لن ترتاح أرواح شهداء موجة محمد محمود الثورية التي تحل ذكراها اليوم إلا حين يصبح الدم المصري خطا أحمر وعندما تصير حياة المصريين في مأمن من الرصاص والخرطوش والغاز تحت أي ظرف. فقدت مصر في موجة الثورة الثانية محمد محمود شبانا رائعين يساوي الواحد منهم ألفا أو يزيد لأن حبهم الجارف للوطن هو من النوع الذي تهون من أجله الحياة. وهذا نوع من الوطنية يندر مثله وخاصة حين يشتد الخوف في ظل استرخاص دم الإنسان لحماية نظام عام أو خاص حيث يقترن القمع بخصخصة السلطة لمصلحة شبكات مصالح متوحشة أو تنظيم عابر للحدود. ولذلك لن تبدأ مصر طريق التقدم إلا حين يصبح دم أبنائها جميعهم, ومهما اختلفت مشاربهم خطا أحمر. وعندما يحدث ذلك لابد أن يكون جزءا من تغيير تشتد حاجتنا إليه في منظومة قيمية فاسدة تسود ثقافتنا المجتمعية فتحط من شأن الإنسان إلي الحد الذي يجعله أرخص من دابة. فقد كان تغيير هذه المنظومة هو الهدف الرئيسي للنضال الوطني الديمقراطي الذي لم يتوقف منذ الثورة العرابية سعيا إلي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو إلي العيش والحرية. وليس ثوار محمد محمود إلا حلقة من أعظم حلقات هذا النضال المتواصل جيلا بعد جيل بحثا عن مصر الديمقراطية العادلة التي ستبزغ في اليوم الذي يجد فقراؤها قوت يومهم باعتباره حقا لهم وناتجا لعملهم وليس تصدقا عليهم أو تبرعا لهم, ويعيش مواطنوها جميعهم في حرية لا يتعرضون لقمع أو قهر0 وهذا هو عيش الحرية الذي غني جيلنا من أجله مع الشاعر المناضل سمير عبد الباقي والفنان المبدع عدلي فخري:( نخبز من بعد الجوع عيش حرية) كنتيجة لصعود مصر وشعبها( طالعين من تحت طالعين.. من تحت جدور الطين.. حانهدم كل الزنازين.. ونملا الميادين ملايين). وها هي الميادين امتلأت بالملايين علي مدي أيام الثورة الثمانية عشر, دون أن تطلع مصر( من تحت جدور الطين). فلم تمض تسعة أشهر علي طلعة25 يناير حتي كان شبابها يقتلون وتقنص عيونهم في محمد محمود ومن قبله في ماسبيرو ومن بعده في شارع مجلس الوزراء. فكانت طلعة30 يونيو التي مضي عليها ما يقرب من خمسة أشهر ومازال المصريون ينتظرون اليوم الذي يصبح فيه دمهم خطا أحمر. نقلا عن صحيفة الاهرام
