المشكلة في الخطاب الطائفي والمذهبي اليوم أنه ينتشر بشكل كبير وسريع ولا يجد من يوقفه، بل على العكس يجد من يساعد على انتشاره بين فئات أكبر من المجتمع، والخطير في المسألة الطائفية والمذهبية أن هذا الحديث بدأ ينتشر بين الأجيال الصغيرة من الشباب والفتيات وطلاب المدارس، ما يعني أننا أمام أجيال قد تتورط ليس في خطاب طائفي بل في صراعات طائفية ومواجهات مذهبية، هم في غنى عنها وهم أبناء الدين الواحد والوطن الواحد. فليكن كل إنسان حراً في اختيار طائفته ومذهبه وأفكاره ومعتقداته الدينية، ولكن يجب عليه ألا يحارب بها الآخرين أو يروج لها بين الآخرين أو يطعن في مذاهب ومعتقدات الآخرين، وإذا كان اتباع المذاهب والطوائف لا يريدون ولا يستطيعون أن يحبوا بعضهم بعضاً، فهذه ليست مشكلة فليس مطلوباً منهم أن يحب بعضهم بعضاً ولكن المهم جداً ألا يكره بعضهم بعضاً. الخلافات المذهبية والطائفية كانت موجودة على مر التاريخ الإسلامي، ولكن كان دائماً هناك عقلاء من الحكام والعلماء يستطيعون أن يحاصروا تلك الخلافات ولا يشغلوا بها الشعوب حتى تعيش بسلام،، أما اليوم فهناك من يتعمد إثارة هذه الخلافات والترويج لها، لقد استخدم السياسيون الحديث الطائفي والمذهبي للحصول على بعض المكاسب السياسية ونجح بعضهم في بعض الدول، والمقلق أن هذا الحديث انتقل إلى بعض المثقفين والإعلاميين والكتاب وبين من يفترض أنهم نخبة المجتمع، فأصبح كالسرطان المتوحش الذي لا يترك جزءاً في جسم الإنسان إلا وأصابه. من المهم أن يتم غرس الوطنية والتسامح والأخوة الإنسانية بين الشعوب، يجب ألا يكون هناك مكان للطائفية والمذهبية، فحديث الطائفية يجب أن تغلق عليه القلوب وتتوقف عنه الألسن "فلكم دينكم ولي دين" لا يحاسب أحد الآخر على طائفته ومذهبه وعشيرته وإنما على عمله.. فلن يستطيع طرف أن يغير الطرف الآخر ويحوله عن عقيدته من خلال الهجوم والسباب عبر الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها. الطائفيون والمذهبيون يتخندقون وراء الدين يبحثون عن نقاط الخلاف والاختلاف فيضخمونها ويصورونها وكأنها مسائل جوهرية.. والسؤال المهم من هو الرابح ومن الخاسر في لعبة المذهبية والطائفية؟ الخاسر هما طرفا الصراع المذهبي والطائفي،، أما الرابح فهم أعداؤهما الذين يتربصون بهما وينتظرون خسارتهما. أصبح العرب يختلفون بشكل أوضح في السنوات الأخيرة على التفاصيل الدينية.. فلماذا لا يختلف العرب في المسائل العلمية ولا يختلفون في الفكر أو يختلفون حتى في السياسة؟ لماذا نحن هم المختلفون طائفياً ومذهبياً؟! لو اختلفنا في أمور الحياة الأخرى، ولو أعطيناها الوقت والاهتمام اللذين نوليهما للخلافات المذهبية والطائفية لتقدمنا وتطورنا وصرنا غير ما نحن عليه الآن من صراع وتناحر على "وهم" وكذبة صدقناها! نحن بحاجة إلى عمل منظم ضد الطائفية، ونحن بحاجة إلى خطوات عملية في هذا الإطار لأن استمرار انتشار الطائفية والمذهبية يعني خسارتنا على المدى البعيد... فالانشغال بالحديث الطائفي والمذهبي يعني الصراع المستمر، يعني الانشغال عن التنمية والبناء والانشغال بالجدال والصراع، يعني ترك الأصول والتركز على القشور، ويعني إعطاء الأعداء فرصة للاستفادة من حالة الصراع الذي تعيش فيه الأمة لإضعافها أكثر والقضاء عليها. دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مكة منذ يومين لنبذ الخلافات واقتراحه إنشاء مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية خطوة جيدة، وفي هذه المرحلة التي أصبحت فيها الطائفية والمذهبية واقعاً تعيشه الدول العربية بشكل يومي، من المهم العمل على إصدار قانون واضح وصريح وقوي وصارم يجرم إثارة الطائفية والمذهبية، ويجرم من يميز بين أبناء الشعب الواحد على أساس المذهب أو الطائفة أو الدين أو العشيرة.. ويجرم من يمارس أي شكل من أشكال العنصرية ضد الآخر أو ينشر الكراهية في المجتمع. في الدول الغربية يستشعرون مدى خطورة انتشار العنصرية والتمييز العرقي أو الديني أو مشاعر الكراهية ضد الآخر أو أي شكل من أشكال التمييز ولذا فإن هناك قوانين صارمة ضد من يمارس هذه الأمور، ففي بريطانيا فقدت وزيرة وظيفتها بسبب تهكمها على الجالية الباكستانية أثناء تناولها الغداء مع مجموعة من أصدقائها، فلم يستغرق الوقت إلا ساعات قليلة حتى تم طردها من عملها،، فبالإضافة إلى الحسابات السياسية فهناك يدركون أن التلاعب بالنسيج الاجتماعي خط أحمر. لماذا لا يوجد إلى اليوم قانون يجرم من يثير الطائفية ومن يستخدمونها لإثارة الفتن والتفريق بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد؟ رأى ويرى الجميع ماذا فعلت الطائفية بلبنان، وماذا فعلت المذهبية بالعراق.. وماذا تفعل هذه الأمور الآن في بعض الدول العربية التي لم تكن تعرف هذا الخطاب من قبل. ممارسة الطائفية والعنصرية والمذهبية تصرف سمج يمارسه البعض وتحتاج إلى قوانين صارمة لمنعها.. وإذا كانت قوانين العقوبات تشمل نصوصاً واضحة وعقوبات ضد من يقوم بالسب أو القذف أو التشهير فهل يعقل أن يبقى المتلاعبون بالطائفية والمذهبية ومن يمارسون العنصرية في منأى عن أي عقوبة وطليقين يزعزعون أركان المجتمع من أصوله وجذوره دون أن يواجهوا أي عقاب يردعهم؟ كم هو عدد أو نسبة الذين يرون أن هناك خطراً في المذاهب الأخرى والطوائف الأخرى؟ بلاشك أن أغلب المسلمين من جميع الطوائف ليست لديهم مشكلة مع الآخرين من بني دينهم فضلًا عن أتباع الأديان الأخرى، فلماذا تكون أصوات دعاة الفتنة هي الأعلى ولماذا لا يتم وضع حد لتماديهم في التفريق بين الناس؟! ولماذا لا يتم اتخاذ قرارات عملية ضد الفضائيات والمواقع الإلكترونية التي تسعى إلى إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية والتي تروج للتمييز العرقي أو العنصري أو العشائري، فهذه أمراض خطيرة لو استشرت في المجتمع أصبح من الصعب إزالتها. على قادة العالم الإسلامي أن يتوصلوا إلى اتفاق رسمي حقيقي وقوي يمنعون من خلاله التلاعب على أوتار المذهبية والطائفية، بل ويعاقبون كل من يقوم بهذه التصرفات فهم الأقدر على ذلك.. كما أن على علماء المسلمين أن يكون لهم دور في إيقاف هذه الفتنة التي تمر بها الأمة من خلال حث الناس على الابتعاد عن التمذهب، والتمسك بالدين وأصله والابتعاد عن فروعه وخلافاته.. فصمت العلماء في هذا الوقت لم يعد مقبولاً. نقلا عن صحيفة الاتحاد