لقد دأبت دولة الإمارات العربية المتحدة، وبقية شقيقاتها في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على عدم إيصال الأمور مع الجانب الإيراني لدرجة التوتر، بل تعودت الدول الخليجية دائماً على الدعوة إلى الحوار المباشر أو اللجوء إلى التحكيم الدولي لحل النزاع حول الجزر الإماراتيةالمحتلة، وذلك بالطرق والأساليب السلمية، سواء أكانت التفاوض المباشر أو تحكيم القضاء الدولي. لكن الجانب الإيراني - وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً مضت حتى الآن على احتلال الجزر- يرفض مجمل الدعوات السلمية، وكل أحاديث الجيران (المتمسكين بعروة الإسلام الوثقى) حول هذه القضية، بل دائماً ما يقابل تلك المواقف السلمية بما "يعرّض أمن المنطقة للخطر"، وهو القيام بمناورات استفزازية حول الجزر وبالقرب من مضيق هرمز (الممر المائي الدولي) الذي يعبر منه حوالي 40 في المئة من نفط العالم إلى الأسواق الدولية، ناهيك عن إطلاق الصواريخ الإيرانية متعددة المديات، وذلك من وقت لآخر، في استعراض واضح لعضلات القوة. وآخر هذه الاستفزازات قيام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، يوم الحادي عشر من شهر أبريل الماضي، بزيارة استفزازية إلى جزيرة أبوموسى الإماراتية، ولكأنه يتجول بين طهران ومشهد أو أصفهان! نحن لا نعلم على وجه التحديد ماذا تعني إيران ب"تعريض أمن المنطقة للخطر"، ومن الذي يقوم بذلك "التعريض" على وجه التحديد؟! إن النفط سلعة دولية لا بد من حمايتها بكل الطرق، كما أن الدول الخليجية سبق أن أعلنت منذ عام 1981 أن "أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسؤولية شعوبها ودولها". وإلى ذلك، فإنه من حق هذه الدول الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها. فكيف تريد إيران أن "تتسلط" على المنطقة، وهي أقوى من دول المنطقة عسكرياً وبشرياً. كان من حق دولة الإمارات العربية المتحدة أن تدين تلك الزيارة الاستفزازية من جانب الرئيس الإيراني لمنطقة محتلة لم يقع حل الخلاف حولها. ومع ذلك، فإن تلك الزيارة قد كشفت "زيف الادعاءات الإيرانية" حول إقامة علاقات جيدة مع الإمارات ودول الجوار العربية! والمثير للاستغراب كونها أتت في وقت اتفقت فيه الدولتان على بذل الجهود المشتركة لحل الخلاف حول الجزر الثلاث، وبما يعزز الاستقرار في المنطقة. ولئن كانت لإيران خلافات مع الغرب أو الولاياتالمتحدة منه على وجه الخصوص حول ملفها النووي، فلا يجوز لها أن تلعب بالنار وتهدد بحرق المنطقة! لأن المنطقة تعيش فيها شعوب لها الحق في الحياة، كما أن للشعب الإيراني الحق في الحياة، إن كانت إيران معنية حقاً بالمحافظة على حياته. ومعلوم أن إيران قامت باحتلال جزر الإمارات الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) في ديسمبر 1971 بعد أن أعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب من المنطقة، وقبل يوم واحد من إعلان قيام اتحاد الإمارات العربية المتحدة. وتكشف الأوراق الرسمية للحكومة البريطانية، لا سيما الوزارة المسؤولة عن إدارة شؤون الخليج، أن ملكية الجزيرتين (طنب الكبرى وطنب الصغرى) تعود لرأس الخيمة منذ انفصالها كإمارة مستقلة عن الشارقة في عام 1921. وقد جاء في الوثيقة المذكورة، والصادرة بتاريخ 24 أغسطس سنة 1928، أن جزيرة أبوموسى انتقلت ملكيتها إلى إمارة الشارقة، وأن ملكية جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى انتقلت إلى إمارة رأس الخيمة. وجاء في مذكرة صادرة بتاريخ 11 نوفمبر 1930 ردٌّ على اقتراح فارسي باستئجار جزيرة "الطنب"، وخلاصة هذا الرد أنه "ليس باستطاعة حكومة صاحبة الجلالة ( ملكة بريطانيا) أن تعطيهم الجزيرة لأنها ليست ملكاً لها، وأن الشيخ سلطان بن سالم القاسمي -الذي يملك الجزيرة- يرفض التخلي عنها". ولقد كان لبريطانيا دور مؤثر في احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث، حيث لم تتخذ القوات البريطانية أي إجراء عندما أقدمت القوات الإيرانية على احتلال الجزر الثلاث، إذ كان من المقر جلاء القوات البريطانية عن المنطقة في 1 ديسمبر 1971، بينما احتلت إيران الجزر الثلاث في 30 نوفمبر من العام نفسه! وكان من الواجب أن تحول بريطانيا دون احتلال الجزر تنفيذاً لمعاهدة الحماية الموقعة في عام 1820، والسارية وقت حدوث الاحتلال الإيراني! وفي يوم 16 مايو 1921، رفض الوزير البريطاني المفوض في طهران مطالب الحكومة الإيرانية المتعلقة بجزر البحرين وطنب وأبوموسى، وذكّرَ الحكومة الإيرانية بالإجراءات الحازمة التي اتخذتها بريطانيا عام 1904، وقال إن حكومته لا تزال مستعدة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات مرة أخرى. فردت الحكومة الإيرانية بمذكرة تمسكت فيها بمطالبها حول الجزر! هذه وقائع تاريخية موثقة، تؤكد تأكيداً واضحاً وقطعياً ملكية دولة الإمارات العربية المتحدة الجزر. وإذا كانت أطماع إيران قد امتدت لتشمل المطالبة بضم دول مستقلة أعضاء في مجلس التعاون لدول الخليجي العربية في عدة مناسبات، فإننا قد لا نستغرب "تماديها" غير المُبرر في احتلال جزر الإمارات وقيامها بقرع طبول الحرب بين الفينة والأخرى. إن تأجيج الموقف السياسي والأمني في المنطقة، إنما يأتي من أجل تشويش الرأي العام العالمي حول دعمها النظام السوري و"حزب الله" في لبنان، وحول استراتيجيتها الواضحة في العراق! نقلا عن صحيفة الاتحاد