شهدت مصر 9 دورات إنتخابية للبرلمان بعد عودة التعددية الحزبية سنة 1976 ابتداء من إنتخابات مجلس الشعب سنة 1976 وانتهاء بإنتخابات مجلس الشعب 2010 وقد اتسمت هذه الإنتخابات بعدة سمات سلبية في مقدمتها تزوير الإنتخابات تزويرا فاضحا ونجاح الحزب الحاكم بأغلبية تتجاوز ثلثي المقاعد، وقبل كل إنتخابات كانت أحزاب المعارضة والقوى المستقلة تطالب بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بما يضمن عدم تزوير هذه الإنتخابات مهددة بعدم الاشتراك في الإنتخابات ما لم يؤخذ باقتراحاتها وقد نفذت الأحزاب هذه التهديدات مرة واحدة في إنتخابات سنة 1990 حيث قاطعت الإنتخابات جميع الأحزاب فيماعدا حزب التجمع ولكن النظام أصر على موقفه من القواعد المنظمة للإنتخابات لأنها هي التي تكفل له الفوز بالأغلبية المطلوبة، وجاءت ثورة 25 يناير تعبيرا عن رفض الشعب المصري هذا النظام السلطوي ومع الاتجاه إلى إجراء إنتخابات برلمانية عقب الثورة أعادت الأحزاب والقوى السياسية طرح مطالبها لضمان نزاهة الإنتخابات وبالفعل جرى تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بما يستجيب لهذه المطالب بحيث لم يعد لوزارة الداخلية الدور الأكبر في إجراء الإنتخابات، ونصت تعديلات القانون على تشكيل لجنة قضائية عليا تشرف على الإنتخابات كما تم الأخذ باقتراحاتها حول إعداد جداول الناخبين تحت إشراف اللجنة العليا من واقع بيانات الرقم القومي، وكذلك إجراء الإنتخابات تحت إشراف قضائي كامل بوجود قاض، لكل صندوق إنتخابي وورد في القانون أيضا حق منظمات المجتمع المدني في متابعة الإنتخابات داخل وخارج اللجان الإنتخابية، وكذلك وسائل الإعلام وأن يتم الفرز في لجنة التصويت وتحرير محضر بالنتيجة تسلم نسخة منه لمندوبي المرشحين وبهذه الضمانات توافرت فرص إجراء إنتخابات نزيهة في مصر سنة 2011. وكان هذا التطور نتيجة مباشرة لثورة 25 يناير وتأثيرها على الأوضاع السياسية وقد تجلى ذلك أيضاً في إنتخابات مجلس النواب التي شهدت المنظمات الدولية والمحلية بنزاهتها وأن الظواهر السلبية المصاحبة للإنتخابات لم تكن داخل لجان الإنتخابات بل كانت خارجها سواء بدفع رشاوى للناخبين أو توجيههم أمام اللجان لتصويتهم لمرشح معين. ومن الواضح وجود رضاء شعبي تام على إجراء الإنتخابات ولم تقدم شكاوى أو بلاغات أثناء عملية التصويت بل كان معظمها يتناول التصرفات غير القانونية خارج هذه اللجان. وهناك تأثيرات أخرى لثورة 25 يناير على الإنتخابات البرلمانية حيث شهدنا لأول مرة ترشح عدد كبير من النساء دخل معظمهن عملية الإعادة بما يبشر بدور كبير للمرأة داخل مجلس النواب وفي نفس الاتجاه نلاحظ أن الأقباط اكتسبوا القدر الكافي من القدرة للمشاركة في أحداث 25 يناير كمواطنين مصريين وتقدموا أيضاً بأعداد كبيرة إلى الترشيح في مجلس النواب. وتشير المعلومات عن نتائج الإنتخابات أن عدداً غير قليل منهم فاز من أول مرحلة ودخل عملية الإعادة عدد لا بأس به منهم. وهكذا فإن ثورة 25 يناير تثبت وتؤكد أنها ثورة حقيقية منحت الفئات الضعيفة فرصاً كبيرة للمشاركة في الحياة السياسية فلم يكن أعداد النساء أو الأقباط في كل حزب قبل الثورة يتجاوز الآحاد وعلى العكس من هذا سوف نشهد مجلس نواب به عدد كبير من النساء والأقباط الذي يعتبر نتاجاً حقيقياً لتأثير الثورة على هذه الفئات ولمشاركتهم في الإنتخابات وفوزهم بعضوية المجلس. وليس من شك أن نزاهة الإنتخابات ودخول المرأة والأقباط بأعداد غير قليلة في عضوية المجلس سوف يكون له تأثيره في الإنتخابات التالية. وعلى الرغم من السلبيات التي صاحبت الإنتخابات مثل النظام الإنتخابي الردئ وسيطرة المال السياسي برشوة الناخبين إلا أنها سلبيات سوف تختفي مع نضج الحياة السياسية وتكوين أحزاب قوية من خلال البرلمان القادم وهو أمر يدعو الأحزاب التي فازت بمقاعد كبيرة نسبياً مثل حزب المصريين الأحرار وحزب مستقبل وطن أن تتحمل مسئوليتها في تأكيد هذه التطورات الإيجابية ومواجهة الآثار السلبية، ورغم أن نتائج الإنتخابات تشير إلى فوز عدد كبير من المستقلين فإن مجلس النواب سوف يشهد تقارباً بين الأعضاء مما يؤكد هذا الاتجاه من خلال الممارسة. هناك أيضاً مسئولية كبرى تتحملها هذه الأحزاب والقوى السياسية وهي القيام بدورها داخل المجلس وفق أولويات يتطلبها الصالح العام والمجتمع وخاصة إنجاز المهمة الكبرى التي تنتظر المجلس متمثلة في إصدار القوانين المكملة للدستور وتفعيله من خلال هذه القوانين بالإضافة إلى أولوية ثانية تتمثل في مراجعة القوانين التي صدرت من رئيس الجمهورية في الفترة السابقة على إنتخابات مجلس النواب وإعادة النظر فيها على ضوء احتياجات المجتمع والصالح العام. وأن تراعي إعادة فتح المجال العام والعمل السياسي أمام المواطنين بما يدعو الشباب إلى استئناف نشاطهم السياسي وعضوية الأحزاب باعتبار أن للشباب طاقة كبرى يضعها في خدمة المجتمع. كما يتحمل المجلس مسئولية كبرى في طرح قضية العدالة الاجتماعية ومواجهة الفقر والبطالة. إن قدرة مجلس النواب على أداء هذه المهام يتطلب حسن استخدام الأدوات البرلمانية: السؤال وطلبات الإحاطة والاستجوابات بما يعزز قدرة المجلس على الرقابة على السلطة التنفيذية وتصويب أدائها. هكذا يكون المجلس وفياً لاحتياجات الأمة وما طرحته ثورة يناير من مطالب. نقلا عن جريدة الأهرام