رغم تصاعد أعمال العنف بالعراق مما أثار الهواجس والتوقعات بفشل الخطة الأمنية التى يعتبرها العديد من المراقبين اّخر سهم فى الجعبة الامريكية لاخماد العنف الطائفى ،أعلن الرئيس الامريكى جورج بوش اليوم الجمعة أنه من المبكر الحكم على الخطة الامنية الامريكية بالعراق لكنه أكد أن مسار القتال بدأ ياخذ اتجاها جديدا مشيراًإلى استمرار "الهجمات الرهيبة" بالعراق مثل التفجيرات التى أدت لمقتل اكثر من 200 شخص بالعاصمة العراقية قبل يومين . وجاءت هذه التصريحات بعد يوم من اعلان زعيم الاغلبية الديمقراطية بالكونجرس أن الحرب بالعراق خاسرة حيث فشل الرئيس الأمريكي، جورج بوش، في التوصل إلى اتفاق مع قادة الحزب الديمقراطي، الذي يسيطر على غالبية مقاعد مجلسي الكونجرس، بشأن اعتماد تمويل إضافي للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وهو التمويل الذي يربط الديمقراطيون الموافقة عليه بإعلان جدول زمني للانسحاب من العراق. وتوعد بوش بالتصويت بالفيتو على مشروع قرار يخصص مائة مليار دولار نفقات جديدة للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، بعد أن أخفق الطرفان في التوصل إلى حل لهذه الأزمة. وفى محاولة لاحتواء موجات العنف الدموية التى سادت العراق الاسبوع الماضى وتحقيق المصالحة الوطنية ، أجرى الرئيس العراقى جلال طالبانى اليوم الجمعة مباحثات فى بغداد مع روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكى حول التطورات الامنية والسياسية على الساحة العراقية وأوضح خلالها أهمية استمرارالإدارة الأمريكية فى التزاماتها تجاه العراق من أجل التصدى للعنف بينما جدد وزير الدفاع الامريكى التزام واشنطن بمساعدة العراق فى النواحى الأمنية والسياسية وجميع الميادين لضمان نجاح التجربة العراقية الديمقراطية كما ألقت المباحثات الضوء على مصير خطة "فرض القانون" وكيفية تطويرها وأكدت أنها تحتاج دعم عن طريق تحقيق المصالحة الوطنية ونافشت سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين العراق و الولاياتالمتحدة .كما شدد "جيتس" خلال لقائه مع رئيس الوزراء العراقى نور المالكى اليوم الجمعة على ضرورة "مد اليد الى السنة "مؤكدا أن التعزيزات الامريكية هدفها افساح المجال أمام تحقيق تقدم على الصعيد السياسى وليس وقف النزاع فقط .وأوضح ان هذه التعزيزات هي استراتيجية لشراء الوقت من أجل تحقيق تقدم باتجاه العدالة والمصالحة في العراق.
ومن جهته اعلن رئيس الوزراء العراقى " المالكى "أن حكومة الوحدة الوطنية مصممة على تحقيق ثلاثة انجازات خلال العام الحالى ،وهى :تفعيل مبادرة الحوار و المصالحة الوطنية ،تثبيت الامن والاستقرار ،واستكمال اقرار التشريعات بالتعاون مع مجلس النواب. كما التقى "جيتس " بوزير الدفاع العراقي عبد القادر جاسم العبيدي وايضا مع مجلس الرئاسة العراقي لبحث أهمية انجاح المصالحة الوطنية.
وفى بيان يعد من أشد التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين الأمريكيين الذين دعوا زعماء العراق إلى تسريع جهود المصالحة، حث روبرت جيتس وزير الدفاع الامريكي الزعماء العراقيين خلال هذه اللقاءات اليوم الجمعة على تمرير تشريع هام يهدف لتهدئة الانقسامات الطائفية بحلول نهاية الصيف مشيرا الى اطار زمني سيستخدمه القادة الامريكيون لتقييم تقدم الحملة الامنية التي بدأت في بغداد في فبرايرالماضى مبينا أن واشنطن تعتبر اقرارقوانين تتعلق باقتسام الثروة النفطية والتراجع عن الحظر الشامل لتولي أعضاء سابقين بحزب البعث (الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل صدام حسين )مناصب أمورا مهمة من أجل المصالحة.
وعلى صعيد ردود الافعال إزاء هذه التصريحات ، اكد الدكتور محمود عثمان عضو مجلس النواب العراقى عن قائمة التحالف أن المصالحة الوطنية فى ظل الوضع الذى يعيشه العراق صعبة للغاية ولكنها الحل الوحيد،ويجب على الحكومة العراقية ان تدعو للحوار بغير شروط لانجاح الخطة الامنية .
فى حين اعرب فلاح حسن شنشل عضو مجلس النواب العراقى عن الكتلة الصدرية التى انسحبت مؤخرا من حكومة الوحدة الوطنية عن رفض الكتلة لمشروع قانون المساءلة والمصالحة واصفا إياه بالمخالف للدستور لافتا الانتباه الى انه سيسمح بعودة حزب البعث الى السلطة بدون مبرر .وكان الرئيس جلال طالبانى و المالكى ،قد أعلنا فى مارس الماضى تقديم مسودة قانون "المساءلة و المصالحة" الى مجلسى الوزراء و النواب بحيث تتضمن اعادة صياغة قانون اجتثاث البعث فى اطار عملية المصالحة الوطنية.
