كشف كتاب للمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية جورج تينيت ان البيت الابيض والبنتاجون ونائب الرئيس ديك تشيني بصفة خاصة كانوا مصممين على مهاجمة العراق منذ اليوم الاول لإدارة الرئيس الاميركي بوش قبل فترة طويلة من هجمات 11 سبتمبر الارهابية واستغلوا المعلومات الاستخبارية المتوفرة لحشد الدعم للحرب. وبالرغم من ان تينيت لم يشكك في تهديدات صدام حسين او مدى صدق قناعات الادارة إلا انه وضع في الاعتبار جهود العديد من مساعدي تشيني ووزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد لإدخال معلومات غير مفيدة في التبرير العلني للحرب. كما وصف تينيت ايضا المخاوف داخل قطاع الاستخبارات من رغبة الادارة في تقديم «تفسيرات غير صادقة لمعلومات الاستخبارات». وأوضح تينيت في كتابه الجديد «في قلب العاصفة» الذي سيصدر غدا «لم يجر نقاش جاد في الادارة حول مدى اقتراب التهديدات العراقية. ولم يكن النقاش حول اقتراب التهديدات بل حول التصرف قبل ان يتصرف صدام». ووصف محامي البيت الأبيض دان بارتليت تينيت بأنه شخصية «وطنية»، ولكنه اختلف معه في نتائجه وقال «تصارع الرئيس مع هذه التساؤلات الجادة للغاية». وفي رده على المقتطفات التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» اوضح انه ربما لم يكن تينيت على علم بالمناقشات. وقال بارتليت في برنامج تلفزيوني، ان الرئيس «درس كل العواقب المختلفة قبل ان يتخذ قراره». وكان تينيت قد أوضح في كتابه ان تقرير التهديدات الذي قدم الى ادارة بوش الجديدة في اواخر 2000، لم يذكر العراق. ولكن تشيني كما أوضح طلب تقييما للموقف في العراق وطالب من وزير دفاع إدارة كلينتون وليام كوهين تقديم معلومات عن العراق لبوش. وقال تينيت إن خطابا ألقاه تشيني في أغسطس 2002 «تجاوز ما يمكن ان يؤيده محللونا». وقد اتهم تشيني في الخطاب صدام حسين بإعادة تنشيط برنامجه النووي وانه سيحصل على «أسلحة نووية قريبا ربما خلال عام». وقال تينيت الذي فوجئ بالتعليقات التي لم تقرها وكالة الاستخبارات المركزية انه فكر في مواجهة نائب الرئيس حول هذا الموضوع لكنه لم يفعل ذلك. وتضيف معلومات جديدة حول أصول التهديدات الارهابية الحالية والطرق التي تعاملت بها ادارتا كلينتون وبوش مع القضية الى المعلومات المتزايدة بخصوص حقبة التسعينات المضطربة والسنوات الاولي من القرن الجديد. وبالنسبة للمستقبل يصف تينيت مخاوفه «من التهديد النووي». وهو على قناعة، كما كتب من ان ذلك «هو ما يحاول أسامة بن لادن ونشطاؤه القيام به. ويفهمون ان التفجيرات عن طريق السيارات والقطارات والطائرات ستقدم لهم بعض الدعاية. وقال تينيت إن بوش أقنعه بعدم الاستقالة في مايو (أيار) 2003، ولكنه قرر أن الوقت قد حان بعد 9 أشهر عندما نقل كتابا أصدره صحافي «واشنطن بوست» بوب وودوارد انه قال للرئيس في ديسمبر 2002 ان وجهة نظر الاستخبارات ضد العراق هي «حركة درامية»؛ وهي عبارة قال انها خرجت عن مضمونها واستخدمتها الادارة لتحميله مسؤولية خطر تقارير الاستخبارات عن العراق. ويلوم تينيت نفسه ضمن أشياء أخرى حول التقييم الاستخباري الوطني الصادر في اكتوبر 2002 الذي توصل لقناعة ان العراق يملك أسلحة كيماوية وبيولوجية وهو التقرير الذي صدر عشية تصويت الكونجرس لإقرار الحرب. وقال انه كان يجب «إصدار مثل هذا التقرير في فترة مبكرة. ولم اعتقد ان ذلك ضروريا، وكنت مخطأ». واعترف ان الوثيقة «لم تكن حذرة في احكامها الرئيسية» وانها في بعض المجالات كانت تعتمد على مصدر واحد تبين فيما بعد انه على خطأ.ويقول تينيت إن من اللحظات الحرجة خلال فترة عمله التي استمرت سبع سنوات عندما قال له عضو خلال جلسة استماع في الكونجرس ربيع عام 2004 انهم «اعتمدوا عليه لكنه خذلهم». وتناول تينيت فترة عمله في وكالة الاستخبارات المركزية اذ تشمل توضيحات واتهامات ودفاع واعتذار من حين لآخر. وأورد تينيت أيضا انه عندما أصبح مديرا مكلفا للوكالة في ديسمبر (كانون الاول) 1996 وجدها «في حالة يرثى لها»، ميزانيتها منخفضة وتعاني من مشاكل في التعيين ومعنويات العاملين فيها متدنية فضلا عن تدهور عمليات التحليل والعمليات السرية مع عدم وجود خطة طويلة الأمد تتسم بالانسجام والتوازن. ويقول ايضا ان هذه هل المجالات التي ركز عليها اهتمامه منذ اول يوم له في الوكالة. غالبية النصف الاول من الكتاب عبارة عن تفاصيل لما وصفه تينيت بشأن الجهود التي قام بها ومساعدوه لمواجهة خطر القاعدة ولإقناع البيت الأبيض باتخاذ خطوات جدية في هذا الجانب. وكتب تينيت في وقت لاحق رافضا اتهام الوكالة بالبطء ان «بعض المسؤولين البارزين في الادارة الاميركية قالوا عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 انهم اصيبوا بالدهشة إزاء حجم وطبيعة الهجمات». وكتب معلقا انهم ربما يكونون قد شعروا بالدهشة ولكن ما كان يجب ان يحدث ذلك لأن الوكالة ظلت تحذر من وقوع هذا الخطر كلما سنحت الفرصة. جاء واحد من فصول الكتاب تحت عنوان «فرص ضائعة» إلا ان تينيت نفسه أضاع بضع فرص بنفسه لتسوية حساباته مع ديك تشيني ودونالد رامسفيلد وكبار مستشاريهم ومع مستشارة بوش لشؤون الأمن القومي خلال ولايته الاولى ووزيرة خارجيته الحالية كوندوليزا رايس. وصف تينيت كوندوليزا بأنها شخصية «بعيدة» تعرف جيدا عقل الرئيس بوش لكنها اعتادت البقاء بعيدا عن الخلافات ذات الصلة بسياسات الادارة. وقال تينيت إن مجلس الأمن القومي فشل خلال فترة كوندوليزا رايس في استكشاف الخيارات المناسبة والتوصل الى إجماع. وعن رامسفيلد يقول تينيت انه رفض الاعتراف بتدهور الأوضاع في العراق وآثر سلبا في عدة أحيان على مساعي وكالة الاستخبارات المركزية من خلال التعامل مع المعلومات بنوع من اللامبالاة. إلا ان تعامل تينيت مع بوش الذي قلده «وسام الحرية» بعد ستة شهور من تركه عمله في الوكالة كان مختلفا ومهذبا نسبيا إذ قال انه وآخرون فشلوا في بعض الأحيان في تزويد بوش بالمعلومات التي كان يحتاجها، وأضاف: الرئيس لم يتلق خدمة جيدة، لأن مجلس الأمن القومي اصبح لا يبالي تجاه تطوير استراتجية فاشلة لمرحلة ما بعد الحرب. وكتب تينيت مدافعا عن برنامج اعتراضات المكالمات الهاتفية المثير للجدل. وكان البرنامج الذي كان مقترحا للتنصت على مكالمات أشخاص متهمين في التورط في الارهاب داخل الولاياتالمتحدة قد اقترح من جانب تشيني. وأشار تينيت الى ادعاء لبوش العام الماضي زعم فيه ان أسلوب وكالة الاستخبارات المركزية المتشدد في استجواب معتقلي تنظيم القاعدة «ساعد على إحباط مخططات استهدفت مواقع داخل الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة والشرق الاوسط وجنوب آسيا وآسيا الوسطى»، وأورد ايضا أن وكالة الاستخبارات المركزية استخدمت اكثر الأساليب «عدوانية» من دون ان يدلي بتفاصيل مع عدد محدود من الارهابيين وقال ان الاستجواب جرت مراقبته بعناية في كل الاوقات للتأكد من سلامة المعتقلين. وتحدث تينيت ايضا عن ادعاء «خاو» ورد في كتاب العام الماضي للصحافي رون ساسكيند قال فيه ان الوكالة غالت في قيمة المعلومات التي جمعت من قيادي تنظيم القاعدة ابو زبيدة الذي وصفه ساسكيند بأنه «غير متوازن عقليا». وأورد تينيت أن أبو زبيدة كان شخصية رئيسية في الكثير من عمليات شبكة القاعدة، مؤكدا أنه أدلى ب«معلومات غاية في الأهمية». جاء في كتاب تينيت أيضا أن العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001 خالد شيخ محمد قال للمحققين في البداية إنه سيتحدث فقط في حال وجود محام له في الولاياتالمتحدة. وأضاف قائلا في نفس السياق إن ذلك إذا حدث ربما لم يتمكن المحققون من الحصول على المعلومات التي حصلوا عليها منه. وجاء في الكتاب ايضا ان شبكة القاعدة استجابت لتركيز الاستخبارات الاميركية على الشباب العرب بتجنيد عناصر من خلفيات غير عربية. وأضاف أن أي هجمات رئيسية مقبلة ضد الولاياتالمتحدة ربما تنفذها عناصر ذات ملامح آسيوية أو أفريقية.