أكد نبيل فهمي وزير الخارجية أن الشعب المصرى العظيم الذى نجح في فرض إرادته قادر علي القضاء علي الإرهاب في إطار سيادة القانون. جاء ذلك في كلمته أمام الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التى القاها مساء اليوم السبت وفيما يلي نص الكلمة: السيد الرئيس، يطيب لي في البداية... أن أتوجه إليكم، ولبلدكم الصديق أنتيجوا وباربودا... بالتهنئة على توليكم رئاسة الجمعية العامة فى دورتها الثامنة والستين... كما أنتهز هذه الفرصة، لتوجيه التحية للرئاسة الصربية على جهودها خلال الدورة السابقة... ولا يفوتنى أن أجدد دعمنا للسكرتير العام فى سعيه لتحقيق مقاصد ومبادئ الميثاق... وأن أؤكد تأييد مصر لاختيار أجندة التنمية فيما بعد 2015، كموضوع رئيسى لهذه الدورة... لما يمثله تحقيق التنمية بمفهومها الشامل، من أولوية رئيسية للأمم المتحدة، ولجميع الشعوب. السيد الرئيس، السادة الحضور الكرام، اسمحوا لى، أن أخرج عن العرف السائد فى افتتاح دورات الجمعية العامة، وأن أستهل بيانى بنقل رسالة أحملها إليكم ولشعوبكم ... ليس فقط من رئيس الدولة المصرية، المستشار عدلي منصور، بل من الشعب المصرى، الذى وضع أساس الحضارة الإنسانية، وألهم شعوب العالم حديثا. إن لمصر مكانة متميزة فى تاريخ وحاضر البشرية... مكانة ودور وتأثير، تنطلق فى المقام الأول من رصيدها الثقافى والحضاري... وما كان ليتسق مع كل ذلك، وفى مطلع قرن جديد، أن تظل إرادة شعب مصر مقيدة، أو أن يسلب من شبابها حقهم فى صياغة مستقبلهم... لذا، كان من الطبيعى بأبناء مصر، أن يخرجوا فى الخامس والعشرين من يناير عام 2011... ليعلنوا عزمهم على بناء دولة ديمقراطية حديثة... تحقق لأبنائها الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية. تلك هى معالم الوجهة التى اختارها ملايين المصريين... وهى نفس الوجهة التى صمموا عليها... في الثلاثين من يونيو الماضي... مؤكدين للعالم أن إرادة الشعوب لا تنكسر... وهى قادرة على منح السلطة... وأيضا على نزعها ممن يسيئون استغلالها... ولدى المصريين رؤية مستقبلية طموحة... وتتطلب عملا منهجيا وفى إطار زمنى منطقى ... رؤية سيكتب لها النجاح بالإنفتاح على كل التيارات السياسية السلمية... وعلى التعددية التى تستوعب ثراء كل مكونات المجتمع... وعلى المواطنة التى يضمنها حكم القانون والمساواة أمام العدالة... رؤية تتسق فى مبادئها وممارساتها مع القواعد الأساسية التى تحكم الحياة الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم... وأهمها سلمية الحوار، ونبذ العنف، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان. وإيمانا بحق الشعب المصرى فى أن يرى تلك الرؤية واقعا ملموسا... فقد تضمنت خريطة المستقبل، التى تسير مصر عليها منذ الثالث من يوليو الماضي، منهجا وطنيا واضحا لبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية، فى إطار زمنى محدد... مع دعوة جميع أبناء الوطن للمشاركة فى العملية السياسية بكل مراحلها... طالما التزموا بنبذ العنف والإرهاب، والتحريض عليهما. واتساقا مع تلك الخريطة، يتواصل العمل بالفعل على عدة مسارات... أثمرت حتى الآن عن ترسيخ العدالة والحرية والديمقراطية كأساس للحكم... على أن يلى ذلك انتخاب مجلس النواب... ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، بحيث تنتهى المرحلة الانتقالية في الربيع القادم. السيدات والسادة الحضور، إن عزمنا الصادق على استكمال تنفيذ خريطة المستقبل... يتطلب أن نضع نصب أعيننا الحفاظ على الأمن وإنفاذ القانون... والتصدي لمحاولات الترويع والترهيب التى تهدف إلى إعاقة مسار تنفيذها. ولقد تعرضت بعض الأنحاء في مصر مؤخرا إلى هجمات إرهابية يائسة وبائسة....لم تفرق في ضحاياها بين رجل وامرأة، شيخ وطفل، مسلم وغير مسلم من أبناء الوطن...إرهاب، كشف عن وجهه القبيح... يهدف إلى تقويض العملية الديمقراطية وتدمير اقتصادنا. وأؤكد أمامكم، بكل وضوح وثقة، أن الشعب المصري العظيم، الذي نجح في فرض إرادته، مصر وقادر علي القضاء علي الإرهاب في إطار سيادة القانون ... وأثق في أن المجتمع الدولي بأسره، سيقف بحزم إلى جانب الشعب المصري في معركته لدحر العنف والداعين إليه... ولن يتقبل محاولات تبريره أو التسامح معه...وفى ذلك الإطار، أود أن أتقدم بخالص التعازي لدولتى وشعبى كينيا وباكستان على ضحايا الحادثين الإرهابيين اللذين تعرضتا لهما مؤخرا. السيد الرئيس، لا تكتمل رسالة الشعب المصرى، وفى طليعته شباب مصر المشارك معي في تمثيل بلدنا العريق فى إجتماعنا هذا، دون أن أنقل إليكم أيضا، تطلع مصر إلى تعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية المعاصرة... وإلى مد جسور التعاون بين الشعب المصرى وكافة شعوب العالم ... على أساس استقلال القرار، والاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول... ووفق علاقات تقوم على الندية، وتكون ركيزتها رؤية مستقبلية بناءة وحضارية. فسياسة مصر الخارجية، أصبحت تعكس الإرادة الشعبية... وتصاغ على نحو يتسق مع مصالحها الوطنية وأمنها القومي... بعيدا عن أية اعتبارات أخرى... ولا غلو فى تقرير أننا ندرك، بمسئولية تامة... ارتباط أمن مصر القومى بقضايا وأمن أمتها العربية... كما تلتزم مصر بحكم الموقع، والتاريخ، والانتماء... بمواصلة الدفاع عن مصالح قارتها الأفريقية... وبالتصدي لقضايا العالم الإسلامي، ونشر قيم الاعتدال، وسماحة الإسلام، وتعزيز الحوار بين الأديان السماوية... وبتبني التحديات التي تواجه دول الجنوب في عالم تختل فيه موازين القوى. ومن هنا، اسمحوا لى أن أعرض بإيجاز ملامح رؤية مصر، لعدد من القضايا... التي تحظى بأولوية متقدمة فى اهتمامات سياستنا الخارجية: السادة الحضور، بلغت المأساة فى سوريا حد استخدام الأسلحة الكيميائية... والتي ندين بشدة اللجوء إليها... ومن ثم نؤيد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسياوالولاياتالمتحدة وكذلك قرار مجلس الأمن رقم 2118 ...ونحرص على ضرورة معالجة السياق الأوسع للأزمة السورية. وبجانب تلك المأساة الإنسانية اقتربت الدولة السورية ذاتها من حافة التفكك... الأمر الذي يستلزم التوصل إلى تسوية سياسية عاجلة... تحقق للسوريين الحرية والكرامة والديمقراطية التى يصبون إليها، وتصون وحدة كيان الدولة... وهو ما نأمل فى أن يتحقق من خلال عقد مؤتمر جنيف الثاني... وصولا، إلى إنشاء سلطة انتقالية تضع حدا للاحتراب الأهلي... وللتدخلات الخارجية، التي طالما حذرنا