تقع مسؤولية جماعية ضخمة على العالمين العربي والإسلامي بالأساس في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف الديني لدى فئة قليلة من عامة المسلمين المنتشرين في أنحاء العالم، فتشتت المرجعيات الدينية الإسلامية والخلافات المذهبية والفقهية المتعددة أتاحا الفرصة أمام نشر الفكر الديني المتطرف لاستباحة الفتوى من الجميع. كما أن إغلاق باب الاجتهاد أوجد تربة مناسبة للمتطرفين وأتباعهم. ويزيد على ذلك ضعف إسهام العالم الإسلامي في السياسات الدولية على رغم ما يتاح له من إمكانيات، وعدم تكوين جبهة إسلامية مشتركة للتصدي للإرهاب ساهم في تغذية الفكر المتطرف لدى بعض المسلمين وكثير من غير المسلمين. ولتجنب هذا لابد من حزمة من الإجراءات يمكن ذكرها على النحو التالي: 1- إصلاح المؤسسات الإسلامية الكبرى هيكلياً وفكرياً. ومنها منظمة المؤتمر الإسلامي (57 دولة إسلامية) بمؤسساتها المختلفة، ومنها أيضاً الأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي والحوزات الشيعية وغيرها. على أن تقوم هذا التنظيمات بدور في تحفيز ثقافة التسامح ونبذ العنف والقبول بالآخر وتضطلع بدورها المنوط في الحوار مع الأديان الأخرى وتقدم أطروحات جديدة للإسلام الوسطى الذي يقبل بالحداثة والعولمة. 2- وضع استراتيجية ذات معالم واضحة ومنهجية لإيجاد مرجعية واحدة متفق عليها في العالم الإسلامي لتنظيم ظاهرة الفتاوى التي تنطلق من مؤسسات دينية متعددة في العالم الإسلامي. 3- فتح باب الاجتهاد الذي توقفت ممارسته منذ 500 عام، وهو اجتهاد لا اختيار فيه بين الإسلام والحداثة، والإسلام والديمقراطية، وإنما اجتهاد يقوم على حرية الفكر التي تقضي على ثقافة الخطاب التكفيري والتقوقع الثقافي والحضاري، ويلغي الإيمان بفكرة المؤامرة والاستهداف التي تسود أوساط الشعوب الإسلامية. 4- تنقية التراث الإسلامي، فبعض التراث الإسلامي يتضمن روايات غير مكتملة جمعها الرواة وكثير من المستشرقين الذين ينظرون للتاريخ الإسلامي من زاوية واحدة قادت إلى ميثولوجيا فكرية أفسدت الموضوعية عند النظر إلى الوقائع التاريخية. والعالم الإسلامي في حاجة لبلورة نظرية جديدة تلملم الروايات المفككة وتؤطر لفهم جديد للتراث الإسلامي. 5- مشاركة إسلامية فاعلة في حفظ الأمن الدولي والتصدي لظاهرة الإرهاب. ويمكن هنا تشكيل قوة إسلامية مشتركة ونقل 10% من نفقات الدفاع في كل دولة إسلامية إلى صندوق إسلامي مشترك تخصص لهذا الغرض فقط. وفي الحقيقة فإن الإرهاب لم يتغذ على العوامل الذاتية فقط، وإنما كان للسياق العالمي المحيط تأثير واضح في انتشاره وتقديم دعم خفي له من خلال اتباع سياسات معينة منها اعتبار الإسلام العدو البديل وتعريفه بأنه الآخر غير الغربي وتهميش دور المسلمين في المجتمعات الغربية، إضافة إلى ما هو معروف عن السياسات الدولية أحادية القطبية وما تمارسه الولاياتالمتحدة من سياسات غير عادلة بمنطقة الشرق الأوسط. ولكن الأمر المهم في هذه الأثناء ليس البحث عن الأسباب السابقة، ولكن وضع الحملة الدولية التي تقودها الولاياتالمتحدة للحرب على الإرهاب في إطار من التقييم الموضوعي. وهنا لابد من اختبار وفحص ثلاثة أمور أساسية، الأول هو أن اعتماد المجتمع الدولي على الحلول الأمنية والعسكرية والتعاون الاستخباري لم يقلل من ظاهرة الإرهاب بل على العكس قد يكون أسهم في تصعيدها. والثاني هو بحث العلاقة بين أوضاع المسلمين في الدول الغربية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وبين نزوع الجاليات الإسلامية إلى التقوقع والانغلاق على الذات وصعوبة الاندماج، ومن ثم تأثر بعضهم بآراء بعض المتشددين ونزوحهم إلى كره للمجتمع والتطرف. أما الثالث فيخص العلاقة بين التقدم على مستوى حوار الحضارات وحوار الأديان والبحث عن فهم واعٍ للآخر وبين انتشار التطرف والتطرف المضاد على الجانبين. وبناء على هذا لابد من تنفيذ حزمة من الإجراءات أيضاً، يمكن ذكرها على النحو التالي: 1- ترشيد الحل الأمني العسكري، واللجوء لمزيد من استخدام القوة الناعمة بما تتضمنه من وسائل مادية وفكرية وثقافية تقود للفهم المتبادل وتقضي على نزعات العنف الديني في العالم. 2- إعادة النظر في طبيعة ونمط السياسات العالمية السائدة الآن خصوصاً ما يتعلق منها بقضايا العالمين العربي والإسلامي. 3- كيفية إدماج الجاليات الإسلامية في مجتمعاتها الغربية بالقدر الذي يحافظ على هويتها الإسلامية والقبول في الوقت نفسه بقيم المجتمع الذي تعيش فيه. 4- يتعين أن نعرف ماذا يقدم الحوار بين الأديان؟ وهل يركز فقط على نقاط الاختلاف، أم أنه يبحث عن الجوانب المشتركة والقيم الإنسانية المطلقة؟ وهل يزكي هذا الحوار ثقافة التسامح لدى كافة الأديان، أم أنه حتى اليوم يقدم نموذجاً لمحاولة طغيان ثقافة بعينها على الآخرين؟ نقلا عن جريدة الإتحاد الإماراتية