في الوقت الذي اعتاد فيه الكثيرون عند الحديث عن المجتمع الهندي تناول وضع المرأة الهندية باعتبارها تعاني من الفقر والبطالة والتفرقة جاءت أحداث الأسبوع الماضي لتمثل حدثا غير مسبوق في تاريخ الهند السياسي الحديث, حيث تولت السيدة براتيبا باتيل رسميا منصب رئيسة الهند, بعد أن أقسمت اليمين الدستورية لتصبح بذلك أول سيدة تشغل هذا المنصب, في تلك الدولة التي تعرف عادة بأنها أكبر ديمقراطية في العالم. وليصبح انتخابها متواكبا مع الاحتفالات بمرور60 عاما علي استقلال الهند. ورغم الترحيب الذي قوبل به فوز باتيل 72 عاما باعتباره يمثل انتصارا للمرأة الهندية المهمشة سياسيا, التي لايتعدي تمثيلها في البرلمان نسبة10% علي أحسن التقديرات, إلا أن الحقيقة أن الهند وعلي مدي تاريخها السياسي عرفت زعامات سياسية نسائية كثيرة لعل ابرزهن علي الإطلاق انديرا غاندي التي تولت رئاسة الوزراء عام1966 لتصبح بلادها من أوائل الدول التي تتولي فيها امرأة مثل هذا المنصب الهام. إلي جانب سونيا غاندي زوجة ابنها الراحل التي تتولي الآن زعامة حزب المؤتمر الحاكم. وطبقا للدستور فإن منصب الرئاسة هو بالأساس منصب شرفي, حيث يتمتع رئيس الوزراء بصلاحيات وسلطات تنفيذية واسعة, ولكن المنصب له العديد من الامتيازات أيضا فالرئيس طبقا للدستور هو القائد الأعلي للقوات المسلحة, وله حق الإشراف علي تشكيل الحكومة في حالة تعليق البرلمان لأعماله, كما أنه أعلي منصب في البلاد. ولذلك فالمنصب رغم كونه شرفيا, إلا أنه يحظي بالاحترام والتقدير. وربما لهذا السبب خاضت باتيل معركة انتخابية ساخنة, رغم أن الانتخاب لايتم بالاقتراع المباشر, بل عن طريق تصويت نواب البرلمان وأعضاء مجالس الولايات. فمنذ أن طرح حزب المؤتمر والأحزاب المتحالفة معه اسمها, وهو عرضة للانتقادات الحادة من قبل أحزاب المعارضة وفي مقدمتها حزب بهارتيا جاناتا الذي ينتمي اليه منافسها في الانتخابات هايرون سينج شيخاوات وهو أيضا نائب الرئيس الحالي. ولعل أولي الاتهامات التي وجهت لها كانت بسبب ولائها المطلق لعائلة غاندي, الأمر الذي دفع معارضيها للقول أن هذا الولاء كان العامل الأساسي وراء تمسك ودعم زعيمة الحزب سونيا غاندي لها. ومن ثم فهي في رأي هؤلاء ستصبح دون شك ألعوبة في يد العائلة تحركها كيفما تشاء, فضلا عن ضمان دعمها للحكومة في كل قراراتها. أما الاتهام الثاني فقد تعلق بأدائها السياسي, فرغم مسيرتها السياسية الطويلة التي استمرت ثلاثين عاما, وبدأت بانضمامها لحزب المؤتمر أوائل الستينيات, وكونها أمضت عقدين تقريبا عضوة في مجلس ولاية ماهارشترا مسقط رأسها في غرب الهند, ثم عضوة بالبرلمان الهندي إلا أنها خلال هذه المسيرة لم تكن شخصية بارزة.و حتي عندما عادت مرة أخري عام2004, بعد فترة طويلة من التوقف عن العمل السياسي, لتتولي منصب حاكمة ولاية راجستان, وكانت أول امرأة تتولي المنصب في ولاية تقع شمال غرب الهند. ومن ثم اعتبرها المعارضون الشخص غير الملائم للمنصب نظرا لابتعادها الطويل عن أي منصب سياسي. أما أخطر الاتهامات التي واجهتها فهي المتعلقة بالفساد والمحاباة. فقد أنشأت في إطار جهودها لمساعدة النساء بنكا تم إغلاقه عام2003 بسبب الاتهامات الموجهة له حول سياسته في الاقراض, حيث اتهم العاملون به باتيل بالتساهل في منح القروض لأقاربها, بدلا من أن تذهب لمستحقيها من النساء الفقيرات, وأن هذه القروض لن ترد أبدا. كما أنها تدخلت بنفوذها لحماية زوجها وشقيقها من التحقيق معهما في بعض الاتهامات الجنائية. فضلا عن تصريحاتها التي أخذت عليها من قبل وأغضبت مسلمي الهند, حيث ذكرت سابقا أن نساء الهند بادرن بوضع غطاء للرأس لحماية أنفسهن من غزوات المسلمين خلال القرن ال16. ومع ذلك فقد تمكنت باتيل ذات المظهر المحافظ, رغم شراسة المنافسة من الصمود والاستمرار ومواجهة منتقديها, وهو ما مكنها في النهاية من الفوز بفارق كبير من الأصوات علي منافسها, وصلت إلي66% من الاصوات. ومع ذلك لم تحمها هذه النسبة من أصوات المنتقدين, الذين رأوا أنها لم تكن لتظهر, إلا بعد أن فشل الحزب الحاكم والأحزاب المتحالفة معه من الوصول لتوافق حول شخصية المرشح, ومن ثم فالقول إن فوزها كان كبيرا هو قول غير صحيح, فهي لم تختر بسبب بحث التحالف عن امرأة, ولكنها اختيرت بعد طول بحث وتردد, ومن ثم فهي لن تشكل إلهاما للمواطنين. أيا كان الأمر فقد اعتبر انتخاب السيدة باتيل باعتبارها الرئيس الثالث عشر للهند, خلفا لسابقها الرئيس بي.جي. عبدالكلام حدثا هاما ولحظة خاصة لنساء الهند اللاتي يضعن عليها آمالا كبيرة ليس فقط في إثبات جدارتها للمنصب, وفي الدور الرائد المنتظر منها علي صعيد تقريب الخلافات بين الاحزاب السياسية في الهند, ولكن في الدعم الذي ستقدمه للمرأة في بلدها, وفي ذلك تشير وزيرة شئون المرأة والطفل, إلي أن باتيل وعلي امتداد مسيرتها السياسية فعلت الكثير من أجل النساء فقد انشأت مدارس, وافتتحت تعاونيات لمساعدة النساء خاصة الفقيرات, ومن نافلة القول أنها ستعمل ليس فقط علي تأكيد حقوق النساء, ولكن حقوق كل مواطن في الهند.