كلما اتسعت جرائم الإرهاب وتنوعت حسب الظروف والأوطان والثوابت زادت حدة المواجهة واتسعت دائرة الاتهامات وطرح هذا السؤال نفسه.. هل كان الإرهاب صناعة عربية أم انه كان دائما صناعة غربية وان اختار بلاد العرب موطنا ومكانا؟.. ان الغرب دائما يدعي ان الإرهاب جاء من العالم العربي والدول الإسلامية وان الفارق الحضاري والفكرى هو الذي يمثل الأسباب الحقيقية للظواهر الإرهابية في العالم وان الإرهاب ينمو ويكبر في حقول الأمية والجهل والتخلف، وأمام الظروف التاريخية التي عاشها العالم الإسلامي في عصور الفتن والصراعات وقد تركت آثارها على المستوى الحضاري كان من الطبيعي ان تظهر قوى الإرهاب وهي عادة تبدأ في صورة أفكار شاذة وغريبة وسرعان ما تدخل دائرة الصراع مع المجتمع ثم ينتهي بها الحال إلى أعمال وحشية وجرائم تتنافى تماما مع ثوابت العقائد والأديان. كان الغرب دائما يرى ان أوكار الجهل هي التربة الصالحة دائما لنشر الإرهاب وان الإنسان كلما صعد درجة أو درجات في موكب العلم والحضارة كان أكثر إنسانية وأعمق فكرا وخيالا وإبداعا.. وان شواهد التاريخ تؤكد ان القراصنة في أوروبا ظهروا قبل ان تضئ قناديل الحضارة وان الإستعمار بوجهه المدمر كان حصاد عصور من التخلف والرغبة في السيطرة على مقدرات الآخرين.. وقد بقي الخلاف ولم يحسم يوما حول قضايا الإرهاب متى بدأ وأين نشأ وما هي العوامل التي شجعت على ظهوره.. لا يمكن ان نتجاهل حقيقة مهمة وهي ان الإرهاب ابن طبيعي للفقر والجوع والجهل وان المناخ الذي ظهرت فيه الظواهر الإرهابية ارتبط عادة بعصور التخلف الفكري والحضاري وان أزمنة القهر والاستبداد تتحمل مسئولية كاملة عن هذه الظواهر.. إذا كان الفقر هو التربة الصالحة لظواهر التخلف الفكري أمام الجهل والأمية وغياب مصادر المعرفة فإن الظروف الاقتصادية كانت دائما وراء انتشار الإرهاب في أوطان كثيرة، ان الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى حتى الآن تشهد أكبر مساحة للجرائم ولا خلاف في ذلك بين دول متقدمة وأخرى تقف في آخر صفوف الحضارة، ان الجرائم في أحياء السود الفقيرة في العواصم الكبرى في العالم تختلف تماما عن الأحياء الغنية التي تعيش فيها الصفوة ويسكنها الأغنياء.. ان الفقر هو أخطر أعداء التقدم، والجهل أسوأ أعداء النبوغ ويبدو ان أزمنة القهر والاستبداد كانت ترى في إفقار الشعوب أفضل وسيلة لبقائها في السلطة لأن الشعوب الجائعة تركع أمام رغيف الخبز حتى ولو كان ملوثا بدماء العدل والحقوق والكرامة الإنسانية.. في ظل الاستبداد انتشرت عصور الإرهاب وللأسف الشديد ان العالم الذي يدعي الحضارة لم يأخذ بيد الشعوب التي رزحت تحت سياط القهر والاستبداد.. لقد ساند العالم المتقدم حكاما مارسوا كل ألوان القهر على شعوبهم حماية لمصالحه.. لقد هادن أنظمة قمعية ووقف يساند الإستبداد مع حكام ترفضهم شعوبهم وكانت النتيجة خروج أجيال مشوهة فكريا وإنسانيا.. ان أزمنة القمع العربي هي التي دفعت للشوارع عشرات الملايين من البشر وكل واحد منهم يمثل لغما يمكن ان ينفجر في اية لحظة.. كانت طوابير الأمية والبحث عن عمل أم الكوارث، وكان التعليم المتخلف يدفع كل يوم بالملايين حيث لا خبرة ولا ثقافة ولا قدرة على استيعاب روح العصر وكانت الأمراض تنخر في عظام الشباب الذي دخل سراديب الكهولة وهو في ريعان شبابه أمام أمراض مستوطنة وتخلف في الرعاية الصحية أبسط حقوق البشر.. هناك أجيال جاءت إلى الحياة وخرجت منها دون ان تحقق شيئا فلا هي عملت ولا هي حلمت ولا هي أكملت مشوارها وكانت صاحبة دور ورسالة.. ان لعنة الإرهاب التي تعاني منها آخر الأجيال في العالم العربي انتقلت اليها عدوى الإرهاب من نماذج بشرية مشوهة ضللت الملايين ودفعت بهم إلى