سقوط حكم «الإخوان» بمصر (التنظيم الأم) شكّل ضربة قاصمة لكل الجماعات والفروع التابعة والتنظيمات المتحالفة والحكومات الداعمة لما يسمى ب«الإسلام السياسي» في المنطقة وخارجها. كان ضربة مزدوجة، شديدة ومفاجئة، عكستها ردود الفعل الغاضبة الصادرة من هذه الجماعات والتحالفات والحكومات التي كانت تراهن على استدامة حكم «الإخوان» وتقدم لهم الدعم السياسي والمالي، بهدف تعميم «النموذج الإخواني» في المنطقة. كان أسرع المستنكرين أردوجان، رئيس وزراء تركيا، الذي وصف ما حصل بالانقلاب العسكري معتبراً الملايين التي خرجت وطالبت بعزل مرسي، مجموعة من «الانقلابيين الفلول». طالب أردوجان بعودة مرسي، وحاول أن يقنع الأوروبيين باتخاذ موقف من الحكم الجديد. ولفهم أسباب وأبعاد جزع أردوجان علينا أن ندرك أن ما حصل يزعزع مشروعه لقيادة شرق أوسط تحكمه أحزاب إسلامية متحالفة معه. وإذا صح ما تسرب من لقاء إسطنبول الذي حضرته أطياف إسلامية من مختلف الدول العربية والإسلامية حول مشروع إحياء الخلافة الإسلامية برعاية تركيا، انطلاقاً من مصر الإخوانية باعتبارها الإقليم أو النواة لدولة الخلافة، تكون أبعاد الصورة قد اتضحت، وأسباب الغضب تصبح مفهومة، إضافة إلى أن ما حصل في مصر على يد الجيش قد يشجع على حدوث ما يماثله في تركيا حيث المعارضة تتصاعد ضد حكومة أردوجان. وتظاهر «إخوان» لبنان أمام مكتب «العربية»، وفي اليمن وصف «الإخوان» ما حصل بالمؤامرة العسكرية المتواطئة مع العلمانيين. أما «إخوان» الأردن فقد تظاهروا أمام السفارة المصرية، واصفين ما حدث بأنه «انقلاب بشع» من العسكر وأميركا وإسرائيل! وتضامنت الحكومة التونسية التي يقودها حزب «النهضة» مع مرسي، وتظاهر الآلاف تنديداً بعزله، ووصف الغنوشي ما حصل ب«الانقلاب السافر»، ونددت «حركة مجتمع السلم» الجزائرية الإخوانية ب«الانقلاب العسكري الذي لا مبرر له شرعياً وسياسياً ودستورياً»، ووصفت «حماس» ما حصل أمام دار الحرس الجمهوري بالقاهرة بأنه «مجزرة»، واستاءت إيران من إزاحة «الإخوان» ثم أعلنت احترامها «إرادة الشعب» ودخلت «طالبان» على الخط منددة بالانقلاب. وفي مصر أفتى تيار «السلفية الجهادية»، ويرأسها محمد الظواهري، شقيق زعيم «القاعدة»، بجواز قتال المعارضة والجيش والشرطة، أما «إخوان» الخليج فقد جزعوا بشدة وكان مصابهم أليماً وتنادوا لنجدة التنظيم الأم وشرع 14 كويتياً من القيادات والشخصيات الإسلامية والنواب السابقين في الترتيب للسفر إلى القاهرة، لولا أن منعتهم لكونهم يمثلون «خطراً على الأمن المصري». وانتقد أحدهم «حزب النور» السلفي لوقوفه مع الانقلاب، متهماً إياه بالغدر والخيانة. وقد صوّر «إخوان» الخليج ثورة المصريين على الحكم الإخواني، بأنها مؤامرة كبرى على المشروع الإسلامي من قبل الفلول والعلمانيين وبمساندة من الخارج بهدف إطفاء نور الله تعالى في الأرض! وتبارى مشايخ ودعاة «إخوان» الخليج