من مفارقات القدر أن نعيش ذكرى تحرير سيناء هذا العام بثلاثية صعبة لم نحيها من قبل.. احتفالات المجد والانتصار وملحمة وطنية الشعب المصري.. حرب شرسة مع إرهاب منظم ومخططات دولية.. معركة التنمية الجادة والمشروعات العملاقة للنهوض بمستقبل بلدنا. ثلاثية صعبة من الأفراح والافتخار.. إلى الأحزان والتخوفات.. إلى الآمال والطموحات.. ولكن يبقى الأمر أولاً وأخيراً في إرادة المصريين القوية القادرة الموحدة.. لاستلهام روح الانتصارات وتحرير الأرض.. واليقظة في تخطي مرحلة إرهاب.. لابد سينتهي ومؤامرات ستنكسر.. وعزيمة المصريين لبناء بلدهم وتحويل كلمات التغني بسيناء إلى عمل وإنتاج وأمل جديد. على مدى سنوات طويلة.. فقدت الكلمات معانيها.. كانت باردة.. فارغة من مضمونها.. لا تعكس عملاً جاداً على أرض الواقع.. فلم تصل إلى قلوب الناس.. وملّوا تكرارها.. والخوف اليوم.. عندما جد القول والفعل.. ألا تجد صداها في القلوب والعقول.. ولكن الرهان دائماً على يقظة الشعب.. وذكائه الفطري.. وإرادته الصلبة ووحدة أبنائه. الرهان.. عندما يسمع ويقرأ اليوم نفس الكلمات.. فهو يرى.. ويسمع صداها الحقيقي على أرض الواقع. سنوات طويلة.. قالوا سيناء أرض البطولات والأمجاد.. سيناء معركة التحرير والبناء.. سيناء مستقبل مصر وأمل التنمية والرفاهية.. عشرات الخطب والدراسات والملفات وبرامج التنمية والمشروعات دون أن يرى الناس شيئاً في الواقع.. إلا القليل النادر.. شيء واحد فقط.. صدقه الناس.. لأنهم عاشوه بدماء أبنائهم وآبائهم، وعلى أرض سيناء حققوا الانتصارات وتحرير الأرض.. معركة الكرامة وملحمة الوطنية.. هنا وما بعدها توقفنا.. كل ما تلاه كان مجرد شعارات وأمنيات وطموحات أو خطط لا ترى النور.. ومازال هذا لغزاً حتى اليوم.. لماذا تخلفنا في إنقاذ مصر من كل مشاكلها.. بمشروعات تنمية وتعمير سيناء.. فشلت كل المعلومات والتحليلات أن تقنع الناس.. أو تحل ما يحتويه هذا التساؤل من ألغاز. لذا.. كان ما نشهده اليوم.. حرب الإرهاب والتنمية.. معركة حقيقية لا هوادة فيها.. حرباً شرسة ضد إرهاب استوطن هذه البقعة الغالية، ومشروعات تنمية جادة ملء العين والبصر، عاد الشعار يفرض نفسه علينا بجدية وقوة في سيناء اليوم.. يد تبني ويد تحمل السلاح.. تطل علينا ذكرى تحرير سيناء ومصر تتعرض لمخططات الهيمنة على المنطقة، وتستخدم الإرهاب في سيناء تحديداً كبداية لتنفيذ هذه المخططات.. بعد أن نجحوا في عام ظلام الإخوان أن يجعلوا منها بؤرة محتلة.. قاعدة للإرهاب تعبث فيها 6 منظمات إرهابية دولية.. قوية التسليح ووفيرة التمويل الخارجي.. عدا جماعات موالية اتخذت من الإرهاب مهنة، من جميع عناصر الإجرام الذين فروا من السجون عقب 25 يناير 2011، وغيرها من عصابات الجريمة المنظمة.. لتجارة المخدرات وغيرها.. ويدفع أبناؤنا في الشرطة والقوات المسلحة دماءهم ثمناً للحفاظ على تراب سيناء وحماية كل واحد منا.. تطل الذكرى اليوم.. ومصر تتعرض لأشد المؤامرات خطراً في تاريخها.. تهديدات قوية ومباشرة لمصر والمنطقة تحت مظلة سعي أمريكا لتفكيك المنطقة إلى دول صغيرة هشة.. والاتفاق الأمريكي الإيراني.. ما هو إلا محاولة تهدئة مع طهران للتفرغ للهدف الأكبر بتنفيذ المخططات ضد المنطقة.. ولو بالتحالف مع إيران.. لتعود الدائرة عليها بعد ذلك.. وإسرائيل بالطبع ليست ببعيدة عن كل هذا.. حتى لو أبدت معارضتها للاتفاق النووي، ولا يمكن أن تتم صغيرة أو كبيرة مع إيران أو في المنطقة بدون التنسيق الكامل بين أمريكا وإسرائيل.
في 25 أبريل 1982.. رفرف علم مصر خفاقاً.. وإلى الأبد على حدود مصر الشرقية في رفح وشرم الشيخ.. بعد معركة الكرامة في أكتوبر 1973.. حينها كنا نحارب عدوا أمامنا في المواجهة.. بينما اليوم نحارب عدوا يعيش بيننا.. وسط أهلنا.. ولا يمكن أن تهدم البيوت على من فيها لمجرد وجود إرهابي أو أكثر بينها. حررنا سيناء بملحمة وطنية وإرادة قوية عسكرية ودبلوماسية وقانونية.. وبمساندة شعب متوحد.. كان على استعداد ليأكل "العيش الحاف".. ليحيا بلده في عزة وكرامة.. واليوم.. نخوض حرب الإرهاب على جزء من سيناء.. وفي المواجهة الشرطة والجيش بينما باقي مؤسسات الدولة تحاربه باللفظ والجدل والقضايا الفرعية "التافهة".. نخبة ثقافية وفكرية مترفة.. تشغل الناس بقضايا وتدخل الناس في دوامة لا طائل منها.. غير من دعا إليها.. ليصبح نجما.. مثل إعلانات الترويج لسلعة "بارت".. أو منتج جديد.. كدعوة مظاهرة خلع الحجاب وغيرها.. ونخبة سياسية.. تلوك ألسنتهم بحب الوطن.. وقضيتها الأساسية لا تتعدى مقعدا في البرلمان.
تأتي الذكرى.. واليمن يعيش أزمة مفتعلة.. تتحرك بأدوات خارجية.. من أولويات أهدافها.. إضعاف مصر.. بتهديد أمنها القومي عندما تحكم أيادي خارجية سيطرتها على مضيق باب المندب.. حالة ذعر انتابت المتآمرين علينا.. مع اقتراب افتتاح قناة السويس الجديدة.. وبدء ضخ ما يقرب من مائة مليار دولار استثمارات أجنبية وعربية ومصرية في مشروعات محور التنمية بالمنطقة.. هرولوا لإحكام المؤامرات علينا وتشتيت جهودنا.. عندما لمسوا أن مصر جادة وبدأت بالفعل في تنمية سيناء.. بمشروعات اقتصادية وتنموية وخدمية.. ومجتمعات جديدة سكانية وصناعية وتعليمية.. وما اختيار إنشاء جامعة الملك عبدالله خادم الحرمين الشريفين في منطقة جبل الحلال محض صدفة.. إنها رسالة مصر للعالم.. إن المنطقة التي اشتهرت كبؤرة إرهاب.. لن تكون إلا منارة للعلم والثقافة والتنوير.. أدرك الجميع أن سيناء في الذكرى ال 33 عاما من إعادة رفع العلم المصري على أرضها.. لن تكون إلا في القلب من مصر والمصريين.. ولن تكون إلا قاطرة نمو المجتمع وتطوره وازدهاره.. ولن تكون إلا تجسيدا حقيقيا لشعار يد يقظة تحمل السلاح دفاعا عنها.. ويد عاملة تبني وتشيد. تأتي الذكرى.. والجارة ليبيا.. العمق الحقيقي لأمن مصر القومي.. وسوق العمل لملايين المصريين.. تعيش أسوأ مراحل تاريخها.. بعد أن حولتها أمريكا وحلف الناتو إلى ساحة للصراع الدولي.. وأرض يعربد فيها تنظيم القاعدة.. وتتغلغل جماعات الإرهاب بمختلف مسمياتها في إدارة حياة الناس ومواردها الاقتصادية وفي مدن كاملة.. نحتفل ب 25 أبريل.. وسوريا.. الامتداد الطبيعي لمصر.. تعيش حربا أهلية متعمدة لاستنزاف القوة الشاملة للدولة. يصعب على النفس أن تأتي الذكرى.. ونحن مازلنا نتحدث عن بعض أبناء الشعب المصري.. مضللون أو يمارسون الضلال زوراً وبهتانا على عامة الشعب.. وبعضهم يمارس الإرهاب بقتل المصريين وتدمير المنشآت وتخريب الاقتصاد.
تأتي الذكرى برسالة إلى الجميع.. في الداخل.. وفي الخارج.. الشعب الذي حرر الأرض من احتلال عدو.. قادر على أن يحميها ويطهرها من الإرهاب.. وقادر على خوض معركة البناء والتنمية.. في سيناء كانت أو في أي شبر من ربوع مصر.. وقبل كل هذا وذاك.. الشعب المصري قادر على إحباط كل المؤامرات وسوف تظل مصر.. مهد الحضارة.. حاملة لواء عطاء الإنسانية.. منارة الفكر والثقافة.. ستظل هكذا.. وأكثر وأكبر. نقلا عن جريدة أخبار اليوم