ينطلق صباح الخميس 10 مايو/آيار المُقبل ماراثون أول انتخابات تشريعية جزائرية بعد 20 عامًا من إلغاء أول انتخابات تعددية عام 1991، يتنافس فيها أكثر من 40 حزبًا سياسيًا، وتشمل بعض التحالفات والتكتلات، يظهر أهمها في حزبي "جبهة التحرير الوطني" و "التجمع الوطني الديمقراطي" المُتحالفين منذ 2004 لدعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتكتل "الجزائر الخضراء"، الذي يجمع بين حركة مجتمع السلم، والنهضة، والإصلاح الوطني. وتأتي هذه الانتخابات استجابة للمطالب الشعبية التي تكثفت في أجواء الربيع العربي المُطالبة بالتغيير والإصلاح، في إطار أحكام النظام الانتخابي الذي أصبح ساري المفعول، والتي تشكل مُنعطفًا مصيريًا يفتح للجزائر الباب لاستكمال بناء الدولة الجزائرية بعد مرور خمسين سنة على استرجاع سيادتها بحيث تصبح دولة تسودها الديمقراطية والمواطنة الواعية في كنف العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني. وبمناسبة هذه الانتخابات أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خمسة قوانين أساسية تتناول نظام الانتخابات وتوسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المُنتخبة والإعلام والأحزاب السياسية والجمعيات. لقد مرت الحياة السياسية في الجزائر عقب استقلالها عام 1962 بمراحل عديدة تطورت من أشكال متنوعة من الحُكم العسكري ونظام حُكم الفرد، والذي بدأ يتراجع في آواخر عام 1978 خلال فترة حُكم الشاذلي بن جديد، وبدأ معها وضع دستور 1989، ووضع أسس جديدة للتعددية الحزبية، وانسحاب عناصر الجيش من جبهة التحرير الوطني، وترسيخ النظام المؤسسي في البلاد بدءا بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وساهم معها المُشاركة السياسية للمرأة من نائبة في البرلمان إلى المُشاركة في سلك القضاء والشرطة والجيش إلى أن بلغت لدور المنافسة على رئاسة الجمهورية في الجزائر. فمنذ اندلاع ثورة التحرير الوطني في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 1954 أسس الثوار الجزائريون حزبًا تحت اسم "جبهة التحرير الوطني" وأطلقوا على جناحه العسكري اسم "جيش التحرير الوطني" فاختلط العسكري بالسياسي مُبكرًا. وكان جيش التحرير الوطني - بزعامة قائد الأركان العامة هواري بومدين - هو من قام بتنصيب الرئيس الأسبق أحمد بن بيلا عام 1962، وبإيعاز من بومدين نفسه، وهو من أطاح به في 19 يونيو/حزيران 1965 مُشكلا مجلس ثورة برئاسته مكونًا من 25 عضوًا منهم 12 عقيدًا في الجيش، واحتفظ بومدين بالإضافة إلى منصب الرئيس بمنصب وزير الدفاع وقد ظل هذا العُرف ساريًا من بعده. ومع وفاة الرئيس بومدين يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 1978 تراجع دور الجيش السياسي حين تولي العقيد الشاذلي بن جديد الحُكم، وفي هذه الفترة تم اعتماد "دستور الخامس من فبراير/شباط 1989 الذي كرّس التعددية الحزبية فانسحبت عناصر الجيش من اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني. غير أن نجاح الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى من تشريعات ديسمبر/كانون الأول 1991 أدى إلى تدخل الجيش في يونيو/حزيران 1992 مُجبرًا الشاذلي بن جديد على الاستقالة بعد 13 سنة من الحُكم ومُلغيًا نتائج الانتخابات التشريعية المذكورة ومُلغيًا أيضًا الجولة الثانية من تلك الانتخابات.