وحدتنا ثورة يناير شعبا وجيشا وقلوبا، وخرج الملايين إلى الشوارع يحملون أعلام مصر بينما كان الجيش محمولا على الأعناق.. ونقلت كاميرات وشاشات العالم الزحف المصري بكل مظاهر العبقرية والترفع والجلال فيه.. ولم يتردد حكام العالم في أن يعلنوا صراحة أن ثورة مصر كانت مصدر إلهام لكل شعوب العالم.. وقف كاتب انجليزي كبير يقول: علينا الآن أن نتعلم من إرادة الشعب المصري العظيم، هؤلاء الذين بخلنا عليهم بالحرية تحت دعوى أنهم لا يستحقونها.. كانت مشاعر المصريين وفرحتهم تتجاوز كل الحدود وأطفالنا الصغار يعانقون جنود الجيش ويكتبون اسم مصر على الدبابات.. كان ميدان التحرير يحتضن دماء الشهداء، والمسلمون والمسيحيون يؤدون صلاة الغائب على أرواح شهداء الثورة.. كان يوما عظيما في تاريخ هذا الشعب وقواته المسلحة.. لكن الأشياء تغيرت حين تغيرت النفوس والمواقف وحلت علينا لعنة الصراعات والخلافات والأهواء والمصالح، وبعد أن كانت صيحة الشارع الجيش والشعب يد واحدة.. وجدنا أنفسنا أمام أكثر من شعب وأكثر من تيار وأكثر من موقف.. أنقسم الشارع المصري بصورة غير مسبوقة لم نشهدها إلا حينما كان الإنجليز يروجون شعارهم العتيق فرق تسد.. وفتحت الصراعات أبوابها ليتسلل منها دعاة الفرقة والاختلاف.. وتحول المصريون إلى فصائل: الإخوان المسلمون والعلمانيون والليبراليون والسلفيون ومن كل لون.. ووصلت بنا الانقسامات إلى آخر مداها ما بين ميدان التحرير وميدان العباسية ولا نعرف ماذا ينتظرنا بعد ذلك من الميادين.. وبعد انقسام المرشحين في الانتخابات بين فائز ومهزوم وانقسام القوى بين مؤيدين للثورة ورافضين لها وما بين فلول الماضي وضحايا الحاضر.. انقسم الإعلام إلى شيع وأحزاب ودارت المعارك وتفتحت الجبهات وخرجنا جميعا خاسرين وكانت العمالة والخيانة أبسط وأقل الكلمات في قاموس الاتهامات التي نزلت على رءوسنا كطوب مجلس الشعب وهتافات ميدان العباسية.. إن فوضى الاتهامات في الشوارع والميادين والصحف وعلى الشاشات والتي لم تترك أحدا أصبحت الآن أخطر من فوضى البلطجية وأصحاب السوابق.. من يشاهد الإعلام المصري يشعر بإننا أمام بيان حرب ومن يسمع الضيوف تصيبه طلقات الكلام وما حدث بين الجيش والشعب شيء لم نتوقعه في يوم من الأيام.. ووقفنا جميعا والكل يتساءل: وما المخرج وما الحل؟.. البعض يرى أن الأمور تأزمت كثيرا لخلافات حادة في وجهات النظر وأن الحقائق تؤكد أن الخلاف كان من البداية ومن أول الطريق وإن لم يظهر إلا بعد شهور من قيام الثورة.. كان المجلس العسكري يرى أن رحيل رأس النظام وسقوط نظرية التوريث كان كافيا وأن ذلك يؤكد نجاح الثورة في تحقيق أهدافها بينما كان البعض الآخر خاصة الثوار يرى أن ما حدث ما هو إلا بداية الثورة وأن المطلوب أن يسقط النظام كله.. وكان المجلس العسكري يرى أن الشارع لابد أن يهدأ وكان الثوار يرون أن الثورة لابد أن تستمر حتى نقتلع جذور النظام.. كانت هذه بعض جوانب الخلاف ويبدو أنها مازالت قائمة.. والآن نحن أمام سلسلة من الانقسامات تحتاج إلى علاج سريع حتى لا نتمادى في هذا الطريق الذي لا أحد يعرف نهايته إن الفوضى التي اجتاحت الشارع المصري في الشهور الأخيرة ومواكب البلطجية التي احتلت الشارع المصري ظواهر ينبغي أن تتوقف تماما.. وهنا أتقدم ببعض الاقتراحات التي تبدو رومانسية في صورها، ولكنها يمكن أن تكون نقطة بداية نحو طريق جديد يعيد للثورة دورها ويعيد للمجتمع تماسكه واستمراره إنها محاولة لجمع الشمل والعودة إلى صوت العقل وقليل من الحكمة.. إذا كان المجلس العسكري قد حدد يوم 23 يناير لافتتاح البرلمان الجديد بحيث تكون هذه هي نقطة البداية نحو الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة فإنني اقترح أن يكون يوم 25 يناير هو يوم الشهداء والوحدة الوطنية في ميدان التحرير.. بحيث يخرج أعضاء مجلس الشعب وممثلون للمجلس العسكري والحكومة وأسر الشهداء والجرحى والثوار وفئات الشعب المختلفة والأحزاب السياسية في مسيرة يتصدرها الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أو من ينوب عنه وقداسة البابا شنودة أو من ينوب عنه وتقام صلاة الغائب على أرواح الشهداء في ميدان التحرير وتتدفق جموع الشعب للمشاركة في هذه الذكرى العزيزة.. في هذا الحشد ينبغي أن تتجمع كل التيارات وتختفي كل الحسابات والمصالح.. في هذا الحشد يتم إعلان وقف الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات بكل صورها لمدة ستة أشهر وحتى إعلان بدأ انتخابات رئيس الجمهورية وتلتزم كل أطراف القوى السياسية في مصر بهذا الاعلان وتكون مسئولية أجهزة الأمن خلال هذه الفترة تطهير الشارع المصري من فلول البلطجية وإعادة الاستقرار إلى المواطنين مع موقف حاسم يعيد للدولة هيبتها وللمجتمع إحساسه بالأمان وقبل هذا كله أن يتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف محاكمات المدنيين أمام القضاء العسكري وبدء صفحة جديدة لتحقيق العدالة على أساس من احترام القوانين وتأكيد حق كل مواطن في محاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعي.. اختيار وفد شعبي حكومي للسفر إلى عدد من الدول الأوربية وأمريكا والدول العربية لرصد ما يجري حول أموال مصر الهاربة في البنوك الخارجية وحشد تأييد دولي رسمي وحكومي لاستعادة هذه الأموال وتقديم ما لدى الجهات المصرية من المستندات والوثائق التي تكشف هذه الأرصدة والاستعانة بمكاتب الخبرة الأجنبية في هذا الشأن.. وينبغي أن يضم هذا الوفد ممثلين من المجلس العسكري والحكومة والبرلمان والمجتمع المدني والقضاء بحيث نؤكد للعالم إصرار الشعب المصري على استرداد حقوقه وهنا ينبغي أن تكشف العواصم العربية عن كل ما لديها من أرصدة وحسابات سرية في بنوكها تخص النظام السابق ورموز حكمه لأن مثل هذه القضايا يمكن أن تسيء لعلاقات تاريخية بين الشعب المصري والشعوب الشقيقة.. أن يتم الإعلان عن بدء تفعيل إجراءات قوانين الفساد السياسي والمالي وان تتخذ الجهات القضائية خاصة النيابة العامة خطوات واضحة وملموسة في هذا الشأن مع الإسراع في إجراءات المحاكمات المؤجلة لدى الهيئة القضائية وحسم المواقف إما بالإدانة أو البراءة حرصا على مسيرة العدالة واحترام القوانين ولا يستطيع أحد أن يطالب القضاء بسرعة الإجراءات ولكن هذا المطلب حق للشعب وللعدالة وللمتهمين أيضا.. أن تتم مراجعة عمليات اغتصاب أراضي الدولة وبيع مشروعات القطاع العام في برامج الخصخصة مع الالتزام الكامل باحترام تعاقدات الدولة والتزاماتها إلا ما يتعلق بوقائع الفساد الواضحة التي تتطلب مراجعات أمنية وقانونية تعيد للشعب حقوقه.. أن يعقد مؤتمر شامل للإعلام المصري بكل توجهاته وتياراته الخاص منه والعام لمناقشة مستقبل مصر في ظل إعلام يدرك حدود مسئولياته والتزاماته مع مراجعة مصادر تمويله الداخلي والخارجي ووضع الضوابط الأخلاقية والمهنية التي تراعي مصالح الوطن في هذا الوقت العصيب.. أن يكشف جهاز الكسب غير المشروع عن كل ما لديه من تجاوزات ومستندات تدين رموز النظام السابق والوسائل القانونية والإدارية والأمنية التي يمكن من خلالها استرداد حقوق الشعب وأمواله الضائعة.. وأن تعلن الحكومة قائمة أموال الدعم الخارجي التي وصلت لجمعيات وجماعات المجتمع المدني إبراء للذمم ووضع ضوابط قانونية لتأمين مستقبل هذه الجمعيات وأنشطتها المختلفة.. أن تبدأ الحكومة من خلال إجراءات فعلية حاسمة إعادة بناء جهاز الشرطة على أسس مهنية وإنسانية وأخلاقية جديدة تراعى فيها كل المواثيق الدولية التي تتعلق بحقوق الإنسان وتأمين المواطن واحترام آدميته بحيث توفر الدولة ما يتطلبه ذلك من الالتزامات المالية والإدارية.. هذا في تقديري هو برنامج الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة يناير أن يكون العام القادم بداية جديدة لوطن جديد.. إن هذه الإجراءات لا تتطلب إلا قدرا من الحسم الذي يعيد هيبة الدولة.. وتتطلب قدرا من الوعي والإحساس بلحظة تاريخية صعبة يجتازها الوطن.. ويتطلب قبل ذلك كله أن نشعر جميعا بأننا شركاء في المسئولية وليس لنا غير وطن واحد هو ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وأن كل طرف سوف يدفع ثمن أخطاءه.. يجب أن نعترف جميعا أن ما حدث في يناير 2011 كان ثورة حقيقية ولم يكن مجرد انتفاضة شاركت فيها جموع الشباب وسقط فيها آلاف الشهداء والجرحي وأن هؤلاء لم يكونوا خارجين على القانون ولم يكونوا من البلطجية كما صورهم فلول الحزب الوطني.. ويجب أن ندرك أن للشعب المصري ولثورته مطالب ينبغي أن تتحقق.. قد يكون من الصعب تحقيق هذه المطالب مرة واحدة أو في شهور أو أيام ولكن يجب أن يشعر المواطن المصري بأنه أمام جهات مسئولة وجادة تسعى بالفعل لتحقيق مطالبه وأحلامه وأن الثورة لم تكن هوجه شعبية انتهت مع الوقت وافتراءات الإعلام ومواكب المنتفعين بالعهد البائد.. هل يمكن أن تكون ذكرى ثورة يناير ميلادا جديدا لنا؟.. هل يمكن أن نستعيد مع هذه الذكرى وقفة شعب عظيم ثار من أجل كرامته وقدم الشهداء في سبيل مستقبل أفضل؟.. لقد كانت وقفة المصريين في هذه الثورة مشهدا غاية في الشموخ والجلال وما حدث بعدها شوه الكثير من هذه الصورة الرائعة.. إن أمامنا الآن فرصة نادرة لأن نستعيد معا هذه اللحظة لنذهب جميعا يوم 25 يناير القادم إلى ميدان التحرير بروح الثورة الحقيقية وشموخها وترفعها ونرفع صور شهدائها في الميدان من الثوار والمدنيين والعسكريين ورجال الأمن دون أن نفرق بين هذا وذاك لأن الدماء واحدة والوطن للجميع.. هناك نقف صفا واحدا يتعانق فيه الصليب مع الهلال ويقف الشعب مع جيشه وثواره مع برلمانه الجديد وتتوحد فيه إرادتنا لمواجهة مواكب الفوضى والانقسامات والصراعات والقوى المتناحرة لنعود شعبا واحدا ينظر إلى المستقبل بوعي كامل وإيمان عميق بأننا قادرون على ان نصنع مستقبلا يليق بنا.. هل يمكن أن يكون 25 يناير القادم عيدا للثورة ويوما للوحدة الوطنية؟.. مازلت عند موقفي ولن أتراجع عنه أبدا أن شباب ثورة يناير هم أطهر وأنبل ما أنجبت مصر وسوف تؤكد الأيام ذلك. ... ويبقى الشعر حجر عتيق فوق صدر النيل يبكي في العراء.. حجر ولكن من جمود الصخر ينبت كبرياء حجر ولكن في سواد الصخر قنديل أضاء حجر يعلمنا مع الأيام درسا في الوفاء.. النهر يعرف حزن هذا الصامت المهموم في زمن البلادة.. والتنطع.. والغباء.. حجر عتيق فوق صدر النيل يصرخ في العراء قد جاء من أسوان يوما كان يحمل سرها كالنور يمشي فوق شط النيل يحكي قصة الآباء للأبناء.. في قلبه وهج وفي جنبيه حلم واثق وعلى الضفاف يسير في خيلاء.. مازال يذكر لونه الطيني في ركب الملوك وخلفه يجري الزمان وتركع الأشياء.. حجر من الزمن القديم على ضفاف النيل يجلس في بهاء لمحوه عند السد يحرس ماءه وجدوه في الهرم الكبير يطل في شمم وينظر في إباء لمحوه يوما.. كان يدعو للصلاة على قباب القدس كان يقيم مئذنة تكبر فوق سد الأولياء لمحوه في القدس السجينة يرجم السفهاء.. قد كان يركض خلفهم مثل الجواد يطارد الزمن الرديء يصيح فوق القدس يا الله.. أنت الحق.. أنت العدل أنت الأمن فينا والرجاء لا شيء غيرك يوقف الطوفان هانت في أيادي الرجس أرض الأنبياء حجر عتيق من زمان النبل يلعن كل من باعوا شموخ النهر في سوق البغاء "من قصيدة حتى الحجارة أعلنت عصيانها سنة 1997" نقلا عن جريدة الأهرام