نقيب الأطباء: تنفيذ العقوبات الصادرة بقضية الاعتداء على طبيبة دمياط    برلماني يطالب الحكومة بزيادة مخصصات «الأبنية التعليمية» في الموازنة الجديدة    نائب رئيس جامعة عين شمس يترأس الاجتماع الدورى لمجلس شئون الدراسات العليا والبحوث    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بمناسبة الذكرى ال42 لتحرير سيناء    7 أيام إجازة.. اعرف موعد شم النسيم وعيد العمال رسميًا بعد التعديل    طلاب النقل يواصلون امتحانات الفصل الدراسي الثاني ب«أزهر المنيا»    بمناسبة ذكرى تحرير سيناء.. محافظ أسيوط يشارك في وضع إكليل زهور على النصب التذكاري للشهداء    أسعار السمك اليوم في المحافظات.. انخفض بأسواق البحيرة بعد المقاطعة    توريد 11180 طن قمح لشون وصوامع القليوبية    مدبولي: دعم قطاع الصناعة أصبح يؤتي ثماره في العديد من القطاعات الإنتاجية    «المشاط» تُشارك في منتدى التمويل من أجل التنمية التابع للأمم المتحدة    سداد 8.16 مليار دولار فوائد وأقساط ديون خارجية بنهاية الربع الأول من 2024    «خطة النواب» تعقد 4 اجتماعات اليوم لمناقشة الموازنة العامة للدولة (تفاصيل)    الاستخبارات الأوكرانية: استهدفنا بمسيرات حقلي نفط روسيين في منطقة سمولنسك    ألمانيا تعلن استئناف تعاونها مع الأونروا قريبا في غزة    الأمم المتحدة تدعو لإجراء تحقيق بشأن مقابر جماعية في محيط مستشفيين بغزة داهمهما الاحتلال    انتفاضة في الجامعات الأمريكية ضد حرب غزة.. والخيام تملأ الساحات    أ ف ب: إيران تقلّص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة    تعرف على مباريات جولة حسم الصعود والبقاء لمجموعتى بحري في القسم الثاني ب    تشكيل مانشستر يونايتد المتوقع أمام شيفيلد    أليجري يوجه رسالة قوية إلى لاعبي يوفنتوس بعد الهزيمة أمام لاتسيو    مفاجأة.. يوسف أوباما يقترب من نادي بيراميدز    ب50 مليون جنيه.. الأمن العام يضبط قضايا اتجار غير مشروع في العملات الأجنبية    بسبب خلافات مالية.. السجن 10 سنوات لتاجر أسماك بتهمة قتل عامل في الإسكندرية    السجن 10 سنوات لبائع أسماك قتل شخص بسلاح أبيض بالإسكندرية    الزفاف يتحول إلى جنازة.. اللحظات الأخيرة في حياة صديقة عروس كفر الشيخ    بدء اليوم الثاني من مؤتمر وزارة العدل عن الذكاء الاصطناعى    اليوم.. رامي جمال يطرح ألبومه الجديد "خليني أشوفك"    نصيحة مهمة لتخطي الأزمات المالية.. توقعات برج الجوزاء في الأسبوع الأخير من أبريل    فيلم شقو يحقق 52 مليون جنيه في أسبوعه الثاني بالسينمات    بالسعودية.. هشام ماجد يتفوق على علي ربيع في الموسم السينمائي    رئيس جامعة المنيا يزور مصابي غزة في المستشفى الجامعي    طريقة عمل عصير الليمون بالنعناع والقرفة.. مشروب لعلاج الأمراض    6 تعليمات من «التعليم» بشأن امتحانات «الترم الثاني».. منها وضوح الأسئلة    «الشيوخ الأمريكي» يوافق على مشروع قانون لفرض قيود على «تيك توك»    DMC تعرض تقريرا عن الفنان الراحل محمود مرسي في ذكرى رحيله    حظر سفر وعقوبات.. كيف تعاملت دول العالم مع إرهاب المستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغربية؟    النقل: تقدم العمل بالمحطة متعددة الأغراض بميناء سفاجا    مصر تفوز بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    تفاصيل الحالة المرورية بالمحاور والميادين صباح الأربعاء 24 أبريل    دعاء الحر الشديد.. 5 كلمات تعتقك من نار جهنم وتدخلك الجنة    رئيس البنك الأهلي يكشف كواليس ضم أسامة فيصل.. ومفاوضات الأهلي مع أبو جبل    "لا يرتقي للحدث".. أحمد حسام ميدو ينتقد حكام نهائي دوري أبطال آسيا    «خيال الظل» يواجه تغيرات «الهوية»    رئيس هيئة الرعاية الصحية: خطة للارتقاء بمهارات الكوادر من العناصر البشرية    رئيس «المستشفيات التعليمية»: الهيئة إحدى المؤسسات الرائدة في مجال زراعة الكبد    متحدث "البنتاجون": سنباشر قريبا بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    بالتزامن مع حملة المقاطعة «خليه يعفن».. تعرف على أسعار السمك في الأسواق 24 أبريل 2024    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    بايدن يعتزم إرسال أسلحة جديدة لأوكرانيا اعتبارا من "هذا الأسبوع"    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العثور على الصندوق الأسود!
