هناك عوامل عديدة تفرض علينا أن نتريث في الجزم بمن ستكون له الغلبة في انتخابات الرئاسة المصرية التي لم يبق على انطلاقها سوى خمسة أيام، ولكن يمكن هنا أن نحلل السياق العام الذي يحيط بالمرشحين الخمسة الذين تدل استطلاعات الرأي على أنهم الأوفر حظاً حتى هذه اللحظة، بحيث نتبين نقاط القوة والضعف عند كل منهما، ومدى رسوخه على الأرض، وذلك على النحو التالي: 1 عبدالمنعم أبوالفتوح: بدأ السباق قويّاً، وقدم نفسه للرأي العام على أنه المرشح الذي يحظى بتوافق وطني عميق وعريض، فمعه الإسلامي واليساري والليبرالي وأتباع التيار الرئيسي. وبدا هو المرشح الأقرب إلى مذاق الطبقة الوسطى، والذي سيحصل على أصوات المسيحيين إلى جانب المسلمين. وهذه الصورة أفادته كثيراً، لاسيما أنها جاءت في ركاب تأكيده المستمر على أنه سيحسم الانتخابات من الجولة الأولى، وهذه مسألة مهمة في جذب المترددين إليه، وأولئك الذين يحلو لهم أن يمنحوا أصواتهم لمن يشعرون بأنه الرابح. ولكن هذه الصورة لم تبق على حال في ظل مخاوف استقرت في قلوب التيار المدني من تحالف أبو الفتوح مع قطاع من التيار السلفي، وظهور بعض تضارب في تصريحاته ومواقفه، وشن منافسيه حملة شعواء ضده، سواء في أجهزة الإعلام أم على مستوى القواعد الانتخابية. 2 حمدين صباحي: بدأ السباق متأخراً في الحظوظ على رغم أنه انطلق مبكراً جداً حين طرح نفسه مرشحاً قبل ثورة يناير. وأثرت الإمكانيات المادية البسيطة لحملته كثيراً على ذيوع صيته وانتشار اسمه لدى الطبقات العريضة. ويراهن صباحي على الفقراء، ولكن بعضهم لا يشاركون أصلاً في الانتخابات، ومن يشارك يذهب مأخوذاً بنفوذ التيار الإسلامي، الذي يسخر جزءاً كبيراً من جهود النفع العام لحصد الأصوات في الانتخابات. وقد انتبه صباحي في الأسابيع الأخيرة إلى هذا فبدأ يخاطب الطبقة الوسطى، ويطمئن أصحاب الأعمال المتخوفين من توجهاته الاشتراكية، ويستفيد مما يخسره منافسوه، ويعزز وضعه بانتظام، مستفيداً من تناغم تصريحاته ومواقفه ودغدغته لمشاعر الوطنية والكرامة والعدالة الاجتماعية. 3 محمد مرسي: دخل السباق متأخراً جداً وبديلاً للمرشح الرئيسي المهندس خيرت الشاطر. وهذه الصورة أثرت عليه سلبيّاً لدى جمهور الطبقة الوسطى ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت. ولكن من يقللون من فرصه لا يعرفون شيئاً عن الماكينة الاجتماعية ل"الإخوان"، ولا يدركون أنهم "كائنات انتخابية" بالسليقة، وهم يعتمدون على "الشكل الأفقي" للانتخابات الذي يقوم على علاقات الوجه للوجه بين أعضائهم المنتظمين وبين المقربين منهم، أو أولئك الذي يبنون معهم علاقات اجتماعية عميقة على مدار سنين ويستثمرونها لحظة الانتخابات بذكاء. ولذا فإن مقتضيات الموضوعية العلمية تفرض عدم استبعاد مرسي من دائرة المنافسة أبداً، مع تشرذم التصويت، وغياب التنظيم القوي لدى منافسيه، فضلاً عن القدرات المالية العالية ل"الإخوان"، التي تسخر لمصلحة مرشحهم وبإفراط شديد، سواء بالدعاية أو بالخدمات التي تقدم للبسطاء، والتي جربوها وآتت أكلها في الانتخابات البرلمانية. 