء إدارة التعدد الديني والعنصري والمذهبي- في الدول العربية الممتدة من شرق البحر المتوسط وحتى غربه.
وهنا يبرز موقف الولايات المتحدة. فهي ليست طبعاً مع الدولة الأمة التي ترفع حركة ال"إخوان المسلمين" شعارها، ولكنها مع تقسيم الدول الوطنية. ولذلك فإن سقوط حكم "الإخوان" في مصر أصاب الآمال الأمريكية بنجاح هذا المشروع بالخيبة.. فكان الموقف الاعتراضي على السقوط.
في الأساس ليست للولايات المتحدة مصلحة مباشرة في تفتيت الدول الوطنية إلى دويلات. ولكن إسرائيل تعتبر أن استراتيجيتها الأمنية تقوم على هذا التفتيت، لأنه يسقط لأجيال عديدة قادمة أي خطر يمكن أن يتهددها. والتكامل الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي (هناك معاهدة حول هذا التكامل وقعت في عام 1982) يحمل الولايات المتحدة على تشجيع حركات الانفصال (جنوب السودان وشمال العراق) وحركات ضرب أسس الدولة الوطنية تحت مظلة وهمية هي مشروع الدولة الأمة (حركة الإخوان المسلمين في مصر والأردن).
لقد خسر السودان جنوبه ولم تجد "الشريعة" طريقها إلى التطبيق. وقد تخسر مصر وحدتها ولن تتقدم خطوة واحدة نحو الدولة الأمة. وقد ينهار نظامها السياسي من دون أن تتمكن من أن تخطو خطوة واحدة نحو وهم الخلافة!
وبالنتيجة فإن الرابح الوحيد يكون المشروع الصهيوني الذي يستهدف الوطن العربي بالتمزيق والتفتيت!
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي -وكان عمر إسرائيل لا يزيد على ثلاث سنوات- كتب ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة في ذلك الوقت رسالة إلى وزير خارجيته موشي شاريت دعاه فيها إلى وضع خطة عمل لتقسيم لبنان وإقامة دولة مسيحية فيه. وكاد هذا المشروع يتحقق في الثمانينيات لولا الوعي الوطني المسيحي الذي أجهضه. إلا أن الدعم الإسرائيلي التشجيعي والتحريضي لجنوب السودان ولشمال العراق، بدأ يعطي ثماره المحرمة.
ولو نجحت حركة "الإخوان المسلمين" في ضرب الوحدة الوطنية في مصر بإقامة دولة دينية -لم يقل بها الإسلام في الأساس- وتحويل المسيحيين فيها من مواطنين إلى "أهل ذمة" على الطريقة العثمانية، فإن كل المنطقة العربية قد تتحول إلى مزرعة لإنتاج هذه الثمار المحرمة!
ولكن إسقاط حكم حركة "الإخوان" قطع الطريق -ولو إلى حين- أمام هذا البرنامج. ولذلك استاءت إسرائيل، وعبّرت الولايات المتحدة عن هذا الاستياء بمعارضة سلطة ما بعد "الإخوان".
وثمة سبب آخر للاستياء الأمريكي المدوي وللاستياء الإسرائيلي الخافت. وهو أن وصول حركة "الإخوان المسلمين" إلى السلطة شجع حركات التطرف الديني على الخروج من تحت الأرض إلى العلن.. والتعرف على هذه الحركات ومواقعها ورجالاتها هو في حد ذاته مكسب مهم للولايات المتحدة ولأجهزتها الأمنية والاستخباراتية في حربها على الإرهاب والتطرف. ولكن سقوط حكم حركة "الإخوان" أوقف هذه العملية قبل أن تكتمل. وكان ذلك سبباً إضافياً لانزعاج الولايات المتحدة. فالسلطة بيد "الإخوان" بدت لحين من الوقت كالنار التي تجذب إليها الفراشات من مخابئها.. حتى إذا تحركت تكون العيون الأمريكية والإسرائيلية لها بالمرصاد تمهيداً للانقضاض عليها. ولكن سقوط "الإخوان"، أي إطفاء النار قبل اكتمال
العملية، كان مصدراً وسبباً لخيبة الأمل.
لم تؤيد الولايات المتحدة حركة "الإخوان" حباً بها أو إعجاباً بمشروعها ولا حتى تقديراً ل"مشروعيتها". فللحركة تاريخ طويل من معاداة الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن مشروع السلطة لدى الحركة الذي يقوم على أساس أفضلية الدولة الأمة على الدولة الوطنية هو الذي أدى إلى تغيّر النظرات المتبادلة. فالحركة تؤمن بمشروع الخلافة الذي يتجاوز كل الدول الوطنية، والولايات المتحدة تؤمن باستحالته وتالياً بإمكانية توظيف السعي إليه من أجل تحقيق المزيد من التقسيم والتجزئة في دول العالم العربي. وبالنتيجة فإن التاريخ لا يحكم على النوايا "الحسنة".. ولكنه يحكم على النتائج السيئة.
نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.