الشرطة الأمريكية تستعد لسحب رخصة السلاح من ترامب    القنوات الناقلة لمباراة منتخب مصر وبوركينا فاسو بتصفيات كأس العالم    الصحة العالمية تعلن وفاة أول حالة مؤكدة لمتحور أنفلونزا الطيور    حزمة قرارات جديدة من قناة السويس تعرف عليها (تفاصيل)    موقع نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بوابة التعليم الأساسي رابط مباشر برقم الجلوس جميع المحافظات    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    الحوثيون يعلنون استهداف سفنا في البحرين الأحمر والعربي    رئيس برلمان سلوفينيا: الاعتراف بالدولة الفلسطينية قرار في غاية الأهمية بالنسبة لنا    وزير خارجية قبرص: نعمل على تهيئة الظروف للانتهاء من المشروعات المشتركة مع مصر    حاتم صلاح يوجه رسالة ل أحمد فهمي بعد مشاركته في فيلم «عصابة الماكس»    «موجوع لفراقك».. محمد صبحي يوجه رسالة مؤثرة للفنانة الراحلة سعاد نصر    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    هشام نصر: الزمالك كان مديونا بأكثر من 35 مليون جنيه لاتحادات الطائرة واليد والسلة    «بايك» تُعلن التحدى مع «ألكان أوتو» فى مصر    طارق السيد: عمر كمال الأفضل لمركز الظهير الأيسر أمام بوركينا فاسو    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    البابا تواضروس: سألنا مرسي عن 30 يونيو قال "عادي يوم وهيعدي"    ضبط المتهم بتشويه مطلقته بمادة كاوية فى منشأة القناطر    رئيس جامعة سوهاج يتسلم جائزة مؤسسة الأمير محمد بن فهد لأفضل إنتاج علمي    البابا تواضروس يكشف كواليس اجتماع 3 يوليو في وزارة الدفاع    نشرة التوك شو| تأثير انقطاع الكهرباء على أسعار الدواجن وموعد تشغيل محطة الضبعة    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    خطة بايدن لوقف إطلاق النار بغزة.. حماس تسمع عنها في الإعلام ونتنياهو يسعى لوفاتها قبل أن تولد    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    10 % نسبة الزيادة المحتملة، موعد إعلان أسعار البنزين والسولار الجديدة    عبد الرحمن مجدي: الأهلي تراجع عن ضمي.. وطلبات الإسماعيلي منعت انتقالي إلى الزمالك    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    درجة الحرارة تصل لذروتها.. الأرصاد توجه نصائح للمواطنين    مصرع شاب إثر حادث تصادم موتوسيكل مع سيارة فى تمى الأمديد بالدقهلية    «الرى» تُنشئ 20 محطة مياه وسدودًا لحصاد الأمطار بجنوب السودان    أسعار الذهب اليوم الخميس 6 يونيو 2024 في الصاغة وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    مسئولون أمريكيون: بايدن أعلن مقترح غزة دون الحصول على موافقة نتنياهو    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    لأسباب شخصية وعائلية .. ممثل الكيان الصهيونى يستقيل من منصبه في "العدل الدولية"    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    «الأهلي» يكشف تفاصيل تجديد كبار الفريق.. وموقف علي معلول    ملخص وأهداف مباراة فرنسا ضد لوكسمبرج الودية    منعًا لتلف المحرك.. تعرفي على الوقت الصحيح لتشغيل الثلاجة بعد التنظيف    وزير الصحة يستقبل نظيره الزيمبابوي لبحث سبل التعاون وتبادل الخبرات بين البلدين    تاكيدًا لانفراد «بوابة أخبار اليوم».. تفاصيل العثور على جثة الشاب السعودي «هتان شطا»    حظك اليوم| برج الثور الخميس 6 يونيو.. «يومًا أكثر استقرارًا وانتاجية»    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة..والفترة الماضية شهدت انخفاض فى الأسعار    السفارة الأمريكية: إطلاق مبادرة جديدة للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات    «سقط من نظري».. البابا تواضروس يروي موقفًا صادمًا مع «مرسي»    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    ضمن برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر.. دورة تدريبية عن مهارات القيادة    وزيرة التخطيط تشارك بمنتدى دول البريكس الاقتصادي الدولي في نسخته ال 27    إيه هو مشروع فالي تاورز وليه سعره لُقطة.. فيديو    أخبار × 24 ساعة.. هيئة الدواء: تسعير الأدوية جبرى وإجراءات ضد المخالفين    رئيس شعبة الدواء: لدينا 17 ألف صنف.. والأدوية المصرية نفس جودة الأجنبية    شاب متهور يدهس عاملا بالتجمع الأول أثناء استعراضه بالسيارة في الشارع    عقب سيجاره يشعل النيران في أشجار النخيل بمركز ابشواي بالفيوم    السعودية ومصر تعلنان موعد غرة ذي الحجة وعيد الأضحى 2024 غدًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيران تشعل ورقة الطائفية بسوريا
لإنقاذ حليف تاريخى لا بديل عنه
نشر في أخبار مصر يوم 07 - 09 - 2012

فيما تحاول القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها مصر الضغط بشدة على النظام السوري، لإيقاف أعمال القمع والجرائم التى ترتكبها قواته ضد الشعب المطالب بإسقاطه، تقف إيران على النقيض تماما مدعومة بموقف روسى - صينى متشدد يطيل عمر المأساة ولا يقبل إلا بحلول تكرس بقاء بشار الأسد لعدم اتضاح معالم بدائله المفترضة ، الأمر الذى يثير تساؤلات المراقبين.
ورغم الاعتقاد السائد بأن وقوف طهران إلى جانب بشارالأسد هو نوع واضح من الاصطفاف الطائفي، ذلك أن نظام الحكم العلوي في سوريا، هو جزء من نظام الحكم الشيعي في الجمهورية الإسلامية، إلا أنه يتجاوز الحدود السورية إلى ما هو أبعد من ذلك ، وربما يصل إلى حد إحراق المنطقة بالكامل إنطلاقا من إشعال ورقة الطائفية السورية .
وقد أعادت تصريحات نقلتها وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء عن حسين طائب، رئيس دائرة استخبارات الحرس الثوري الإيراني، أكد فيها أن بلاده مسؤولة عن "دعم حكومة الرئيس بشار الأسد، وعدم السماح بكسر خط المقاومة " الحديث عن المصلحة الإيرانية القوية في بقاء الأسد إلى الواجهة .
كما أثارت التقارير التى تناقلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية عن وجود مقاتلين من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، بالإضافة إلى مقاتلين من ميليشيات شيعية عراقية ، الكثير من التساؤلات عن حدود إستمرار طهران فى دعم نظام بشار الأسد بإعتباره حليفا لا بديل عنه ضمن المشروع الإيرانى لدرجة أن انقاذه يعد هدفا يستحق أن تساهم في زعزعة منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربى بالكامل وتسييل استثماراتها السياسية الاقليمية من أجله، حتى تحافظ على التوازات الإقليمية والدولية التى تبقيها لاعبا رئيسا في المنطقة والعالم .
ولعل المتتبع لمنحنى صعود العلاقات بين دمشق وطهران منذ نشوئها إبان حكم حافظ الأسد الذى ينتمى إلى الطائفة العلوية،وإستقرار الأمور لنظام الحكم الشيعى الثيوقراطى - الثيوقراطية تعنى حكومة الكهنوت الديني أو التي يسيطر على رجالها الفكر الكهنوتي وهو مصطلح يوناني يعنى حكم الآلهه أوالدولة الدينية، ويعبر عن نظام حكم الذي يستمد شرعيته وسلطاته مباشرة من الإله أو الكتاب الدينى ، وتتكون الطبقة الحاكمة فيه من الكهنه ورجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم موجهين عن طريق الاله وينفذوا شرائع وتعاليم دينيه - فى إيران عام 1979 يمكنه أن يدرك بوضوح أن سوريا تعد منطقة نفوذ لإيران، وكذلك لبنان، وهي أوراق يحاول النظام الإيراني من خلالها، الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية، بالإضافة إلى استخدام تلك الأوراق ضد منافسيه الإقليميين، مثل تركيا والسعودية .
حيث بدأت العلاقات القائمة على أساس طائفى فى منحاها التصاعدى عندما دخل جناح البعث العراقى على خط النزاع مع البعث السورى وانتهت المواجهة بين الجناحين بحفلة إعدامات لقيادة العراق القطرية والقومية وهروب عدد من قيادات جناح البعث السورى الى العراق مع استقرار الأمور لصدام حسين فى حكم العراق عام 1979 .
وزادت الفجوة بين بغداد ودمشق قبل فترة قليلة من اندلاع الحرب العراقية الايرانية فى الرابع من سبتمبر عام 1980 عندما احتلت ايران عددا من النقاط الحدودية العراقية ووقف نظام حافظ الأسد فى صف ايران بكل قوة ، حيث اغلق حدوده مع العراق وقطع العلاقات ومنع تدفق النفط العراقى عبر ميناء طرطوس فى محاولة لإضعاف قدرة بغداد الاقتصادية .
كما قدم الأسد الأب دعما غير محدود لوجستيا وعسكريا وسياسيا لايران وهو ما أدى إلى فتور علاقات دمشق مع دول الخليج العربى التى كانت تدعم العراق فى ذلك الوقت وتوقفت المساعدات الخليجية لسوريا .
ومع تدعيم العلاقات مع الدولة الشيعية الأكبر واستخدام كافة الوسائل لتقوية الطائفة العلوية تمكن حافظ الأسد من ربط دمشق بطهران خاصة بعد تصعيد الكوادر العلوية وسيطرتها على كل مفاصل الدولة السورية .
فيما تمكن حافظ الأسد من تمديد الصيغة الطائفية الى لبنان من خلال تقوية الاطراف الشيعية ودعم الاقليات العلوية فى منطقة جبل محسن التى ارتكبت مجازر ضد السنة أشهرها مجزرتى باب التبانة عامى 1985 و1986 .
وقام الاسد ببناء 17 جهازا أمنيا كان القائمون عليها من العلويين أو الموالين لهم من الطوائف الاخرى وحصر الترقيات العليا بالجيش والأمن فى الضباط العلويين ، حيث لم يكن الضباط السنة يحصلون على رتبة أكثر من عميد ، وحتى لو تمت ترقيتهم الى لواء يحالون الى اعمال ادارية بعيدة مفاصل القوة بالجيش السورى .
وكان قادة الفرق والالوية من العلويين وهنا يمكن للمتابع لحركة الانشقاقات فى الجيش السورى أن يدرك مدى انخفاض رتب الضباط المنشقين ، وهم من السنة الذين عمل نظام الاسد سواء فى عهد حافظ أو بشار على ابقائهم بعيدا عن مراكز القيادة .
فيما أبقى حافظ الأسد على شخصية سنية موالية له فى الواجهة وهو مصطفى طلاس وزير الدفاع الذى أجرى تفاهما معه حول نسبة الضباط السنة بالجيش ، وكان أغلبهم من اقاربه فى منطقة الرستن فى محافظة حمص وهو ما يفسر وجود أسماء كثيرة من المنشقين مؤخرا عن الجيش السورى والانضمام للثورة من آل طراس وأصهارهم عائلة فرزات .
وكما كان طلاس اليد السنية التى تبطش ، كان هو من يوقع قرارات الاعدام الميدانية حتى يخفى الاسد طائفيته ،وذلك رغم مخالفة هذا للدستور الذى ينص على وجوب توقيع الرئيس على قرارات الاعدام بنفسه .
وبعد وفاة الأسد الأب سار ابنه بشار على نفس المنهج فى تقديم الامتيازات للطائفة العلوية وتدعيم العلاقات مع طهران التى تحول الى مجرد تابع لها ، حيث بدأت حركات التشيع التى يقودها عدد من رجال الدين العراقيين والايرانيين فى الانتشار خاصة فى الاوساط الفقيرة بمناطق درعا وشرق سوريا .
وكانت حركات التشييع قد بدأها جميل شقيق حافظ الاسد فى ثمانينيات القرن الماضى عندما أسس جمعية "المرتضى" وهدفها الاساسى تشييع اهل السنة فى سوريا ، رغم أن لفظ " الشيعة "لم يكن معروفا فى سوريا مع وجود بعض الاسر الشيعية التى سكنت حى الامين فى دمشق ومنها أسرة اللحام والنودى وكريم والمرتضى وهى عائلات كانت الدولة العثمانية قد جمعتها حيث تلقوا تعليمهم فى مدرسة المحسنية ، كما توجد بعض القرى القريبة من حمص وحماه يطلق على اهلها من الشيعة لقب "المتاولة" .
الا ان امتداد النفوذ الايرانى فى سوريا ساهم فى بناء ما يعرف بمقام "السيدة زينب" فى تلك القرية السنية والتى سكنها العراقيون الذين جردهم صدام من الجنسية وطردهم قبيل الحرب مع ايران ، حتى أن التليفزيون السورى شهد سابقة غير معهودة عندما ظهر معمم شيعى يدعى عبد الحميد المهاجر ليقدم برنامج " حديث الجمعة" الذى كان يكرسه للحديث عن فضائل أهل البيت على نمط البرامج الدينية الشيعية وذلك لاستقطاب اهل السنة بطريقة عاطفية .
وقد استوعبت دمشق كل فصائل المعارضة العراقية التى فرت بعد الحرب العراقية الايرانية وخاصة عناصر حزب الدعوة الذين عادوا فيما بعد كحكام للعراق وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالى نورى المالكى ، وهو ما يفسر وقوف العراق إلى جانب النظام السورى الحالى على كافة الصعد .
ورغم أن كثير من المراقبين يعتبرون هذا بمثابة رد للجميل ، إلا أن إرتباط الحكومة العراقية الحالية بإيران قد يفسر جزءا من الدعم العسكرى والسياسى والإقتصادى العراقى للنظام السورى ، ناهيك عن التقارير التى تشير إلى وجود عناصر من الميليشيات الشيعية العراقية تقاتل جنبا إلى جنب مع عناصر الحرس الثورى الايرانى لدعم قوات الأسد .
ومن المفارقات التى شهدتها سوريا بعد وفاة الأسد الأب ، محاولة بشار النأى بنفسه ظاهريا عن الانتماء للمذهب الشيعى حيث قام بإصدار اوامره الى أحد شيوخ السنة بالصلاة على والده فى مسجد " ناعسه" الذى بناه حافظ واطلق عليه اسم والدته فى مسقط رأسه بالقرداحة التى لم يكن بها أى مسجد قبل ذلك ، حيث تمت الصلاة عليه باربعة تكبيرات خلافا للطريقة الشيعية والتى تشمل سبع تكبيرات .
كما تزوج بشار من عائلة سنية هى عائلة فواز الاخرس وهو ما أدى الى شيوع الاعتقاد بان بشار متأثر بالسنة وانه أحد تلاميذ الشيخ محمد سعيد البوطى ، إلا أن الواقع يؤكد ازدياد حملات التشييع ، حيث ظهرت الحسينيات " المساجد الشيعية" لاول مرة فى منطقة " مطله" بمحافظة دير الزور وفى منطقة درعا جنوبى البلاد واصبحت الكتب الايرانية تملا الاسواق فيما تم منع الكتب السعودية .
وحتى يكتمل التحالف الاستراتيجى تم تمكين ايران اقتصاديا ، حيث منحت الشركات الايرانية فى عهد بشار مشاريع استراتيجية فى مجالات النقل والكهرباء بالاضافة الى تصنيع السيارات التى تعرف باسم "شام " وتنفذها شركة "خودرو" .
وكانت كل المخططات تتجه الى تشييع أكبر عدد من السنة السوريين وتغليف هذا المشروع بلافتة شريفة هى " المقاومة والممانعة" وذلك بقوة ثلاثية هى ايران وسوريا وحزب الله خاصة بعد الاحتلال الامريكى للعراق وهو حلف طائفى بالاساس .
ولعل نجاح ايران حتى الآن فى تفعيل البعد الطائفى يتنافى مع كل معطيات التاريخ السورى وهو ما يرجح فرضية نظام بشار الأسد ونهاية المشروع الطائفى برمته فى تلك المنطقة المشتعلة من العالم .
فسوريا تعد البلد الثانى بعد الهند فى عدد الطوائف الدينية حيث تضم 20 طائفة ، إلا أن المجتمع السورى لم يعان من الطائفية على الإطلاق باستثناء أحداث عام 1856 ،حيث نشأ نزاع بين أكراد دمشق وهم من السنة والمسيحيين وتصدى لحله الأمير عبد القادر الجزائرى عندما كان منفيا فى دمشق خلال الفترة من 1820 - 1861 حيث عد نفسه حاميا للمسيحيين فى حين كانت هذه المرحلة بداية شرارة الحرب الأهلية فى جبل لبنان .
وبعد ظهور سوريا الحديثة تحت حكم الملك فيصل لم يحدث نزاع قط بين طوائفها بل كانت سوريا عامل جذب للاقليات التى وفدت اليها فى مراحل تاريخية مختلفة مثل الأرمن والشركس والاكراد والمسيحيون بطوائفهم " الكلدان - الآشوريين- الأرمن " وغيرهم
وعندما احتل الجنرال هنرى جورو دمشق بعد انذاره الشهير للملك فيصل عام 1920 والذى تضمن حل الجيش العربى والغاء التجنيد الالزامى واستبدال العملة الذهبية بالعملة الفرنسية الورقية وتسليم خط حديد رياق - حلب ، وافق الملك فيصل ورفض وزير حربيته يوسف العظمه وهو من أصول تركمانية ، حيث جمع 3000 مقاتل إلا أن القوات الفرنسية تمكنت من دخول دمشق بعد هزيمتهم فى موقعة ميسلون على جثث الشهداء وبعد ذلك قاموا بتقسيم سوريا إلى خمس دويلات هى العلوية فى الساحل والدروز فى جبل العرب وحلب وتضم المنطقتين الشمالية والشرقية بالاضافة إلى دمشق وهو تقسيم تم على اساس طائفى مما ادى الى اشتعال الثورة السورية عام 1925 وتسلم سلطان باشا الأطرش وهو شيخ الدروز الراية واطلق عليها الثورة السورية الكبرى وشاركت فيها كل الطوائف حتى اضطرت فرنسا للتراجع عن قرار التقسيم .
وفى تلك الاثناء اجتمع عدد من شيوخ العلويين فى القرداحة مسقط راس الرئيس الراحل حافظ الاسد وتقدموا بمذكرة إلى السلطات الفرنسية تطالبها بعدم الحاقهم بالدولة السورية لانهم لا يستطيعون العيش مع المسلمين ،وأنه يجب النظر اليهم كما نظر الغرب بعين العطف الى اليهود ومن بينهم سليمان الاسد والد حافظ وهذا الامر ذكره صراحة منذ ايام وزير الخارجية الفرنسى لوران فابيوس ردا على المندوب السورى بالامم المتحدة بشار الجعفرى نهاية أغسطس الماضى فى جلسة لمجلس الأمن من خلال عرضه لوثيقة تاريخية تحتفظ بها فرنسا تؤرخ لهذا الحدث .
ولعل اكبر دليل على التعايش السلمى بين طوائف سوريا المختلفة هو محافظة الحسكة التى تقع أقصى الشمال الشرقى ومساحتها 10 الاف كيلومتر يحدها شمالا تركيا وشرقا محافظة نينوى العراقية حيث تضم أكبر نسبة من الأكراد وفيها العرب وكل الطوائف المسيحية بالاضافة الى الأيزيديين والشيشان وغيرهم من الأعراق والطوائف .
واستمر التعايش بين كل تلك الطوائف حتى نشب خلاف افتعله النظام عام 2004 فى بلدة القامشلى بين العرب والاكراد خلال مباراة كرة قدم بين فريقى الفتوة من دير الزور وهم عرب سنة والجهاد من القامشلى حيث قامت قوات النظام بقتل عدد من شباب الاكراد وسلحت القبائل العربية بهدف اثارة النزعات الطائفية والقومية .
بينما حافظ النظام السورى على عدم منح الجنسية للاكراد منذ تولى حزب البعث الحكم عام 1963 باعتبارهم أجانب ولم يكتف بذلك وانما قام بنقل عرب منطقة " الطبقة" حيث بنى سد الفرات مما ادى الى غمر أراضيهم بالمياه وقام بتوطينهم فى أراضى مملوكة للاكراد لتغيير الطبيعة الديموغرافية وانشاء ما أسماه الحزام العربى الذى وضع أسسه محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية في الحسكة ورغم كل تلك الاجراءات لم يحدث صدام بين العرب والاكراد .
وعندما اندلعت الثورة السورية فى 15 مارس 2011 حاول بشار شراء الاكراد بمنحهم الجنسية لكنهم لم يستجيبوا لتلك الاغراءات وانخرطوا فى الثورة .
إلا أن حافظ الأسد أجاد اللعب بورقة الطائفية ، حيث كانت ثمة معوقات تقف حائلا امام وصوله الى كرسى الرئاسة، حيث اشترط الدستور عام 1951 ان يكون الرئيس سنيا بينما ينتمى الاسد كان من الطائفة العلوية .
والعلويون كلمة حديثة أطلقتها فرنسا على الطائفة "النصيرية" وهى احدى الفرق الضالة عند الشيعة وهى مكفرة من السنة والشيعة على حد سواء وهنا المفارقة ، الا أن حافظ استطاع اللعب على المتناقضات حيث شهدت سوريا بعد الاستقلال عددا من الانقلابات بدأها حسنى الزعيم عام 1949 وتلاه سامى الحناوى والشيشيكلى الى أن جاء عهد الوحدة مع مصر عام 1958 حتى مرحلة الانفصال وهو الانقلاب الذى نفذه العقيد الدمشقى عبد الكريم النحلاوى وقام بفصل غالبية الضباط البعثيين ومنهم النقيب حافظ الاسد الا ان انقلاب مارس عام 1963 الذى جاء بالفريق امين الحافظ الى السلطة أدى إلى اعادة الضباط المفصولين وترفيع رتبهم .
وكان حافظ الاسد احد البعثيين من اتباع الجنرال صلاح شديد وبعد ان تمت ترقيته عمل على تمكين العلويين بعد ادخال الكثير منهم الى الجيش حتى قام بانقلاب عام 1966 الذى عرف بانقلاب البعثيين على البعثيين وانتهاء حكم امين الحافظ وجاء بنور الدين الاتاسى الذى عين حافظ وزيرا للدفاع فى حكومة يوسف الزعيم وهو مسلم سنى من دير الزور .
وعندما وقعت هزيمة يونيو 1967 وضياع الجولان أشارت أصابع الاتهام الى وزير الدفاع حافظ الاسد الذى تمكن من الافلات من الملاحقة حتى وقعت احداث ايلول الاسود فى سبتمبر 1970 ضد الفلسطينيين فى الاردن ورفض وزير الدفاع ارسال طائرات لحماية الدبابات السورية التى دخلت الى منطقة المفرق الاردنية لدعم الفلسطينيين وهو ما أدى تدمير تلك القوات السورية.
وجرى على اثرها استدعاء الاسد واستجوابه حول القضيتين الجولان والمفرق الا انه سارع بالانقلاب على السلطة فى 16 نوفمبر عام 1970 وساعده قائد الشرطة العسكرية وجرى اعتقال كل القيادات العسكرية والوزراء فيما عرف بالحركة التصحيحية .
وزج الاسد بشخصية سنية ضعيفة هو احمد الخطيب ليتولى منصب الرئاسة وتلاها اعلان الاذاعة السورية فى فبراير عام 1971 أن الفريق الأسد اشهر اسلامه حيث جرى بعد ذلك تسلمه للسلطة بالكامل .
وعمل حافظ على بناء الدولة السورية وفق نظام يسمح له ولطائفته بالحكم المطلق واستغل فى ذلك حزب البعث كواجهة سياسية ، وصاغ دستورا يؤمن له هذا الامر والغاء العقبة الرئيسية فى توليه الرئاسة وهى ان الرئيس ينتمى الى الطائفة السنية واكتفى الدستور الجديد بذكر ان الرئيس مسلم فقط ثم جاء بالمادة السادسة من الدستور السوفيتى لتكون المادة الثامنة فى الدستور الجديد بعد ابدال كلمة الحزب الشيوعى بحزب البعث .
