على الرغم من ان نسيج الشعب الأمريكي يتكون من خليط كبير من شعوب مختلفة الاجناس والاعراق هاجرت إلى الأراضي الأمريكية لتكون ما يعرف الآن بالولاياتالمتحدةالأمريكية، الا ان ظاهرة التمييز العنصري تعد أعقد مشكلة اجتماعية عرفها المجتمع الامريكى . هذه الظاهرة المرضية التي خلقت أكبر مأساة انسانية عرفها البشر، مأساة تشريد واضطهاد ملايين من الأفراد في جهات مختلفة من العالم فقط.. لأنهم مختلفون . ورغم ان أمريكا استطاعت لاحقا أن تذيب الأعراق في بوتقتها ، وتبني مجتمعاً في قمة العالم من حيث التطور وتبّني العباقرة والمبدعين في كل المجالات ومن أي جنس ولون لكن تظل العنصرية تطل برأسها من حين لآخر باشكال مختلفة . ويمثل الديمقراطية أو الفكر الليبرالي الحر احد ابرز معالم امريكا وهو تمثال الحرية الذى يرمز إلى سيدة تحررت من قيود الاستبداد التي ألقيت عند إحدي قدميها.،إلا أنه تم استخدامه على يد الأمريكيين الأفارقة كرمز للعبودية وازدواجية المعايير الأمريكية التي تنادي بالحرية وفي نفس الوقت تمارس الفصل العنصري. العنصرية اصطلاحا .. والتمييز العنصرى اصطلاحا هو- الاعتقاد – بأن هناك فروقًا ناتجة عن عناصر موروثة بطبائع الناس أو قدراتهم تعود لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما وبالتالي تبرير معاملة الأفراد المنتمين لهذه الجماعة بشكل مختلف اجتماعيا وقانونيا، بناء على شعور بالتفوق يؤدى الى ممارسة أو سياسة تقوم على الإقصاء و التهميش . تاريخ اسود .. وتعود سياسة التمييز العنصرى الى القرن الماضى فى المستعمرات الأمريكية، حينما اعتمد المزارعون الأوروبيون على شراء أصحاب البشرة السمراء من الأفارقة للعمل بمزارعهم، لأنهم الأقدر على تحمل مشقات العمل وحرارة الجو المرتفعة، وراجت تجارة العبيد فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، بسبب اكتشاف مناجم الذهب فى أمريكا، وإصدار قانون يُنظّم هذه التجارة من قبل الحكومة الأمريكية، ومارست ضدهم جميع أنواع الاضطهاد والظلم. ومن هنا كانت العنصرية والتمييز العرقي في الولاياتالمتحدة قضية رئيسية منذ الحقبة الاستعمارية وحقبة الرقيق. وكان القانون الأمريكي يعطي امتيازات وحقوق للأميركيين البيض لا تمنح للأمريكيين الأصليين والأمريكيين من أصل أفريقي والأمريكيين الآسيويين ومن أمريكا اللاتينية. و على مدى فترات من الزمن ،ضمن القانون للأمريكيين الأوربيين مميزات في التعليم والهجرة وحقوق التصويت، والمواطنة، وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائية بموجب القانون وفي نفس الوقت عانت الكثير من الجماعات الغير بروتستانتية المهاجرة من أوروبا – لاسيما اليهود والأيرلنديين والبولنديين والإيطاليين – من العنصرية والتمييز العرقي في المعاملة في المجتمع الأمريكي. العنصرية فى ثوب حديث .. وفي منتصف القرن العشرين تم حظر التمييز العنصري الرسمي إلى حد كبير وجاء الدستور الأمريكي يمنع التفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين أو غير ذلك، وأصبح غير مقبول اجتماعيا ومكروه أخلاقيا كذلك. ولكن ظلت السياسة العنصرية واتخذت أشكالاً أكثر حداثة، وغير مباشرة ومازل التقسيم الطبقي يتجلى في فرص العمل، والسكن والتعليم، والقروض، والحكومة. وفي أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبحسب استطلاع للرأي حول مستقبل التعايش المشترك في البلاد بين السود والبيض، جاءت النتائج كاشفة، فقد اعترف 6 من أصل 10 إفريقيين أمريكيين بأن العلاقات العرقية ليست على ما يرام أو أنها هزيلة وذهب أكثر من نصف البيض إلى وصف اختيار رئيس أسود للبلاد أنه أمر خطير. وكما يرى بعض المحلليين السياسيين أن انتخابات باراك أوباما في حد ذاتها كانت دلالة على أن المجتمع الأمريكي لا يزال رازحًا تحت أغلال العنصرية، فتصويت السود في انتخابات الرئاسة 2008 بأغلبية كاسحة وشبه مطلقة لأوباما يشير الى أن معيار الاختيار عرقي وإن حاولوا التعليل بغير ذلك بحسب المحللين . ثورة غضب .. صحيح أن الولاياتالمتحدة وبإرادة شعبية انتخبت أوباما الأسود ذا الأصول الأفريقية لكن ذلك لم يحجب طبيعة الفوارق العرقية، سواء في الولايات ذات الأغلبية البيضاء أو السوداء.وتجلى ذلك فى الاحداث الاخيرة والتى فجرت الشعور المكبوت بين أصحاب اللونين فبالرغم من وجود رئيس أسود على رأس هرم السلطة، الا ان السود تعرضوا للأذى حيث تصاعدت فى الآونة الأخيرة حدة الحوادث العنصرية ضد السود؛ سواء كان بطلها الشرطة الأمريكية أو المواطنين البيض، وذلك على خلفية أفكار عنصرية وكراهية للمواطنين السود، لتؤكد أن العنصرية ضد الأمريكيين السود لا تزال مستمرة . واشتعلت ثورة غضب فى شوارع الولاياتالمتحدة، منددة بوحشية الشرطة الأمريكية ضد السود، وخرجت مظاهرات فى ولايات واشنطنونيويورك وأريزونا ولويزيانا وكاليفورنيا وجورجيا وتكساس وفلادلفيا تحمل شعار «حياة السود مهمة» احتجاجا على عنصرية الشرطة.،وأغلق المتظاهرون الطرق فى مدينة نيويورك وأتلانتا وفيلادلفيا، ولم تتحدث تقارير وسائل الإعلام المحلية عن وقوع أى اشتباكات أو إصابات خطيرة. وفى العاصمة واشنطن، تظاهر المئات أمام البيت الأبيض. وطالبت الحركة التي قادت تظاهرات استمرت اشهرا في انحاء البلاد احتجاجا على وحشية الشرطة تجاه الاميركيين من اصل افريقي، بوضع حد للعنف. ومع تزايد حدة الغضب بين الأمريكيين ، تجد الحكومة نفسها أمام تحد كبير هو الحفاظ على وحدة المجتمع الأمريكي ومنع الفتنة التي باتت سمة بارزة فيه، ولا سيما أن الفتنة العنصرية تشكل احتقاناً ظهرت نتائجه على الملأ في عدة ولايات، والتحسب من أن تعم تلك الظاهرة بقية الولايات في وقت واحد؛ ما يعني ثورة شعبية داخلية. مشكلة عقلية .. وتختلف الآراء والتحليلات حول تفسير تزايد موجات العداء ضد السود داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأونة الأخيرة، فبعض الآراء ترى أن مظاهر العداء تجاه السود ، هي مجرد حالات فردية لبعض رجال البوليس والمدنيين البيض، يرتكبونها بفعل الآثار المتبقية من ميراث العنصرية ضد السود. بينما يري البعض الآخر، أن التمييز والاضطهاد للسود، مازال في عقول عدد كبير من الأمريكيين البيض،وأنه آخذ في التزايد في الفترة الأخيرة. و بالرغم من وجود آليات لضبط المجتمع الأمريكي ومنعه من الانزلاق لحرب أهلية إلا أن مشكلة الأمريكيين السود ستظل جرحًا في الجسد الأمريكي ينزف كل فترة بلا علاج حاسم، لأن المشكلة في العقلية الأمريكية وليست في التشريعات.