مؤلم، مقلق، المشهد السياسي في المنطقة العربية، فالوقائع الميدانية تشير إلى مخاطر كبيرة. في العراق تفجيرات متنقلة تحصد مئات القتلى والجرحى. صراع مذهبي حاد سني – شيعي. حديث عن هيمنة شيعية وتفرّد بالقرار وشعور سني بالانكسار والاستبعاد والانتقام. تحركات رافضة ومناطق شبه نقية مذهبياً. كأننا أمام إقليمين – واحد شيعي وآخر سني. مع منطقة خاضعة بالكامل للأكراد وتوجّه لتكريس نوع من الحكم الذاتي فيها. وانتخابات على وقع التفجيرات الدموية سبقها اغتيال عدد من المرشحين. وستكون في النهاية "شرعية"، ويتم التعاطي مع نتائجها كما هي. ودور عراقي واضح في دعم النظام في سوريا رسمياً وشعبياً – شيعياً – وبدعم كامل من إيران. في سوريا، حرب مفتوحة، لا تتوقف، بل تزداد حدتها، ومواقف دولية وإقليمية تسهم في إشعال النار، لعبة مصالح وبازار دولي كبير مفتوح حول سوريا ومستقبلها، النتيجة: دمار، خراب. ملايين المهجرين في الداخل وإلى الخارج، مآسٍ إنسانية. مئات الآلاف من الوحدات السكانية مدمّرة، حديث عن الحاجة إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة الإعمار، إفرازات اجتماعية خطيرة لم تظهر بالكامل بعد، حديث عن حزام أمني إسرائيلي في منطقة الجولان، حديث عن دويلات مذهبية ستقوم. معركة هائلة في القصير لتأمين الخط بين مناطق مسيطرة النظام ومناطق نفوذ حلفائه في لبنان تحديداً حزب الله. العملية تأخذ في قراءة كثيرين بعداً مذهبياً في تحالف يمتد من الجنوب اللبناني إلى البقاع إلى القصير إلى جنوب العراق وصولاً إلى طهران، ودور إيراني حاسم في هذه العملية. سقوط سوريا سقوط لإيران، وهذا ممنوع، هذا ما يقوله المسؤولون الإيرانيون وما كرره نصر الله منذ أيام. دعوات إلى الجهاد على الأرض السورية، ظهور المئات من "المجاهدين" من الشيشان والتونسيين والليبيين واليمنيين واللبنانيين "والقاعدة" هناك، "والنصرة" هناك. لكل فصيل قاعدته، ولكل فئة "نصرتها" أو أنصارها، وكل فئة تبحث عن نصرها. يتحدثون في كواليس الدبلوماسية المتابعة للحرب السورية عن تصدير مبرمج رسمي وغير رسمي ل"المجاهدين" إلى سوريا، كأن كل من لديه مشكلة مع "متطرفين" يريد نقلها إلى سوريا، يرسل الناس إليها للموت، للقتال هناك، دون أن يسأل أحد: ماذا سيفعل هؤلاء عندما تتوقف الحرب يوماً ما؟ إلى أين سيذهبون؟ بالتأكيد سيذهبون إلى دول ستنتقل عدوى "الجهاد" إليها وأيضاً إلى دولهم، وسيمارسون الدور ذاته، وبالتالي لن ينجو أحد من هذه اللعبة. النظام السوري استخدمها في العراق ارتدت عليه. الذين "ركبوا" طالبان ارتدت عليهم، الذين استخدموا "المتطرفين" في أمكنة معينة انقلب المتطرفون عليهم، لا أحد يريد أن يتعلم ، أو يتشاطر البعض في أنه يبعد النار عنه ولو مؤقتاً، أو يؤجل الانفجار عنده ، أو يؤخر خطوات معينة، لكن النتيجة: دمار بدمار في كل مكان. وحديث عن تفكك مجتمعات ودول ومؤسسات وانقسام شعوب على أسس مذهبية. سقوط أنظمة استبداد وقيام حالات وظواهر تستند إلى أفكار استبداد وظلامية وحقد وكراهية وتكفير بألوان مختلفة. إنها لعبة الدم المفتوحة إلى الأمام يحمل فيها اللاعبون الكبار والصغار حملاً ثقيلاً من الموروثات والاجتهادات لأحقاد تعود إلى مئات السنين تحت عناوين دينية طائفية أو مذهبية. مصر، فوضى. خوف على ما تبقى من دولة ومؤسسات قضائية وأمنية، استهداف إعلاميين وفنانين ومبدعين، تغيير كامل لصورة مصر، وهذه مصر الشقيقة الكبرى. اهتزازها يؤدي إلى اهتزاز كل الجوار، ويترك أثراً أكبر على مسار القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، وهي القضية الأساس في المنطقة. لبنان: انقسام داخلي خطير منذ اغتيال رفيق الحريري، قلق من خطر انفجار مذهبي سني– شيعي، عدم استقرار أمني، ضعف في دور وأداء مؤسسات الدولة، غياب الراعي والناظم والضابط الدولي والإقليمي لشؤونه وعلاقات اللبنانيين بين بعضهم، وفشل أبناء البلد في تحقيق تفاهمات تنظم الخلافات على الأقل، وتثبت نقاط التلاقي، سقوط في مستنقعات الحرب السورية. حزب الله علناً يقاتل في سوريا بعد التزامه سياسة النأي بالنفس، يقول إنه يساعد اللبنانيين المقيمين هناك. ولا يريد إذناً من أحد، ولن يسمح بسقوط سوريا، وضع لبناني مفتوح على كل الاحتمالات، قد لا يكون انفجاراً شاملاً بسبب الموقف الدولي الذي لا يريد ذلك حتى الآن. لكننا أمام انفجارات صغيرة متنقلة. ويبقى الخطر الإسرائيلي كبيراً. - الأردن: واقع بين نار سوريا وحريق العراق، بين ضعف أمريكا، وخوفه على أمنه واستقراره من نار سوريا والحرب فيها، إضافة إلى أزمة اقتصادية. إغراءات إيرانية مرفوضة، مساعدات عراقية لا ينظر إليها بعين الرضى، مظاهرات في الشارع. - ليبيا: لا استقرار، فوضى اقتتال، انزلاق نحو التجربة العراقية، لا دولة، لا مؤسسات. - السودان مقسّم، رسمياً، وهو الدولة العربية الأولى التي بدأ فيها مشروع التقسيم. - تونس. لا استقرار. ومشاكل كثيرة أمنية سياسية اجتماعية. - في مشرقنا ومغربنا نتشتت مذاهب وطوائف وشللاً ومللاً وعشائر كأن شيئاً لا يجمع بيننا، والكبار يتطلعون إلى تقاسم النفوذ عندنا ومن خلالنا، وتقاسم ثرواتنا وتقرير مصيرنا. في هذا التوقيت تم الإعلان عن تعديل المبادرة العربية في واشنطن من قبل اللجنة المكلفة بالمتابعة وأمام المسؤولين الأمريكيين. الموضوع هو تبادل الأراضي، فرحة في إسرائيل. بيريز مغتبط. تسيبي ليفني تقول: "هذه بشرى سارة للإسرائيليين، اعترف العرب بأن المستوطنات على الحدود هي جزء من إسرائيل". أخذت إسرائيل ثمناً جديداً، لن تتجاوب، ستمارس سياسة الابتزاز أكثر لتأخذ كل شيء تريده، هذا هو منطقها وتعاملها مع الأحداث في العالم العربي، وإلى جانبها أمريكا. هي تريد ثمن كل شيء، ولتدمّر كل الدول. مجدداً، قد نشهد في بدايات هذا القرن تثبيتاً لوعد بلفور وتعديلاً لاتفاق سايكس بيكو، قد تقوم دويلات ولا تقوم الدولة الفلسطينية! هل ثمة أخطر من ذلك؟ نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية