نقلاً عن جريدة الاهرام 14/3/2007 دحرج القائد الليبي معمر القذافي, لغما أوليا واختباريا, في طريق انعقاد القمة العربية المقررة في الرياض يوم28 مارس الحالي.. اللغم علي صغر حجمه وقلة تأثيره, جاء ليلقي بظلال جديدة, علي مسألة الحضور والتمثيل في القمة, وعلي أي مستوي, بعد أن أعلنت ليبيا قبل أيام, أن القذافي لن يحضر وأن مقعد ليبيا سيبقي شاغرا, وهو أمر قد يشجع آخرين من القادة العرب علي عدم الحضور, مما نعتبره, كأي تغيب أو انسحاب, مجرد تهرب من المسئولية.. ليبيا لديها اعتراضات دفعتها إلي دحرجة اللغم, أولها الاعتراض علي انفراد دول عربية معينة بتحركات سياسية تتعلق بقضايا الأمة, دون التشاور مع شقيقاتها, مثل اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والاردن مع وزيرة الخارحية الامريكية, ومثل اجتماع اسلام أباد الذي ضم بعض الدول العربية مع دول اسلامية أخري... وثاني الاعتراضات الليبية يتعلق بمكان انعقاد القمة, فقد قررت القمة الماضية في الخرطوم, انعقاد القمة القادمة في شرم الشيخ, واتخاذ هذه المدينة مقرا دائما للقمم العربية بناء علي اقتراح سعودي, وفجأة قبل اسابيع تقرر نقل القمة من شرم الشيخ إلي الرياض, مما أثار التساؤلات التي لا تنتهي.. وفي كل الأحوال, وبصرف النظر عن مدي تأثير اللغم الليبي, فإن القمة القادمة, تنعقد في فترة من أصعب الفترات المحملة بالأزمات والضغوط, المحاطة بالمعارك المسلحة والتوتر والعنف, بينما مئات الآلاف من القوات الأجنبية تسرح وتمرح حول وفوق وتحت الجميع وبعلم ورضا الجميع!! لذلك يذهب العرب إلي القمة بقليل من المتاع, كلامهم كثير وفعلهم قليل, أزماتهم عنيفة وأساليب معالجتها ضعيفة, استعراض بلاغتهم رائع واستغلال قوتهم ضائع, ولذلك يسهل علينا وعلي الآخرين القول إن سلبيات العرب وضعفهم وفقدان دورهم حتي في إدارة شئونهم, ليست مسئولية امريكا وتدخلها الضاغط فقط, ولكنها في الأصل والأساس مسئوليتهم هم... الذين فرطوا واستسلموا وتهاونوا, ثم باعوا.. ولن نبالغ أو نتجني كثيرا إن ادعينا بقلب حزين, أنه بعد أكثر من ستين عاما أثبت النظام العربي الرسمي فشله, ومن أسف فإن فشله أصبح مسئولية الجامعة العربية, برغم محاولات أمينها العام عمرو موسي انقاذ ما يمكن انقاذه, عبر تحركات وزيارات ومبادرات تصطدم في النهاية بالواقع المر... وبحقيقة أن الجامعة العربية ممثلة النظام العربي الرسمي, ماهي إلا انعكاس لإرادة الحكومات الأعضاء, سلبا أو ايجابا! وبرغم أننا من بين من مازالوا يتمسكون بالأمل في إحياء العمل العربي المشترك, وفي نجاح عملية نقل دم لشرايين الجامعة العربية, فإن تيارات عاتية في السياسة العربية, أصبحت تنادي علنا بدفن الميت ونفض اليد من المنظومة العربية, لتمهيد الطريق أمام منظومة اقليمية جديدة... تحتوي اسرائيل بفرمان امريكي!! في مناخ قاتم وبائس, تنعقد القمة العربية القادمة في الرياض, وأمامها جدول أعمال كالعادة شديد الازدحام, لكنها كما هو واضح ستركز علي الملفات الأسخن المعبأة بالألغام المتفجرة, وهي خمسة ملفات ألغام, تمثل الأزمة العراقية, والأزمة الفلسطينية, والأزمة اللبنانية, والأزمة السودانية, والأزمة الصومالية... والملاحظ اولا أن هذه الملفات هي الوحيدة علي خريطة العالم, التي تجري فيها الدماء مدرارا, والتي تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الفتاكة, بعد أن هدأت ميادين القتال الأخري في افريقيا وآسيا وامريكا الجنوبية... العرب أصبحوا وحدهم الآن في نظر العالم, القتلة والمقتولين, المجرمين والضحايا, الارهابيين وضحايا الارهابيين... فهل هذا كله مجرد مصادفة! والملاحظة الثانية أن هذه الملفات الخمسة غير عربية الشكل والمضمون, لكنها كلها في أيد عربية, تديرها وتحركها وتوجهها, الأيادي الأجنبية, وخصوصا الامريكية والاوروبية.. والاسرائيلية بالضرورة.. للأسف ليس للعرب قدرة, وربما رغبة للتعامل مع هذه الأزمات بصورة جدية وصادقة, تهربا من أعبائها ورعبا من تداعياتها, ورهبة من الخروج علي النص, الذي تضعه التدخلات الأجنبية وتشرف علي تنفيذه بكل الدقة! ولم يكن هذا إلا فشلا ذريعا للنظام العربي الرسمي, وللقادة الذين سلمنا لهم بأريحية وتسامح كل مقاليد الأمور, باعتبارهم أهل الحل والعقد, فإذا بهم يدفعوننا دفعا إلي المنزلق الخطير الذي نعانيه ونكابد مآسيه, وإذا بهم مازالوا يجتمعون ويتباوسون ثم ينفضون ببيان نكاد نحفظ كلماته من كثرة التكرار الممل, ليسرع كل منهم باستقلال طائرته الفخيمة عائدا.. أو هاربا من مواجهة الحقائق, ومكاشفة الشعوب بالوقائع.. الملف العراقي تديره أمريكا, مستعينة ببريطانيا واسرائيل, والملف الفلسطيني تديره اسرائيل مستعينة بأمريكا وأوروبا, والملف اللبناني تديره أمريكا مستعينة بفرنسا واسرائيل, والملف السوداني تديره أمريكا وأوروبا مستعينة بالاتحاد الافريقي, ونفس الحال مع الملف الصومالي. هكذا ندرك أن الأيدي الأجنبية انتزعت الملفات الخمسة الساخنة من اليد العربية, لتديرها وفق مصالحها, بينما اليد العربية هذه تراخت وتهاونت وسلمت بكل كرم, دون ادراك لخطورة ذلك كله علي مايسمي بالأمن القومي العربي, الذي أصبح موضع تهكم وسخرية المطبعين والمتأمركين! ولم يكن مفاجئا أن تعمل السياسة الأمريكية مثلا علي تهميش وعزل كل الأدوار العربية المؤثرة في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال, وان يقبل النظام العربي الرسمي هذا العزل والتهميش بالاستسلام, بينما تنفتح الأدوار المؤثرة لدول ومنظمات اقليمية ودولية أخري, مثل إيران وتركيا في الأزمة العراقية, والاتحاد الأوروبي في الصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي, والأزمة اللبنانية, ثم الاتحاد الافريقي المدجن في الأزمتين السودانية والصومالية! نعم قامت بعض الدول العربية بجهود سياسية واعلامية في هذه الأزمة أو تلك, ونعم قدم أمين عام الجامعة العربية مبادرات هنا وهناك, كما فعل في لبنان, وفي عقد مؤتمر المصالحة العراقية بمقر الجامعة, لكنها جهود تبعثرت سريعا, ومبادرات أجهضت قبل ان تنضج, وظللنا نحضر العرض المقام علي مسرحنا الدامي, مثل شهود الزور.. نصفق ثم نسترخي فوق الكراسي الملغومة! فهل تملك القمة العربية شجاعة الاعتراف, ثم هل نستطيع تغيير هذه الأوضاع واستعادة الملفات المفقودة والأدوار المسروقة, لتمارس دورها الحقيقي في إقرار الأمن وفك الاشتباكات وحل النزاعات؟ أم أن الإرادة السياسية المستقلة غائبة ومغيبة, مرعوبة خائفة من ثقل الضغوط الأمريكية, التي باتت جيوشها تحتل أرضنا وبحرنا وجونا... تساورني ظنون كثيرة حول التحركات والملابسات المريبة, التي تحيط بانعقاد القمة العربية القادمة, ظنون تسندها وقائع وحقائق متداولة, تبدأ من أن ضغوطا أمريكية وأوروبية واسرائيلية تمارس بقوة, علي الحكومات العربية, لتحقيق هدفين مهمين عاجلين هما: ** أولا: أن تتبني القمة العربية تعديلا واضحا في المبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام2002, وتبنتها كل الدول العربية, وقوامها اقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل بما في ذلك الاعتراف الرسمي بالطبع مقابل جلاء اسرائيل عن الأراضي العربية المحتلة منذ عدوان1967, واقامة دولة فلسطينية مستقلة, وضمان حق العودة للاجئين. والمطلب الأمريكي الإسرائيلي هو تعديل شرطي العودة الي حدود67 وعودة اللاجئين, فهل تستطيع أو تملك القمة العربية ذلك؟! ** ثانيا: أن تتبني القمة موقفا عربيا موحدا في مواجهة الأزمة الإيرانية, التي تري فيها السياسة الأمريكية خطرا داهما علي مصالحها الحيوية في المنطقة, خصوصا في العراق وفي الخليج, الذي يصدر للعالم16 مليون برميل نفط, تخرج منه يوميا عبر مضيق هرمز, الذي يمكن لإيران أن تتحكم فيه وتغلقه! باسم الأمن الاستراتيجي للخليج, وتخويفا من القدرات النووية الايرانية, تلعب السياسة الأمريكية علي وتر الهواجس الأمنية الخليجية من توسع النفوذ الإيراني, وقدراته علي زعزعة الاستقرار في المنطقة, ليس فقط بالأساليب العسكرية المباشرة, ولكن أيضا باستغلال الصراع الطائفي السني الشيعي, الذي انفلتت شرارته من العراق, ولم تستطع22 دولة عربية و57 دولة إسلامية عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي كبح جماحه, ولاتصور خطورة تداعياته المتزايدة علي وقع التحريض الأمريكي الغربي الصهيوني! نتمني ونريد من القمة العربية, معالجة الأزمات الساخنة بروح المسئولية القومية, المدركة لطبيعة المخاطر الراهنة والقادمة.. وتريد أمريكا من القمة ان تجري في ركابها وتتبني مطالبها وتخضع لارادتها وتنفذ حلولها في كل هذه الملفات.. إن فعلت القمة ما نريده ونتمناه, حازت ثقة شعوبها, ونالت غضب أمريكا وعقابها.. وإن فعلت القمة ما تريده أمريكا, فقدت ثقتنا وحازت الرضا السامي الأمريكي... ومن هنا تكمن أزمة القمة ومسئولية قادتها في مواجهة الألغام المتفجرة ولنا عودة بإذن الله..