نشر في أخبار مصر يوم 28 - 06 - 2016

على مدى أسابيع منذ اختفاء الطائرة المصرية A320 القادمة من باريس إلى القاهرة فى رحلتها رقم 804، كان المصريون يتساءلون يوميا عن مصير العثور على الصندوق الأسود؟. كان البحث يجرى بحماس شديد، وتداخلت فيه جهود دول، مصر بالطبع قدمت سلاحها البحرى، ومعها تعاونت فرنسا واليونان، وتنوعت القطع البحرية التى تبحث على سطح البحر، وتلك الغواصات التى تنظر أسفله. لم يكن ما تم العثور عليه كثيراً سوى قطع من الطائرة، وبعض من أعضاء البشر، وقيل إن أجزاء من الطائرة وُجدت فى دائرة واسعة تصل مساحتها إلى 20 كيلومترا مربعا. لم يكن فيما وُجد ما يقول لنا عما إذا كانت الطائرة قد تعرضت لعمل إرهابى أو عطل فنى أو مزيج بينهما، وهكذا ظل الجميع فى انتظار الصندوق الأسود لكى يفرج عن أسرار الساعتين الأخيرتين من حياة الطائرة.
لم يكن ممكنا بعد ذلك العثور على الصندوق الأسود إلا بعد أن قامت مصر باستئجار سفينة متخصصة اسمها «جون ليثبردج». لم يكن ذلك هو اسم السفينة طوال الوقت منذ بنائها للبحث وإجراء المسوحات فى البحار والمحيطات وتكسير الجليد فى عام 1966، فقد حملت اسم ماربيلا حتى عام 1979، وبعد ذلك سميت «أفق الشمال» حتى 2004، ثم أصبحت «موجة المحيط العالية» حتى جرى إعادة بنائها وتجهيزها فى 2006، فأصبحت تليق باسم «جون ليثبردج» (1675 1759) الرجل الذى اخترع أول غواصة عرفها التاريخ فى 1715. عاش الرجل فى مقاطعة ديفون جنوب غرب إنجلترا فى العصر الذى كان فيه غرق السفن شائعا، ولما كان بعضها يحمل ثروات طائلة، فإن النزول إلى قاع البحر واسترجاع هذه الثروات بات حلما شائعا. بعد جهد جهيد نجح فى تصميم وتنفيذ الغواصة فى شكل برميل له نافذة زجاجية يمكن تنزيلها بالحبال إلى قاع البحر، مع تزويدها بالهواء لفترة زمنية تكفى للنظر والبحث.
وعلى بدائية الطريقة، فقد نجح المخترع بالفعل فى العثور على كنوز كثيرة، ولما كان مزواجا فقد أنفق ثروته الطائلة على النساء حتى ترك 17 من الأبناء. وسيرا على تقاليد «جون ليثبردج» أصبحت السفينة التى تحمل اسمه وعليها علم بنما مجهزة بأحدث أنواع الكاميرات والبصريات وقرون الاستشعار والإلكترونيات وأجهزة الاستقبال الحساسة التى تجعل بصيرتها واسعة فى قاع البحر حتى عمق 6000 متر. وعندما جاء الطلب المصرى إلى السفينة للبحث عن بقايا الطائرة المصرية فى شرق البحر الأبيض المتوسط، والعثور على الصندوق الأسود، كانت السفينة تعمل فى مشروع «ميراندا» للبحث عن سفينة تحمل 4500 طن من النيكل، ومشروع «إللا» للبحث عن سفينة غرقت فى القرن التاسع عشر وتحمل حمولة من الذهب.
نجحت السفينة «جون ليثبردج» فى العثور على الصندوق الأسود الذى يسجل كلمات الطيارين وما يدور فى كابينة القيادة للطائرة، والصندوق الآخر الذى يقيس كافة مؤشرات الطائرة، ومنهما سوف يستدل على حالة الطائرة وما جرى فيها قبل وساعة حدوث الكارثة. وحتى وقت كتابة هذا المقال، قبل أسبوع، لم تكن نتائج البحث قد ظهرت بعد، ولكن الخبراء مازالوا على يقين أن الصندوقين سوف يبوحان بأسرار لحظات صعبة وفاجعة. السؤال المطروح هنا هو: هل يمكن لنا، لمصر والمصريين، العثور على الصندوق الأسود الذى يفسر لنا لماذا بعد أكثر من قرنين من قيام مصر الحديثة مازلنا فى صفوف الدول المتخلفة أو النامية، لا فرق؟ للأسف لا توجد معنا السفينة «جون ليثبردج» لكى تدلنا بعد الغوص فى الأعماق المصرية على الأسرار أو الصندوق الأسود الذى يفسر لنا لماذا استمر الحال على ما هو عليه فى العهود السلطانية والملكية والجمهورية، وعبر ثورة عمر مكرم التى أتت بالوالى محمد على، وثورة عرابى، وثورة 1919، وثورة 1952، وثورة يناير 2011، وثورة يونيو 2013. الثابت أن الشعب المصرى لم يبخل على وطنه بالروح والدم، وأنه فى كل الأحوال كان قلقا من استمرار التخلف من ناحية، وأكثر من ذلك من رؤيته دولًا أخرى تسبقه الواحدة بعد الأخرى بعد أن كانت خلفه.
بالطبع لا يوجد صندوق أسود يحدد حالة الأمم، وربما كانت هناك محاولات لصندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، ومؤسسات مالية واقتصادية وسياسية عديدة، تدرس الدول، وتضع مراتبها، وفى كثير من الأحيان فإنها تفصل فى أسباب تقدمها أو تراجعها سواء كان ذلك فى الحريات السياسية أو الاقتصادية أو التنافسية أو أداء الأعمال. وكما أن العثور على الصندوق الأسود هو السبيل الوحيد لاستجلاء الحقيقة حول ما حدث فى الطائرة المصرية 804، فإن التعرف على الحقائق- المُرّة ربما- هى النقطة الأولى الضرورية لاستجلاء الحقيقة، أو الحقائق التى تستجلى ما جرى ويجرى لأم الدنيا. ولكن، وكما رأينا، فى حالة سفينة البحث «ليثبردج» فإن ذلك يستدعى قدرا كبيرا من العلم والمعرفة وأدوات البحث المتقدمة التى تصل إلى أعماق البحر المصرى لكى تنتزع منه أسراره الكبرى التى جعلته على حاله الذى نراه.
العلم إذن والمعلومات والتكنولوجيا سوف تضعنا على نقطة البداية الصحيحة التى عندها سوف يكون واجبا أن نصارح الشعب بالحقائق، حلوها ومرها. لاحظ هنا أن كل من له علاقة بموضوع الطائرة قرر الانتظار حتى يتم العثور على الصندوق الأسود من أول الرئاسة فى مصر ومجلسى الوزراء والنواب، وحتى الإعلام الذى تعود على «الإفتاء» فى كل الأمور أخذ اتجاها للانتظار، وكذلك فعلت الشركة والشركات المنتجة، وفرنسا وبقية المجتمع الدولى. الكل دخل فى حالة مفيدة من الحياد الذى يعول على ما سوف ينتجه العلم والبحث الدقيق فى أعماق بحر مظلم. هنا فإن المسألة تشير إلى أننا أخطأنا خطأً بالغا عندما قضينا القرنين السابقين فى إلقاء اللوم دوما على ما مضى، وكان المستقبل دوما عزيزا على الحضور.
فى معظم الأحوال كنا دوما ننظر إلى الخلف فى غضب، العرابيون على الأسرة العلية، والليبراليون على عرابى، والناصريون على ثورة 1919 وورثتها الوفديين، وعصر السادات على عصر عبدالناصر، والمباركيون على كليهما، وثوار يناير على مبارك، وثوار يونيو على ثوار يناير. انشغلنا دوما بكل شىء إلا عن النظر إلى الأمام والبحث عما إذا كان باستطاعتنا التحليق إلى السماء السابعة من التقدم، أو أنه من الوارد أن نسقط من حالق إلى أعماق البحر.
الغريب أن الأمثلة المحلقة فى عيوننا وحرمتها نعمة الصفاء كانت فيمن سبقنا فى سباق الحياة، ففى وقت من الأوقات كانت اليابان هى المثال، وكيف استطاعت وهى التى جاءتها النهضة والحداثة بعد مصر بستة عقود (مصر مع محمد على 1805، واليابان مع الميجى فى 1868) أن تسبقنا فى العلم والتعليم والصناعة. ولكن اليابان لم تعد فى مجال المقارنة، فبعدها أصبحت كوريا الجنوبية هى المثال، وقيل لنا إنها كانت فى عام 1960 تقل عن مصر فى كافة المؤشرات، ولم ينته عقد الستينيات حتى كانت سابقة فى كل شىء، وبعدها غابت عن الأبصار واتسع مجال المقارنة إلى ما بات معروفا بالنمور الآسيوية، وبعدها الفهود. ولم ينته القرن العشرون حتى وجدنا الصين التى كانت قبلنا فى كل شىء، على الأقل بسبب عدد السكان الهائل، تلحق بنا وتسبقنا حتى اختفت هى الأخرى عن الأنظار، بينما الهند وتركيا والبرازيل وفيتنام تبدو كما لو كانت تذوب أمامنا فى الأفق.
هل نستطيع، كما يقولون فى عالم كرة القدم، العودة إلى المباراة مرة أخرى؟ هل يستطيع صندوقنا الأسود أن يقول لنا بجوار حقيقة حالنا كيف نعود إلى السباق؟ اليقين هو أن ذلك ممكن، وما علينا إلا معرفة ما فعله الآخرون، ونفعل ما فعلوا دون تلاعب ولا تردد ولا تذرع بخصوصيات وهمية. تلك هى المسألة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.