وتنص تلك المادة على أن حزب البعث هو القائد العام للمجتمع والدولة حيث اعتبر باقى التجمعات التى يراها شرعية ديكورا فى نظام الحكم خاصة القوميين والناصريين وشكل منهم ما أسماه الجبهة التقدمية الا انه ابقاها ضعيفة لا تمتلك حتى مقرات أو صحف .
وفى عام 1974 افتى الامام موسى الصدر مؤسس حركة المستضعفين فى الارض التى عرفت بحركة "أمل" والمجلس الشيعى الاعلى فى لبنان بأن الطائفة النصيرية هى جزء من الاثنى عشرية " المذهب الشيعى الجعفرى" وهى الفتوى التى حققت الكثير من المكاسب لحافظ رغم أن الامام الخومينى كفر تلك الطائفة باعتبار أن الحركات الباطنية ومنها "النصيرية" من اسباب ضعف الاسلام .
واستغل حافظ الأسد الطائفة مع تكريس ثقافة أن السنة استعبدوا الطائفة وامتهنوا كرامتها وذكر ذلك فى خطاب تليفزيونى عام 1977 عندما اتهم أعيان حماه " الاغوات" بانهم يمتهنون الرجال ويذلون النساء العلويين .
وفى عام 1979 اعتبر الاسد الأب أن الاخوان المسلمين فى سوريا هم عدوه الاول وهو عداء موجه ضد السنة بشكل عام حيث تبلغ نسبتهم 84 فى المائة من سكان سوريا وهو ما أدى الى حملهم السلاح وتشكيل ما عرف بالطليعة المقاتلة فى سوريا التى نفذت عمليات الاغتيالات لرموز النظام .
وقد بررت تلك التطورات لحافظ الأسد قتل ألاف السنة فى سجن تدمر العسكرى بعد اصدار قانون الاعدام رقم 1949 لعام 1980الذى نص على اعدام كل من ينتمى الى الاخوان أو يتعاطف معهم أو يحمل أفكارهم .
كما جرى ارتكاب مجازر تدمر عام 1980 وحماه عام 1982 التى راح ضحيتها 40 الف شخص ضمن عمليات الانتقام وتصفية الحسابات مع سنة سوريا لاخضاعهم للعلويين ، وهو ما كرس فى نهاية الأمر لنجاح زرع بذور الطائفية المقيتة التى تكتوى سوريا بنيرانها الآن ، مع تصعيد إيران للنبرة الطائفية .
وفيما تحاول إيران بكل جهد أن تزكى نيران الطائفية وتصبغ أحداث الثورة بصبغة طائفية ، رغم إدعاءها بالقيادة الروحية للربيع العربي حتى بلغت نسائمه سوريا، فانكشف زيف هذه الأبوة التي لم تعد ترى في ذاك "الربيع" سوى "مؤامرة" ينبغي إحباطها.
وعلى الرغم من فشل نظام بشار حتى الآن في سحق معارضيه، إلا أن ما يريح ايران هو أنه لا يزال قائما ومصمما على القتل والتدمير، وهو ما يعني أنه قادر على البقاء والنهوض لمواصلة الوظيفة التي حددتها له.
ويبقى التزام النظام الإيراني بدعم بشار الأسد لا يتزعزع أبدا، بإعتباره أن الإبقاء على النفوذ الإيراني في سوريا، المجاورة لإسرائيل، أمر أساسي لطهران بإعتبار أن سوريا واجهة متقدمة للتعامل مع إسرائيل وهو مصلحة قومية وأمنية عليا لطهران، خصوصا مع تردد الحديث مؤخرا عن احتمال توجيه ضربة إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية
كما أن سقوط نظام الأسد قد يضعف ذراع إيران في المنطقة، ويعجل من توجيه ضربة لها، ولهذا السبب المغلف بغطاء طائفى سوف تفعل الجمهورية الإسلامية ما بوسعها للحيلولة دون ذلك، حتى لو اضطرت لشن حرب أو افتعال أزمة دولية ، لاستباق أي استهداف مباشر لها، إلا اذا كانت تعتبر أن هذا الاستهداف حاصل فعلا، من البوابة السورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.