من تداعياتها. السيد الرئيس، تظل قضية فلسطين مصدر التوتر الرئيسى فى منطقتنا، التى مازالت تعانى من تداعيات استمرار احتلال إسرائيل للأراضى العربية... وتكثيف الأنشطة الاستيطانية حتى كاد الأمل فى إمكانية تحقيق حل الدولتين يتلاشى دون رجعة... وإزاء هذه الصورة القاتمة، فإن الجهود التى بذلتها الولاياتالمتحدة، لدعم استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تستحق منا الترحيب والتقدير... كما أن حرص الطرفين -حتى الآن- على الالتزام بالانخراط فى عملية تفاوضية محددة، بإطار زمنى، يمثل تطورا هاما... الأمر الذي يدعونا للعمل على أن تؤدى المفاوضات الجارية إلى تسوية نهائية لهذه المشكلة، والتي تعود جذورها إلى القرن الماضي. وسوف تستمر مصر فى دعم حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير... وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدسالشرقية، على كامل أراضى الضفة الغربيةوغزة... وفق مبادرة السلام العربية، وتأسيسا على المرجعيات ذات الصلة... ولا يفوتني هنا، أن أؤكد على حقيقة أن عدم الوفاء باحتياجات سكان قطاع غزة هو أمر لم يعد مقبولا سياسيا أو أخلاقيا... لذا، نطالب إسرائيل والمجتمع الدولي بتحمل مسئولياتهما بما يضمن وصول المواد الأساسية للشعب الفلسطينى فى القطاع... ونؤكد، استعدادنا التعاون مع السلطة الفلسطينية، وكافة الأطراف المعنية، للتوصل إلى ترتيبات مناسبة، لتوفير هذه الاحتياجات بطرق مشروعة وشفافة. وتابع وزير الخارجية نبيل فهمي في كلمة مصر أمام الدورة العادية الثامنة والستين، للجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك. سيادة الرئيس، لعلكم تتفقون معنا فى الرأى، بأن بناء شرق أوسط جديد لن يتأتى بدون ضمان الحق فى الأمن المتساوي... والتخلص من التهديدات التى يمثلها وجود الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى فى منطقتنا... بما يهدد مصداقية نظام منع الإنتشار بل ومصداقية الأممالمتحدة ذاتها. لذلك... وبدافع الحرص على هذه المصداقية... أعلن أمامكم اليوم، من هذه المنصة، المبادرة التالية: أولا: دعوة كافة دول الشرق الأوسط، وكذلك الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن... لإيداع خطابات رسمية لدى السكرتير العام للأمم المتحدة، بتأييدها لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل... النووية والكيميائية والبيولوجية. ثانيا: قيام دول المنطقة غير الموقعة أو المصادقة على أي من المعاهدات الدولية الخاصة بأسلحة الدمار الشامل أن تلتزم، قبل نهاية العام الجاري... بالتوقيع والتصديق على المعاهدات ذات الصلة بشكل متزامن... وأن تودع هذه الدول ما يؤكد قيامها بذلك لدى مجلس الأمن... وأدعو السكرتير العام للأمم المتحدة، لتنسيق اتخاذ كافة هذه الخطوات بشكل متزامن... كشرط أساسى لنجاحها... وهو ما يعنى تحديدا: أ - انضمام إسرائيل إلى معاهدة منع الانتشار النووى كدولة غير نووية... وتصديقها على اتفاقية الأسلحة الكيميائية... وتوقيعها وتصديقها على اتفاقية الأسلحة البيولوجية. ب - تصديق سوريا على اتفاقية الأسلحة البيولوجية... واستكمال الخطوات التى تعهدت بها بشأن اتفاقية الأسلحة الكيميائية. ج - تصديق مصر على معاهدة اتفاقية الأسلحة البيولوجية... والتوقيع والتصديق على اتفاقية الأسلحة الكيمائية، وذلك مقابل استكمال كافة دول الشرق الأوسط إجراءات الانضمام للمعاهدات الدولية، لحظر أسلحة الدمار الشامل والمعاهدات والترتيبات المتصلة بها. ثالثا: مواصلة الجهود الدولية لضمان سرعة انعقاد المؤتمر المؤجل عام 2012 لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل... ليتم عقده قبل نهاية هذا العام... وكحد أقصى في ربيع عام 2014. السيد الرئيس، إن جذور مصر ضاربة فى قارتها الإفريقية، وهى تفخر بما شهدته القارة من تغييرات إيجابية عديدة، وتطورها نحو مزيد من الديمقراطية والتنمية...غير أن أفريقيا مازالت بحاجة لتضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، لمساعدتها على مواجهة التحديات والنزاعات المتعددة. واتساقا مع هذا الموقف المصرى، أود الإشارة إلى أننا بصدد إنشاء وكالة مصرية للمشاركة من أجل التنمية... وأننا سنعمل على توجيه معظم موارد هذه الوكالة إلى الدول الأفريقية الشقيقة، بما يتيح الاستفادة من الإمكانيات والرصيد المتراكم للخبرات الفنية المصرية. السيد الرئيس، إن الحديث عن ديمقراطية العلاقات الدولية الراهنة، وسيادة القانون على المستوى الدولي... لا يستقيم دون تحقيق الإصلاح الشامل والجوهرى لمنظومة الأممالمتحدة... حتى تكون أكثر قدرة وقابلية على مواجهة التحديات والاستجابة لطموحات الشعوب. إن السبيل المنطقى والسليم، لتحقيق هذا الإصلاح المنشود، هو إصلاح وتوسيع مجلس الأمن... ومن ثم، تجدد مصر دعوتها لإنهاء احتكار الدول دائمة العضوية لعملية صنع القرار داخل المجلس... ولتصحيح الظلم التاريخي الواقع على إفريقيا، جراء عدم تمثيلها بفئة العضوية الدائمة، فضلا عن ضعف تمثيلها بفئة العضوية غير الدائمة... فلن تتخلى إفريقيا عن مطالبتها بالحصول على التمثيل الدائم الذى تستحقه، وفق ما هو محدد بتوافق أوزولوينى، وفى إعلان سرت. السيد الرئيس، اسمحوا لي أن أكرر عليكم في الختام، أولويات عملنا ضمن منظومة الأممالمتحدة والتي تشمل: تعزيز منظومة حقوق الإنسان الوطنية والدولية... معالجة مشكلة غياب الديمقراطية في إدارة العلاقات الدولية...الإسراع بتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية...تحقيق نزع السلاح النووي...مكافحة الفساد بما في ذلك استعادة الأموال المهربة والمنهوبة لرموز نظم أسقطتها شعوبنا. وأؤكد مرة أخرى، عزمنا مواصلة العمل من أجل احترام حقوق الإنسان وتمكين المرأة على المستويين الوطني والدولي... وإفساح المجال أمام الشباب للمساهمة بفاعلية في صياغة رؤيتنا للعالم ولمستقبل أوطاننا... ولا يفوتنى، أن أرحب في هذا الصدد باختيار السكرتير العام ممثلا خاصا لقضايا الشباب ينتمي إلى العالم العربي. كما أود التشديد على أهمية تضافر الجهود الدولية لمواجهة خطر الإرهاب، وتطوير دور الأممالمتحدة في تنسيق جهود مكافحته ومعالجة جذوره. السيد الرئيس، في النهاية، كلى أمل أن تكون رسالة شعب مصر ورئيسها قد وصلت للجميع... وفى أن يتحول ما عبرت عنه من تطلعات، وآمال، إلى حقائق ترتضيها شعوبنا من أجل الرقى والسلام، والتنمية ... وأن نعود فى العام القادم لنجنى ثمار ما تحقق من إنجازات". وشكرا لكم.