وجاءت زيارة وزير الدفاع الامريكى المفاجئة للعراق ضمن جولة له فى الشرق الاوسط شملت مصر والاردن واسرائيل وعشية يومين من التفجيرات الدموية التى شهدتها العاصمة العراقية بغداد وراح ضحيتها حوالى 500 شخص بين قتيل وجريح على الرغم من خطة فرض القانون التى تدعمها الادارة الامريكية باعتبارها الفرصة الاخيرة لمنع انزلاق العراق الى حرب أهلية شاملة. وقد طالب القادة العسكريون الأمريكيون في العراق ،وزارة الدفاع "البنتاجون" بالموافقة على تمديد مهام قرابة 15 ألف جندي، لأربعة أشهر إضافية، ضمن خطة الجيش الأمريكي لتعزيز قواته التي بدأت في ينايرالمنصرم،وأكدت عدة مصادر عسكرية رفيعة أن البنتاجون ينظر في الطلب، الذي قد تتم الموافقة عليه وتوقيعه من قبل وزير الدفاع خلال هذا الأسبوع على أقرب تقدير.
والجدير بالذكر ان القوات الامريكية تشيد حاليا سوراً حول حى سنى فى بغداد ضمن استراتيجية تهدف الى كسر حلقة العنف الطائفى ،وقد بدأ العمل بالسورفى العاشر من أبريل بطول خمسة كيلو مترات فى حى الاعظمية وهى منطقة يغلب عليها العرب السنة وتحيط بها مناطق شيعية من ثلاثة جوانب .واعلن مسئولون بالجيش الامريكى انه أحد الاجزاء المركزية فى استراتيجية جديدة لقوات التحالف و القوات العراقية لكسر حلقة العنف الطائفى ولكنه لا يستهدف تقسيم العاصمة الى مناطق شيعية وسنية . أما عن موقف مصر من العنف بالعراق،فقد أدانت أمس بشدة التفجيرات التي شهدتها بغداد، وأكد السيد أحمد أبوالغيط وزيرالخارجية أنه لا يمكن فهم الهدف من هذه الهجمات، وإصرار بعض القوي في العراق علي تدمير جهود الاستقرار، مشيرا إلي استمرار الجهود المصرية لتحقيق المصالحة عبراستقبال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي حيث من المقررأن يجتمع السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية مع رئيس الوزراء العراقى الأحد المقبل بمقر الأمانة العامة للجامعة وبحضور المندوبين الدائمين لدى الجامعة وذلك لمناقشة تفعيل الدور العربى فى مساعدة العراق ودفع العملية السياسية هناك فضلا عن بحث الاعداد للمؤتمرين المقررعقدهما فى شرم الشيخ حول العراق مطلع مايو المقبل وهما مؤتمر "إطلاق مبادرة العهد الدولى للعراق" الذى تشارك فيه خمسون دولة ومؤتمر الدول المجاورة للعراق إضافة إلى مصر وتركيا وإيران والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن ودول مجموعة الثمانى الكبرى. وتعقيبا على الأوضاع العراقية المتوترة ، أعلن عمرو موسى أن توفير شبكة أمان عربية مدعومة إقليميا ودوليا يمثل أنجح السبل لوقف نزيف الدم العراقى والقضاء على الممارسات التى تشعل نارالفتنة الطائفية وتحول دون جهود تحقيق المصالحة والوفاق الوطنى مشيراً الى أن التطورات الجارية فى العراق وما آلت إليه الأوضاع من ترد واضح فى الحالة الأمنية تشكل أخطر التحديات أمام جهود معالجة المعضلة العراقية التى تعقدت عناصرها وتشابكت أبعادها. وأكد الأمين العام للجامعة العربية على ضرورة أن تتواكب العملية السياسية والخطط الامنية مع تحقيق الاتفاق بشأن خروج القوات الأجنبية وفق جدول وطنى يتفق عليه الجميع فى العراق لإعادة بناء القدرات الأمنية العراقية ومؤسسات الدولة موضحا أن هذا الأمر يتطلب تنازلات متبادلة من مختلف القوى العراقية لصالح الحفاظ على وحدة الوطن وهويته واستقلاله . كما يرى الامين العام أنه يمكن تعزيز الدور العربى لدعم العراق ومساعدته على تجاوز التحديات الراهنة من خلال عدة خطوات منها تأكيد التعاون مع الحكومة العراقية فى كافة السياسات الموجهة إلى بناء العراق الجديد ووأد الطائفية.ورغم هذه المساعى الدبلوماسية المتواصلة لانهاء العنف إلا أن التساؤلات و التكهنات مازالت مثارة حول مصير الخطة الأمنية وجدواها فى تحقيق الاستقرار المنشود للعراق مستقبلاً؟.