متاهات من الجهل وغياب الرؤى وكان الحصاد المر ما نراه الآن. أمام عصور القمع والإستبداد التي كبرت وترعرت في أحضان الغرب اتسعت ظواهر الإرهاب وأخذ أشكالا عديدة.. لقد بدأ بإتخاذ موقف من العصر وكل ما يجري فيه فكانت العزلة الفكرية والثقافية والحضارية ومن خلال هذه العزلة تشكلت مفاهيم وأفكار واراء تتعارض تماما مع الفكر السليم ووجدنا أجيالا تورث بعضها الرؤى الخاطئة وكراهية الآخرين.. ومع العزلة ورفض الآخر ضاقت مساحة الفكر واتسعت مساحات الجهل والخرافة وبدلا من ان يندفع الإنسان في حياته إلى الأمام فضل ان يقف في منتصف الطريق ويبدأ رحلة العودة للوراء وكأن الزمان توقف به عند نقطة في الكون لم يغادرها. أمام تعليم جاهل واستبداد ظالم وقوى اجتماعية أكلت بعضها وتشحمت في ظل الطغيان كانت هناك أجيال تموت جوعا وفقرا وحرمانا. على الجانب الآخر وفي ظل منظومة لا تتجاوز حدود ما يحقق المصالح كان الغرب يتابع المشهد من بعيد ولا يعنيه أبدا ان تتقدم الشعوب الأخرى أو تجد لها مكانا تحت الشمس، كانت أنانية الغرب أكبر من ان تتركه بعض الوقت ربما تحركت فيه الضمائر لنرى شعوبا خرجت من الزمن وتحولت إلى ألغام بشرية يمكن ان تدمر كل شىء.. ولم يتردد الغرب في التقاط تلك الوجوه التي ظهر فيها ضوء ما من بين هذا القطيع المتراكم من الجهل والتخلف.. التقط الغرب ما ظهر في هذه القطعان البشرية من بعض العقول التي تمردت على واقعها المتخلف ورأت انها جديرة بأن تلحق بركب الحضارة وكانت هذه جريمة أخرى فقد حرم الغرب الشعوب الضائعة من تلك الشموع القليلة التي لمعت في هذا الليل الكئيب وسرعان ما جذبتها روح الحضارة فذهبت اليها تاركة خلفها ذلك الظلام الأبدي المخيف.. ومع ظهور الثروات الطبيعية كان الغرب على استعداد لأن يتغاضى عن كل القيم والمبادئ من أجل بئر بترول أو صفقة سلاح عابرة أو مذابح تجرى هنا أو هناك بل انه أهدر حقوقا لشعوب كثيرة خرب أراضيها واستباح حقوقها وسلمها للآخرين وكانت تجربة فلسطين في قلب العالم العربي أكبر جريمة تآمر فيها العالم كل العالم على شعب مسالم. إذا كان الإرهاب قضية عالمية الآن فقد كان لكل طرف نصيب فيها ولا يمكن ان نقول بأنه صناعة عربية او إسلامية فقط لقد كان الغرب شريكا أساسيا في هذه الظاهرة وقد التقت مصالح الغرب في أحيان كثيرة مع مطامع الطغاة والمستبدين فساند الغرب نظما قمعية استباحت خيرات الشعوب وضيعت عليها كل فرص التقدم.. سرق الغرب كل القدرات والكفاءات التي لاحت في سماوات الدول الفقيرة ليتركها للفقر والجهل والتخلف.. وظل سنوات طويلة يحمي بالسلاح والعتاد والأمن أنظمة مستبدة ولم يعبأ في يوم من الأيام بقضايا الحريات وحقوق الإنسان وهذه الشعارات البراقة التي كان يراها حقا لشعوبه وليست حقا للآخرين.. والأسوأ من ذلك ان الغرب الذي يصرخ الآن من الإرهاب شارك يوما في بناء الخلايا الإرهابية حين انشأ القاعدة في أفغانستان كجزء من صراع القوى العظمى أيام الإتحاد السوفيتي ولم تتردد الإدارة الأمريكية في ان تجمع الملايين من خزائن العرب لتمويل نشاط القاعدة قبل ان تنقلب عليها.. وفي أحضان الغرب نشأت جماعة الإخوان المسلمين منذ بدايتها وحتى آخر اجتماعات دارت في واشنطن أخيرا بين المسئولين في الخارجية الأمريكية ورموز الإخوان.. ولم تتردد الإدارة الأمريكية في ان تسعى لتقسيم الشعب العراقي إلى السنة والشيعة وتلقي السلاح إلى حشود الحرب الأهلية في سوريا وان تتعاون مع الحوثيين في اليمن والفصائل المتناحرة في ليبيا وما حدث في الصومال وتشعل الصراعات بين التيارات الدينية والسياسية في أي مكان يضمن مصالحها ويحقق أهدافها.. في كل هذه الخرائب ساند الغرب الإرهاب وشجعه بالمال والعتاد والسلاح.. ان العالم العربي الآن يصرخ فوق بركان من الفوضى والصراعات وفي اليوم الذي ينتهي فيه دور البترول وينزل من المسرح لن تجد جنديا واحدا أو خبيرا أو جاسوسا من أي دولة غربية في أي عاصمة عربية والكل يلعب في الوقت الضائع. ورغم ان الإرهاب يزعج الغرب أحيانا إلا انه يريد الفوضى لهذه المنطقة من العالم انه يتصور الآن ان الثورات فشلت وان على الشعوب ان ترضى بواقعها لأنها ستبقى حائرة ما بين إرهاب الجماعات المسلحة واستبداد النظم الحاكمة وربما اكتشفت هذه الشعوب للأسف الشديد ان الإستبداد أرحم.. ومازال الغرب يتصور ان تقام في أي بقعة من العالم الإسلامي الفسيح إمارة تجمع الإرهابيين من كل جانب بحيث تكون لهم دولة وسط هذا المستنقع المتخلف بعيدا عن الحضارة الغربية بطقوسها وثوابتها ومصالحها.. قد يكون الغرب الآن على قناعة ان أمام شعوب هذه المنطقة مراحل زمنية طويلة حتى تلحق بركب الحريات في العالم وتؤمن بشىء يسمى الديمقراطية.. ان الغرب رغم كل ما اطلقه من الشعارات حول حقوق الإنسان مازال يرى ان العالم الإسلامي غير جدير بها.. ان السؤال الأخطر والأهم ان الفصائل والجماعات الإرهابية قادرة على استنساخ أفكارها جيلا بعد جيل فهل تكفي المواجهات الأمنية لمواجهة هذا الخطر الرهيب؟ ان الغرب جعل من الإرهاب شبحا يخيف به الآخرين، وفي الوقت الذي يراه ينزع شبحا ويخلق شبحا آخر وهذا ما حدث حين خرجت "داعش" وهي صناعة أمريكية من عباءة القاعدة وعلينا ان ننتظر ظهور أشباح أخرى. نعود إلى حيث بدأنا بالسؤال عن هوية الإرهاب والحقيقة ان الإرهاب بلا وطن أو دين انه يحمل كل جرائم الإنسانية طوال تاريخها ابتداء بسفك الدماء وانتهاء باستباحة حق الحياة في تاريخ البشر، وإذا كنا قد عشنا أياما سوداء في ظواهر إرهابية اجتاحت هذه الأمة في فترات ماضية فإن الشىء المؤكد ان الشعوب قادرة على قطع الفروع الفاسدة واستئصال الأمراض الخبيثة وهذا ما حدث كثيرا في التاريخ العربي والإسلامي القديم والحديث. ان الغرب يبدي الآن انزعاجه من جماعة "داعش" ويطلق عليها الدولة الإسلامية وهو يعلم جذورها ومصادر تمويلها لأن كل ما تقوم به الآن هذه الجماعة يحقق مصالح الغرب فقد خربت ثلاث دول عربية وحولتها إلى أطلال بكل تراثها الحضاري والتاريخي لأن الإرهاب عادة ضد الحضارة والتقدم فما حدث في العراقوسوريا وليبيا وما ينتظر اليمن وربما دولا أخرى يتطلب صحوة عربية قبل ان تجتاح حشود التخلف والقتل آخر ما بقي لهذه الأمة من مصادر القوة والبقاء. ان الواجب يحتم ونحن نعالج قضية الإرهاب أمنيا ان نبحث عن الجذور والأسباب ونحاول ان نجد طريقا لإنقاذ الملايين من الشباب الذين شوهتهم الأفكار المجنونة ودفعت بهم إلى طريق مظلم.. ويبقى الإرهاب الفكري هو رأس الجريمة وأهم وأسوأ أسبابها. ..ويبقى الشعر نشيد الجيش رسمنا على القلب وجه الوطنْ نخيلا ً ونيلا ً وشعبا ً أصيلا َ وصناك يا مصر طول الزمنْ ليبقى شبابك جيلا ً فجيلا َ على كل أرض تركنا علامة ْ قلاعا ًمن النور تحمى الكرامةْ عروبتنا تفتديك القلوب ويحميك بالدمْ جيشُ الكنانة ْ وتنساب يا نيل حرا ًطليقا ً لتحكى ضفافك معنى النضالْ وتبقى مدى الدهر حصنا ًعريقا ً بصدق القلوبِ وعزم ِالرجالْ رسمنا على القلب وجه الوطنْ نخيلا ً ونيلا ً وشعبا ً أصيلا َ وصناك يا مصر طول الزمنْ ليبقى شبابك جيلا ً فجيلا َ يدُ الله يا مصر ترعى سماكِ وفِى ساحة الحق يعلو نداكِ ومادام جيشك يحمى حماكِ ستمضى إلى النصر ِدوما ًخطاكِ سلامٌ عليكِ إذا ما دعانا رسولُ الجهادِ ليوم الفداءْ وسالتْ مع النيل ِيوما ً دمانا لنبنى لمصر العلا والرخاءْ رسمنا على القلب وجه الوطنْ نخيلا ً ونيلا ً وشعبا ً أصيلا َ وصناك يا مصر طول الزمنْ ليبقى شبابك جيلا ً فجيلا نقلا عن جريدة الأهرام