في إصدار فتاوى بوجوب تأييد مرسي باعتباره الرئيس الشرعي، وأصدر القرضاوي فتوى (إخوانية) بأن القرآن والسنة مع مرسي! مخطِّئاً شيخ الأزهر في وقوفه مع الشعب المصري، مما دفع الأزهر للرد عليه وتفنيد دعواه. ونشرت الصحف الكويتية، أنه في استجابة سريعة لاستغاثة جماعة «الإخوان» بمصر، والتي ناشدت أذرعها الدينية والسياسية في المنطقة تنظيم تظاهرات وإعلان مواقف تأييد لها، أصدر عدد من الوجوه الإخوانية الكويتية مواقف داعمة للجماعة ورافضة إبعاد التنظيم عن الحكم في أرض الكنانة، وكان أبرزها للداعية وعميد كلية الشريعة السابق الدكتور عجيل النشمي الذي أصدر تحريضاً خطيراً عبر حسابه على «تويتر» قائلا: «إن أول الدروس من إسقاط العسكر الرئيس مرسي، يتطلب تغلغل الإسلاميين في الجيش لحماية الثورات الإسلامية، إضافة إلى تغلغلهم في سلك القضاء لضمان نزاهته وحماية الشرفاء». وهو تحريض خطير، يستوجب من حكومات دول مجلس التعاون، شدة اليقظة والحذر والمراقبة لمنع حدوثه عبر إجراءات جماعية حازمة، كونه يشكل خطراً داهماً على الأمن الخليجي المشترك. وما حصل في مصر، كارثة كبرى ل«إخوان» الخليج استدعت نصب سرادق للنحيب والعويل، دفعت الكاتبة الكويتية عزيزة المفرج إلى كتابة مقالتها «عظّم الله أجركم» قائلة: «نعزي الإخوان المسلمين في الكويت، في مصابهم الجلل، بفشل جماعتهم في قيادة مصر... كما نبارك لأنفسنا إنقاذ بلادنا من وحش كاسر كان سيلتهمها دولة بعد الأخرى». لقد كان فرح «إخوان» الخليج بفوز «الإخوان» بقيادة مصر، عظيماً، وقد زفوا البشرى وعزفوا نشيد البيعة ليقود «الإخوان» كافة المسلمين في العالم كما يقول الكاتب الكويتي عبدالله خلف، لذلك كانت الصدمة شديدة، وحجم الفاجعة كبيراً. إن أولى الملاحظات على ردود أفعال التنظيمات الإخوانية والمتحالفة معها، أن فزعتهم الأيديولوجية للتنظيم الأم، كشفت حقيقتهم وأزالت الأقنعة الزائفة عن وجوههم وأثبتت زيف ادعائهم الاستقلالية وعدم التبعية للتنظيم الأم بل وخلقت انقساماً في المجتمعات العربية لجهة اختلاف ولاءات «الإخوان» العابرة للأوطان عن ولاءات بقية المواطنين. والملاحظة الثانية، أن الغشاوة الأيديولوجية حجبت أعين هذه التنظيمات والجماعات والتحالفات عن حقيقة ما حصل في مصر، وركزوا على جزئية «الانقلاب العسكري» من المشهد الذي رآه العالم بالصوت والصورة كاملا، مجسداً في تلك الملايين التي قدرها قمر «جوجل إيرث» بما يتراوح بين 17 و30 مليوناً، خرجوا ليقولوا لرئيسهم المنتخب: ارحل فقد نزعنا شرعيتك. والملاحظة الثالثة: أن «إخوان» الخليج متناقضون في مواقفهم ولا يعترفون، فهم رفضوا تدخل أميركا في تحرير الكويت دعماً للشرعية ويطالبونها بالتدخل في مصر لنفس السبب، وكذلك هم لا يؤيدون المظاهرات ضد مرسي في مصر ويؤيدونها في دول الخليج حيث يريدون التغيير السياسي... وما أكثر تناقضاتهم. نقلا عن صحيفة الاتحاد