، فهى نتيجة مشكلة في الثقافة وممارسات الشعب الأمريكي الذي ينظر نظرة دونية للسود ويعتبرهم ما زالوا عبيدًا. الوجه الآخر لامريكا .. ومع بدء العد التنازلي لموعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية تُظهر تصريحات أبرز المرشحين مدى العنصرية التي يتخذها الساسة الأمريكيين والنظام الأمريكي في العموم تجاه الإسلام والمسلمين، ففي الفترة الأخيرة تعددت التصريحات والأحاديث العنصرية،ضد الإسلام والمسلمين في صورة تجلت فى تصريحات "دونالد ترمب" المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية للعام 2016 ،والذى دعا الى منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى تتمكن السلطات من تأمين البلاد من خطر الإسلاميين المتشددين "على حد قوله" ،و في مناسبة أخرى، ذكر أنه يريد مراقبة بعض المساجد في الولاياتالمتحدة، موضحًا أن هناك شريحة عريضة من المسلمين يمثلون مشكلة كبيرة في الولاياتالمتحدة. لم تكن تصريحات المرشح الرئاسى دونالد ترامب ضد المسلمين هي التصريحات العنصرية الأولى، إذ إنه كان قد استهدف المكسيكيين من قبل قائلا إن "المكسيكيين الذين يتم إرسالهم إلى أمريكا مجرمون ومغتصبون". وعلى الرغم من أن القانون الأمريكي لا يمنع أن يكون مواطن مسلم أمريكي على رأس السلطة فقد تبنى المرشح الرئاسي الجمهوري بن كارسون دعوة «إنه لا يمكن لمسلم أن يصبح رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية.لان عقيدة المسلمين تتعارض مع المبادئ الأمريكية»، على حد قوله ،وواصل المرشحون لانتخابات الرئاسة الأمريكية تصريحاتهم العنصرية هذه التصريحات التي خرجت من أبرز المرشحين للانتخابات الأمريكية، أثارت الكثير من الخلافات والجدل داخل المجتمع الأمريكي ، فعلي الرغم من وجود هوس من البعض بأن هناك مؤامرة يقودها المسلمون للسيطرة على البلاد وفرض قوانين الشريعة عليهم، هاجم البعض هذا الحديث، حيث ندد البيت الأبيض وقال السكرتير الصحفي للإدارة الأمريكية جوش ارنست إن تعليقات كارسون تتعارض تماما مع الدستور والبند الأول من الميثاق. وأثارت تصريحات كارسون حفيظة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية « كير» الذي طالب فورا بانسحاب المرشح من سباق الرئاسة، وقال ابراهيم هوبر المتحدث باسم المجلس إن هذا الشخص لا يلتزم ولا يهتم بالدستور، وإنه غير مؤهل قطعيا للترشح لأعلى منصب في البلاد، مشيرا إلى أن المثير للاهتمام هو أن الشخص الذي كسر الدستور يتهم المسلمين الأمريكيين بطريقة أو بأخرى بأنهم لا يتبعون الدستور. فيما اوضحت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون إن المسلمين لديهم الحق بالرئاسة، وإن من يدعي خلاف ذلك عليه التحرك بعيدا عن الساحة، معيدة تذكيرالأمريكيين، مرشحين منهم للرئاسة أم مواطنين عاديين، بالمادة السادسة من الدستور الأمريكي: «لا يجوز أبداً اشتراط امتحان ديني كمؤهل لتولي أي منصب رسمي أو مسؤولية عامة في الولاياتالمتحدة». وعلى الرغم من التصريحات الرسمية والغير الرسمية المنددة لهذه العنصرية الأمريكية ، أظهرت الصحف الأمريكية عكس ذلك فوفقًا لتقرير لصحيفة «واشنطن بوست» قالت فيه «أن هناك جدل واسع يظهر صعوبة أن يحكم رئيس مسلم أمريكا، مؤكده إن هناك مناقشات خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بشأن ما إذا كان الأمريكيون بإمكانهم أن يصوتوا لمرشحين مختلفين فى الاصل او الجنس عدا أن يكون المرشح مسلماً. الإحصاءات كاشفة .. فى محاولة للبحث عن حقيقة وجود العنصرية ضد السود ومدى انتشارها بين البيض الأمريكيين، ظهرت دراسة تستند الى مصادر أمريكية رسمية عدة، وموثقة منها مكتب الإحصاء الأمريكي، والمركز الفيدرالي لإحصاءات التعليم والعمل ، ومكتب الولاياتالمتحدة لإحصاءات العدالة،وتوصلت الدراسة الى وجود حقائق رقمية تفسر ما يعانيه السود من عنصرية، حيث تعكس الإحصاءات التوجه العنصرى والكيل بمكيالين والتى تشير الى أن نسبة البطالة بين أوساط السود هي أكثر من ضعفي نسبتها في أوساط البيض.، كما أن نسبة توظيف المتعلمين من السود مقارنة بالبيض هي 25%. ، كذلك، فإن السود يعاقبون بفترات حبس أطول من البيض لنفس الجريمة المرتكبة. وتشيرالإحصاءات الى أن اكثر من 70% من عائلات السود تعيش تحت خط الفقر. كما أن الكثير من أبنائها يلجأون إلى تجارة السلاح والمخدرات وطرق الكسب غير المشروعة. ،علاوة على أن معظم حالات الانتحار في الولاياتالمتحدة هي في أوساط السود. فى السياق ذاته، أعرب خمسة خبراء حقوقيون رفيعو المستوى في الأممالمتحدة عن استيائهم حيال النظام القانوني الأمريكي، بعد قرار عدم محاكمة المتسببين في مقتل أمريكيان من أصول أفريقية لقيا مصرعهما على يد اثنين من أفراد الشرطة الأمريكية. واعرب خبراء حقوقيون في نيويورك، عن مخاوف حول هذه القرارات القضائية بعد مقتل أمريكي من أصول أفريقية خنقاً على يد أحد ضباط الشرطة".وأعربت المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول قضايا الأقليات، ريتا إسحق، عن قلقها حيال رفض اللجنة الكبرى توجيه الاتهام إلى ضابطي الشرطة رغم توفر أدلة دامغة في الحالتين. دراما فاضحة .. ولما كان الفن رسالة تعكس الواقع فلم تغفل السينما الأمريكية مناقشة قضايا التمييز العنصري في أفلامها حيث عرضت هوليوود عشرات الأفلام التي غاصت في حياة السود وممارسات الشرطة والعنصريين تجاههم .وكان آخرها فيلم 12 عاماً من العبودية المأخوذ عن السيرة الذاتية ل "سلمان نورثوب" وهو شخص أسود تم إختطافه وبيعه كعبد في واشنطن 1841 ، فيما شاهد الملايين فى العالم مسلسل الجذور ، أو قرأوا روايته التى وضعها الزنجى الأمريكى اليكس هالى ، وروى فيها قصة جده كونتا كونتى الذى إصطاده تجار العبيد من أفريقيا ، وساقوه مع عشرات الألوف من سكان أفريقيا إلى أمريكا ليعملوا سُخرة فى الزراعة ، والاعمال الصعبة والشاقة ، وقد كان معظم هؤلاء من الكونغو وأنجولا وموزمبيق ونيجريا. لقد انقضت عقود على مكافحة العنصرية في امريكا وبالرغم من القوانين والتشريعات والنضال ضد كل انواع العنصرية والتمييز العنصري. فان امريكا اصبحت اليوم ساحة لمصادمات وحوادث عنصرية، وهناك الكثيرمن الأمثلة على ذلك ،ويمكن القول بشكل عام ان للعنصرية جذور عميقة دفينة في النفوس والوعي بصورة يصعب السيطرة عليها رغم التقدم الديمقراطي والاجتماعي والعلمي والثقافي والتكنولوجي.، فرغم كل ذلك لم تستطع امريكا تجنب نار العنصرية المشتعلة أو مواجهة التفرقة العنصرية واجتثاث جذورها المتوغلة في اعماق المجتمع الذي شهد نضالات للتخلص منها ابرزها نضال محرر العبيد «ابراهام لينكولن» و»مارتن لوثر كنج» ضد العزل العرقي والتفرقة العنصرية، المرض العضال الذي تعانيه امريكا وهو صورة من صور الاعمال الارهابية ضد السود او الامريكان من اصول افريقية.