4 عمرو موسى: يغازل جماهير النجوع والدساكر والحارات والعطوف والشوارع الخلفية التي يعشش اسمه بينها منذ عشرين سنة، حين كان يبدو في نظرهم الرجل المدافع عن كرامة مصر ومصالحها، وخلعوا عليه وقتها صورة جزئية ل"البطل القومي" لاسيما بعد الأغنية الشهيرة التي غناها له المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم، والتي غذتها قدرات موسى على مخاطبة العوام بلغة بسيطة وبراعته في ملاعبة الكاميرا وعيون متابعيه، مستفيداً من قدرته كدبلوماسي في المحاججة وتوجيه الضربات السريعة الخاطفة لمنافسيه. كما يغازل موسى المنادين بالاستقرار وبعض أتباع الزبائنية السياسية التي كانت ملتفة حول مبارك، وجزءاً من المسيحيين وكل من ينظرون إليه باعتباره كان على مسافة نسبية من النظام الذي تطالب الثورة بإسقاطه، ولا يتطابق وضعه مع وضع أحمد شفيق، وباعتباره أيضاً "رجل دولة" بوسعه أن يدير الأزمة الراهنة. ويستفيد موسى في كل الأحوال من غموض المعلومات حول قدراته الحقيقية ومدى إيمانه بالعمل المؤسسي وطبيعة علاقاته الخارجية، ويعرف جيداً أن الانتخابات لا تؤدي بالضرورة إلى نجاح الأصلح والأنسب، وعلى هذه القاعدة يلعب طيلة الوقت ويعزز حضوره. 5 أحمد شفيق: ينافس موسى على قطاع من جمهوره، مستفيداً من حضور اسمه بقوة لدى الرأي العام إثر توليه رئاسة الوزارة في فترة كانت كل الأسماع والأبصار والأفهام مشدودة بقوة إلى متابعة مجريات السياسية وحفظ وجوه وأسماء الشخصيات الضالعة في صناعتها. ويقف إلى جانبه فلول النظام السابق، ويعتبرونه مرشحهم المفضل، ويستفيد أيضاً من كونه "جنرالاً" في جذب أصوات عائلات ضباط الجيش، ويحيط نفسه بالزبائنية السياسية التي رباها مبارك، وبشكل أعمق وأوسع مما يفعله عمرو موسى. ولذا فإن أغلبية رجال الأعمال ووجهاء الريف وكبار الملاك وكبار العسكر ورجال الأمن والمثقفين والإعلاميين التابعين لنظام مبارك، يلتفون حوله. وقد لعب شفيق أيضاً بورقة أخرى، تمثلت في مخاطبة المتصوفة مقدماً نفسه لهم باعتباره واحداً منهم، نظراً لانتمائه ل"الأشراف"، وهو يستفيد، شأنه شأن موسى وصباحي، من أصوات الخائفين من تصاعد النفوذ السياسي ل"الإخوان" والسلفيين. كما يحاول شفيق أن يحول الضربات التي توجه إليه باعتباره، يستحق العزل السياسي أو متهماً بارتكاب جرائم، إلى نقاط قوة من خلال السخرية من خصومه، وتقديم نفسه للناس باعتباره الرجل القادر على استعادة الأمن في زمن قياسي. ولكن ما يجب أن أشير إليه في النهاية هو أن هذا السياق قابل للتبدل الجزئي أو الكلي في ظل بقاء ما يربو على أربعين في المئة من الناخبين دون أن يحددوا لمن ستذهب أصواتهم حتى هذه اللحظة، وهؤلاء يمكن أن يحسموا الأمر لصالح هذا أو ذاك، بالطبع ليس من الجولة الأولى نظراً لتشرذم الأصوات، وإنما على الأرجح في الجولة الثانية التي ستجرى في يونيو المقبل. نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية