نقلا عن الاهرام 04/04/07 أزعجني كثيرا ما أثير ويثار حول قضية خصخصة مسارح الدولة ورغم قبول هذه الفكرة بالرفض من قبل المثقفين والمسرحيين في مصر فإن حجم هذا اللغط والثرثرة تعدي حدود القول الي قضية مثارة علي صفحات الجرائد والمجلات وهنا كان لزاما علينا ان نستعرض الدور المهم الذي يلعبه والذي يجب ان يلعبه مسرح الدولة في الخريطة الثقافية في مصر خاصة في ظل هذا الحراك السياسي الواعي الذي تتجه إليه الدولة.إن مسرح الدولة يلعب ثلاثة أدوار رئيسية في الحياة الثقافية المصرية هي الحفظ, والنقل, التدعيم. أولا: فهو يقوم بدور الحافظ للتراث المسرحي المصري ويعيد تقديم هذا التراث في فترات زمنية مختلفة تسمح لأجيال متفاوتة بالتعرف علي هذا التراث المسرحي, وأذكر من العروض المسرحية التراثية التي قدمت علي مسرح الدولة أكثر من مرة( ألف ليلة وليلة, الباروكة, ياليل ياعين, الناس اللي في التالت.. وغيرها من العروض الاخري. ثانيا فإن مسارح الدولة هي الجهة الوحيدة التي من خلالها تقدم الأعمال المسرحية الكلاسيكية العالمية مثل أعمال شكسبير وإبسن وبريخت وآخرين, لأنه من الصعب علي مسرح القطاع الخاص تقديم تلك العروض التي تحتاج لميزانيات ضخمة مع عدم إمكانية إستمرارها لسنوات عديدة لان جمهور هذه النوعية من العروض المسرحية غالبا ما يكونون من ذوي الثقافة الرفيعة القليلين. ثالثا: مسارح الدولة هي المنفذ الوحيد الذي يدعم الموهوبين في فنون المسرح فمن عباءة مسرح الدولة أطل وتألق كل من سناء جميل, سميحة أيوب, عايدة عبد العزيز, سهير المرشدي من الفنانات. كرم مطاوع, توفيق عبد الحميد, نور الشريف من الفنانين. سمير العصفوري, هاني مطاوع من المخرجين المسرحيين. علي سعد, أحمد الحجار, أحمد ابراهيم, جمال عطية من الملحنين. علي الحجار, محمد رؤوف, صفاء ابو السعود, عفاف راضي من المطربين والمطربات. وهذا بالطبع علي سبيل المثال وليس الحصر. كما كان مسرح الدولة البوابة الشرعية لظهور وتألق بعض مؤلفي الدراما المسرحية والوصول بمؤلفاتهم للعالمية مثل أعمال كل من ألفريد فرج, سامح مهران, لينين الرملي.ومن هنا يمكننا إدراك الدور الذي يلعبه مسرح الدولة في تدعيم الأجيال المختلفة والمتوالية في مجال فنون المسرح منذ قيام ثورة يوليو وحتي الآن.إن فن المسرح كان في حالة من الازدهار في بداية القرن العشرين وحتي نهاية الثلاثينيات منه ثم بدأ الجمهور ينصرف عنه بظهور فن السينما الناطقة وما صاحبها من أفلام غنائية وإستعراضية وقصص كلاسيكية عالمية, حتي اندثر فن المسرح وأصبحت المسرحيات الهزيلة الراقصة الغنائية تقدم في صالات الراقصات الشهيرات إلي ان اندلعت ثورة يوليو التي إهتمت بأسلوب وشكل المسرح, فأثمر هذا الاهتمام صحوة مسرحية بأسلوب وشكل أكثر حداثة في الستينيات وحتي منتصف السبعينيات تقريبا. وراح فن المسرح يتأثر مرة أخري بعوامل خارجية وهو ما أطلق عليه( العولمة) وكل ما يتعلق بها من تكنولوجيا, فالشبكات العنكبوتية والقنوات الفضائية والصور المتحرك والثابتة علي شاشات التليفزيونات المحمولة يسرت علي المشاهد أن يري النجم الفنان في اي وقت مما كسر حاجز الاشتياق بينهما. وفي ظل هذا التطور التكنولوجي الذي انتقل بالتبعية إلي المسرح لم نجد تطورا في أساليب التأليف والإخراج والتمثيل المسرحي إلا نادرا مما أضعف القيمة الفنية للعمل المسرحي. * ولكن تظل قيمة مسرح الدولة في انه يعتبر المنبر الأول والرئيسي لنشر الثقافة المسرحية في مصر والوطن العربي, ولضمان استمراره لتأدية هذا الدور دون خسائر مادية كبيرة يجب الإلتفات لعدة نقاط تتمثل في: أولا: وضع قوانين للتعاقد مع كبار النجوم الذين يغالون في أجورهم, وقد يصل أجر الفنان النجم الواحد في عرض مسرحي لقطاع الدولة ما يوازي ميزانية عرض مسرحي آخر لا يشترك فيه نجوم ويعمل به كتيبة من الفنانين والعمال المسرحيين, ولذلك فإن أنسب الحلول التعاقد مع الفنان النجم علي نسبة محددة من إيرادات الشباك, وهنا فقط سيتضح من منهم لديه رسالة فنية حقيقية من آخر يأخذ عروض مسرح الدولة وسيلة للإرتزاق فقط. ثانيا: ضرورة الاهتمام بتسويق العروض المسرحية لمسارح الدولة من أناس متخصصين في التسويق, لضمان الحد الأدني من الجمهور في ليالي العرض المسرحي. ثالثا: العرض المسرحي هو نوع الفن الوحيد الذي يوحد بين الممثل والجمهور لانه نوع من انواع الفن الحي, وهو بذلك له قدرة كبيرة بما يقدمه في التأثير علي المشاهد من خلال أفكار العرض المسرحي المطروحة, ولذلك يجب الالتفات لما يقدم علي خشبة مسارح الدولة من عروض مؤلفة حديثا, فيجب أن يكون النص المسرحي له وجهة نظر واضحة تعبر عن رأي المؤلف وثقافته. رابعا: إعطاء فرص متكافئة لجميع الموهوبين في مجال المسرح دون تحيز لفئة دون الأخري ودون مجاملات. خامسا: تعاون وزارة الإعلام مع وزارة الثقافة من خلال بروتوكول متبادل بينهما, بأن يقوم التليفزيون المصري بتصوير جميع عروض مسارح الدولة لكي تكون وثيقة للأجيال القادمة عن شكل الحركة المسرحية في كل حقبة زمنية مرت بها مصر.