فى قمة تاريخية هى الأولى من نوعها.. ووسط ترحيب عالمى بزيارة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، للفاتيكان، جاء لقاء شيخ الأزهر والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان بالمقر البابوي، حيث ركز اللقاء الذى جمعهما على تنسيق الجهود بين الأزهر الشريف والفاتيكان من أجل ترسيخ قيم السلام ونشر ثقافة الحوار والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والدول، وحماية الإنسان من العنف والتطرف والفقر والمرض. الأزهر والفاتيكان.. مصالحة بعد التوتر.. لقاء الشيخ احمد الطيب والبابا فرنسيس يأتى بعد 10 سنوات من العلاقات المتوترة بين مشيخة الأزهر الشريف والفاتيكان، لتبدأ المؤسستين الدينيتين مرحلة جديدة في المصالحة. وبحسب بيان للفاتيكان فإن المسؤولين الدينيين أشادا ب"الدلالات المهمة لهذا اللقاء الجديد، في إطار الحوار بين الإسلام والكنيسة الكاثوليكية"، بعد اجتماع وصف بالتاريخي و"الودي جدا"، وشهد معانقة بينهما. تصريحات البابا بنديكت السادس عشر .. كانت العلاقات قد توترت بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم الإسلامي في سبتمبر من عام 2006 عندما ألقى البابا السابق بنديكت ال16، محاضرة في جامعة ألمانية، أشار فيها ضمنيا إلي أنه يعتقد أن الإسلام ينزع إلي العنف، ويفتقر إلي العقلانية. واقتبس حينها البابا بنديكت مقطعا من حوار دار في القرن ال14 بين إمبراطور بيزنطي ومثقف فارسي. واستعاد قول الإمبراطور: "أَرِني ماذا قدم محمد من جديد، وسوف لن تجد إلا أمورا شيطانية وغير إنسانية، مثل أوامره التي دعا فيها بنشر الإيمان عن طريق السيف". واحتج المسلمون في أرجاء العالم فيما سعى البابا، الذي قال إنه لا يتفق مع الإمبراطور البيزنطي الذي اقتبس كلماته، إلي إصلاح الأمر بزيارة المسجد الأزرق الشهير في مدينة إسطنبول التركية، والصلاة باتجاه مكةالمكرمة مع إمامه. وعلى الرغم من ان البابا بنديكت اعرب مرارا عن أسفه بعد ردود الفعل على خطابه، الا انه لم يقدم اعتذارا واضحا طلبه المسلمون حينها. خطوة مستفزة .. وفي 2008 قام البابا بنديكت بتعميد المسلم الإيطالي مجدي علام، المصري المولد، الذي تحول إلي المسيحية، مما أثار انتقادات في العالم الإسلامي.وبعد ساعات من تعميد علام تحدث البابا في القداس عن "المعجزة" المستمرة للتحول إلى المسيحية بعد نحو ألفي عام من قيامة المسيح. ووصف البعض خطوة البابا بنديكت حينها ب"المستفزة" لأنه قام بالتعميد لعلام، أثناء قداس عشية عيد القيامة في ساحة القديس بطرس، أذيع تلفزيونيا في أرجاء العالم. وتساءل منتقدو خطوة التعميد عن سبب اختيار البابا تسليط الضوء على تحول علام، المعروف في إيطاليا بهجماته على الإسلام، إلي المسيحية. تجميد العلاقات .. واستأنف الطرفان في عام 2009 الحوار بينهما، لكن الأمور تأزمت مجددا مطلع يناير 2011 إثر إدانة البابا المستقيل في فبراير 2013، لتفجير كنيسة القديسين في مدينة الإسكندرية داعيا إلى حماية المسيحيين في مصر، بعد هجوم بقنبلة خارج الكنيسة، مما أسفر عن مقتل 23 شخصا. وقرر الأزهر عقب هذا الموقف تجميد علاقاته مع الفاتيكان لأجل غير مسمى، بسبب ما اعتبره آنذاك تعرضا متكررا من بابا الفاتيكان السابق للإسلام "بشكل سلبي". وبعد تولي البابا فرنسيس الأول رئاسة الكنيسة الكاثوليكية في 2013، استؤنف الحوار شيئا فشيئا مع تبادل الموفدين. وبعث الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ببرقية تهنئة باسم الأزهر إلى البابا الجديد. وأعلن الأزهر أن عودة العلاقات المقطوعة مع الفاتيكان رهنٌ بما يقدمه من خطواتٍ إيجابيةٍ جادة تُظهر احترام الإسلام والمسلمين، فيما عكف البابا فرنسيس، منذ انتخابه، على تحسين العلاقات بين الأديان، وزار وفد من الفاتيكانالقاهرة في فبراير الماضي، وامتدت الدعوة ليزور الطيب الفاتيكان. مؤتمر دولى للسلام.. وخلال القمة التى استضافها المقر البابوى فى روما اتفق شيخ الازهر وبابا الفاتيكان على عقد مؤتمر عالمى للسلام واستئناف الحوار بين الجانبين. وأكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف إننا نحتاج إلى مواقف مشتركة يدًا بيد من أجل إسعاد البشرية، لأن الأديان السماوية لم تنزل إلا لإسعاد الناس لا إشقائهم. مشيرا إلى أن الأزهر يعمل بكافة هيئاته على نشر وسطية الإسلام ويبذل جهودا حثيثة من خلال علمائه المنتشرين فى كل العالم من أجل إشاعة السلام وترسيخ السلام والحوار ومواجهة الفكر المتطرف، وان لديهم مع مجلس حكماء المسلمين قوافل سلام تجوب العالم. من جهته اكد بابا الفاتيكان على أن الهدف من اللقاء هو إبلاغ الجميع برسالة مشتركة عنوانها «السلام والتسامح والحوار الهادف»، وأن على الأزهر والفاتيكان عبئا كبيرا فى إسعاد البشرية ومحاربة الفقر والجهل والمرض. مشيدا بدور الأزهر الشريف فى نشر ثقافة السلام والتعايش المشترك وجهوده فى مواجهة الفكر المنحرف. رسالة تسامح مزدوجة.. اللقاء التاريخى بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان، دشن عهدا جديدا عنوانه «نبذ كل أنواع الغلو والتشدد والتعصب والفكر الظلامى المتطرف» ، فى علامة تستعيد فيها المؤسستان الأكبر فى العالم رمزيتهما بالتسامح والحوار، فاللقاء رسالة تسامح مزدوجة، تعبر من وجهة نظر شيخ الأزهر عن ضرورة تغيير نظرة الدول الغربية للمسلمين والإسلام ، وحض المسلمين على الاندماج فى مجتمعاتهم الغربية، ومن المؤكد أن اللقاء يخرج بنتيجة مهمة لكل من مسلمى ومسيحيى العالم مؤداها تبنى خطاب دينى مشترك فى مواجهة التطرف وبسط قيم التسامح بين الشعوب والثقافات.،خاصة فى ظل ما يموج به عالمنا اليوم من صراعات وإرهاب يتخفى وراء ستار الدين ، خلف وراءه صورا من المعاناة الإنسانية التى لا يوجد مثيل لها فى التاريخ المعاصر.