شهد العالم عبر التاريخ العديد من الثورات الشعبية، انطلقت في مواجهة الظلم والطغيان هزت عروشاً وأسقطت ملوكاً ورؤساءً، وبدلت أنظمة وغيّرت حكومات وحولت سياسات، كان قائدها الشعب لرفضه القهر والاستبداد وصموده فى سبيل إشراقة الديمقراطية، ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وإنهاء عهود الظلام، وفتح أبواب جديدة أمام الشعوب لتنعم بحياة كريمة. والثورة بمعناها السياسي هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم، من خلال الانتفاض ضد الحُكم الظالم وقيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مُثقفيه لتغيير نظام الحُكم بالقوة، العاجز عن تلبية طموحات شعوبها، ولتنفيذ إنجازات ثورية غير اعتيادية، أو كرد فعل أثار غضباً شعبياً، مثل اندلاع ثورة شعبية في الخرطوم عام 1964 ضد النظام العسكري الذي كان يقوده الرئيس إبراهيم عبود، بسبب اغتيال قوات الشرطة أحد طلاب جامعة الخرطوم، والتي فجرت انتفاضة شعبية عارمة أطلق عليها "جبهة الهيئات"، أدت إلى إسقاط نظام الفريق إبراهيم عبود. وتأخذ الثورات اتجاهات وشعارات مختلفة عن بعضها البعض، فعلى سبيل المثار شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الذي ابتدعه الشعب التونسي أصبح شعار الثورات العربية الرئيسية بجانب شعارات أخري يُطلقها كل شعب عربي في ثورته. وعلى جانب آخر تلعب وسائل العولمة من ثورة تكنولوجية وإعلامية واتصالية دوراً رئيسياً في إشعال ونجاح الثورات، فقد ساهمت في نقل الأحداث مباشرة وبكل تفاصيلها عبر القنوات الفضائية والمواقع الإخبارية المتعددة، وجعلت هناك وعي بأهداف وخطوات الثورة الشعبية، وأنه لكل ثورة ظروفها وخصوصيتها، فما يحدث في ليبيا يختلف مع ما حدث في تونس ومصر، وعما يحدث في اليمن وسوريا. فالتجربة التونسية ألقت بظلالها على الثورة المصرية، وما حدث في ميدان التحرير في مصر، تكرر في اليمن، وبذلك أصبحت كل ثورة درساً للثورة التي تليها، وللثورات صوراً مختلفة من حيث الدعم الداخلي لها أو الدعم الخارجي. أما من جهة أشكال الثورات فهي تأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة، ولها أيضاً نقطة لانطلاق الشرارة، مثل قيام المواطن التونسي الذي يُدعى "محمد بوعزيزي" بحرق نفسه ونقلته وسائل الإعلام المختلفة التي تنوعت بأشكالها المختلفة المتطورة مثل الفيس بوك والفضائيات وخلافه من الطرق السريعة لنقل الخبر. وأهم تلك الثورات عبر التاريخ هي، الثورة الإنجليزية عام 1689، والتي عُرفت بالثورة المجيدة، والثورة الأمريكية عام 1763، والثورة الفرنسية عام 1789 والتي استمرت 10 سنوات وانتهت عام 1799، وثورة أكتوبر في روسيا عام 1917، والثورة الإيرانية عام 1979. وعلى صعيد الأقطار العربية هناك عشرات الثورات الشعبيه العظيمة التي اندلعت فى العالم العربى وخصوصاً أيام الاحتلال، فهناك الثورة الجزائرية عام 1954، وثورة العشرين والكيلانى فى العراق وثورة 1919 و 25 يناير 2011 فى مصر، وثورات الاستقلال فى سوريا ولبنان وتونس والمغرب. دوافع الثورات الشعبية يُعد احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية في كافة نواحي الحياة من تعليم وصحة وتوفير معيشة كريمة للمواطن من الثوابت الرئيسية التي تحفظ سلامة واسقرار الشعوب، وبدونها تقوم الشعوب بثورات شعبية للتخلص من الاستبداد ومن ظلم الحُكام، وهذا ما نجده واضحاً في العديد من الأقطار العربية بسبب تراجع التنمية البشرية فيها وتصنيفها ضمن الدول ذات التنمية المُتدنية، على خلاف بعض الدول التي بدأت خطوات التنمية في الستينيات من القرن الماضي، مثل فنلندا وماليزيا وكوريا، فأصبحت اليوم من بين الدول ذات التنمية البشرية العالية. ومن الأسباب الرئيسية في قيام الثورات الشعبية هو دور الحكومات التسلطية والقمعية في مُحاربة مؤسسات المجتمع المدني أو احتوائها بحيث تصبح مجرد أبواق للحاكم المُستبد أو الحزب الوحيد، لتلميع صورته، وتقنين إجراءاته القمعية، بحجة المُحافظة على أمن المواطنين ومُحاربة الإرهاب، وتقوم أنظمة الحُكم التسلطية بتحويلها إلى وسائل بيد الحكومة لتثبيت سلطتها وهيمنتها، فهي تجمع بين القمع والخداع لإخفاء مساوئها، وتستخدم الإعلام للمُبالغة في عرض إنجازاته وتلميع صورته، بدلاً من أن يكون الإعلام وسيلة لنقد السلطة وكشف فسادها، وأيضاً تستخدم السلاح للترهيب والإعلام للترغيب، بل وتستخدام المال لضمان استمرار ولاء هذه المؤسسات للحكومات الاستبدادية ورؤسائها.