الأهرام 26/10/2007 وجوه شاحبة.. أجسام نحيلة.. ظهور انحنت.. عيون ذابلة.. وأيد صغيرة ارتسمت عليها علامات شقاء السنين, برغم أن العمر مازال في بدايته! هذه ببساطة شديدة هي ملامح الطفل العامل, والطفلة العاملة.. الذين أصبحوا.. رغما عنهم سندا لاسرهم الفقيرة, ومصدرا مهما للانفاق عليهم! ويبقي هؤلاء الاطفال ضحايا ظروفهم الصعبة. والسؤال: ماذا قدمنا لهؤلاء الأطفال؟ كيف تتعامل منظمات المجتمع المدني, والجمعيات الأهلية والمجلس القومي للطفولة والأمومة بل والحكومة مع ظاهرة عمالة الأطفال؟ في الآونة الأخيرة قامت بعض المنظمات بعمل حلقات نقاشية وندوات وتدريبات بهدف نشر مزيد من الوعي لهؤلاء الاطفال وأسرهم وأصحاب الأعمال بهذه الظاهرة. منتدي الحوار والمشاركة من أجل التنمية تبني مسئولية مشروع الدعوة لحماية ورعاية الاطفال العاملين, بالتعاون مع صندوق حماية الطفل وقاد حوارا من أجل بدايات صحيحة وشاملة, بشأن قضية الاطفال مستقبل وطن, ونظم ورشة عمل حول كيفية حصول الطفل علي حقوقه في بيئة عمل آمنة وصحيحة وندوة بعنوان تفعيل بنود وإجراءات القوانين للحافظ علي الطفل العامل ضد الاستغلال الاقتصادي ودائرة مستديرة عن حماية الطفل العامل. الدكتور صلاح عرفة رئيس منتدي الحوار والمشاركة من أجل التنمية, قال إن المنتدي يهدف إلي اختراق الجدران الصلبة للقضية وتخطي كل حواجزها بتشبيك المعنيين والمهمومين حول القضية وكشفها وإثارتها, لذلك كان الاهتمام بايجاد الحلول المنطقية والمجتمعية لها بحضور التنفيذيين والتشريعيين والمجتمع المدني وأصحاب الاعمال والورش والاسر التي لديها طفل عامل والاطفال العاملين ذاتهم. وأكد أن الظاهرة خطيرة للغاية وتحتاج إلي حلول ملموسة علي أرض الواقع ولابد ان تتحرك المنظمات الإنسانية والاجتماعية الأهلية لايجاد حلول لهذه القضية وانتشال الاطفال العاملين من العالم المشوه الذي وجدوا أنفسهم فيه إلي عالم جديد يوفر لهم حياة مستقرة يحققون فيها آمالهم وأحلامهم فمتي يسمع العالم نداءهم؟! أما الدكتورة هدي رزقانة عضو مجلس الشعب سابقا فتؤكد أن الارقام تغني عن الكلمات فإذا كان مشهد الواد بلية الذي يدمي القلوب موجودا في مصر لأسباب اقتصادية واجتمعية فان احصائيات اليونيسيف تؤكد أن المشكلة عالمية الابعاد وأنه يوجد26 طفلا عاملا بين كل100 طفل في العالم يتم استغلالهم في بعض الاعمال في ظروف خطيرة وسيئة للغاية مثل المناجم والمحاجر, وبعضهم يعمل في مهن شديدة الخطورة كإنتاج المواد الكيماوية وحذرت اليونيسيف من أن هؤلاء الاطفال يعملون في الخفاء إذ يقوم أصحاب الأعمال باخفائهم عن العيون لابعادهم عن سلطة القانون إن وجدت ولهذا فهم محرومون من حقوقهم الاساسية كالتعليم الاساسي والغذاء السليم والرعاية الصحية والعلاقات الاسرية السليمة ومعرضون لاخطار نفسية واجتماعية لا حصر لها. وتضيف د. رزقانة أن عمالة الأطفال في مصر تعد مشكلة من المشكلات المستعصية التي تحتاج إلي حلول جذرية, حيث تتفاقم المشكلة يوما بعد يوم بلا ضابط. ويدل استقراء الاحصائيات الرسمية للعمالة إلي وصولها في المرحلة العمرية من6 12 عاما إلي أكثر من مليونين ونصف المليون طفل عام2006 طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء. ومعظم عمالة الأطفال ترجع إلي الحالة الاقتصادية للاسرة الفقيرة التي تعولها اطفالها وهو وضع يتطلب ايجاد آليات لتحسين هذه الظروف الاقتصادية. وذكر الدكتور عماد عدلي رئيس جمعية المكتب العربي للشباب والبيئة والمنسق الوطني لبرنامج(Life) أن أزمة عمالة الاطفال لاتعني الدول الفقيرة فقط بل هي مشكلة قائمة وبوضوح في عدد كبير من الدول الصناعية الغنية, وطبقا لآخر احصائيات منظمة العمل الدولية فان هناك أكثر من245 مليون عامل تتراوح أعمارهم بين14 15 سنة منهم أكثر من50 مليونا تحت سن12 عاما يعملون في ظروف خطيرة في مصانع الكيماويات ومناجم الفحم ومحارق القمامة وصهر الزجاج وغيرها ويتعرضون للخطر الجسدي والعقلي والاخلاقي. واضاف أن المنظمة قد تبنت قضية عمالة الاطفال في عام1999 باجماع174 دولة وفي منتصف عام2000 كان إقرار ميثاق الحد من اساءة استخدام الاطفال في الأعمال الشاقة وفي أواخر العام نفسه صدقت37 دولة علي الاتفاقية ودخلت حيز النفاذ في19 نوفمبر2000 وهناك احصائيات رسمية ومأساوية صادرة عن الأممالمتحدة في هذا الشأن. ويشير الدكتور طارق وفيق الاستاذ بكلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة إلي أن هناك دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية تؤكد أن مزايا القضاء علي عمالة الاطفال في العالم تعادل سبعة أضعاف التكاليف التي تترتب علي هذه المشكلة, وتحمل عنوان الاستثمار في كل طفل دراسة اقتصادية للتكاليف والفوائد المترتبة علي القضاء علي عمالة الأطفال وتقول الدراسة إنه يمكن القضاء علي العمالة واستبدالها بالتعليم بحلول عام2020 بتكلفة مقدارها760 مليار دولار, وأشارت الدراسة إلي أن من شأن توسيع التعليم إلي سن الخامسة عشرة أن يؤدي إلي ارتفاع اضافي في الدخول المستقبلية السنوية بنسبة11% وان الفوائد الكلية من القضاء علي عمالة الاطفال تصل إلي5.1 تريليون دولار. وعلي المستوي المحلي أكدت بهيرة مختار الكاتبة الصحفية بجريدة الأهرام انه لابد من الاستعانة بتجارب الدول الاخري في هذا المجال ويمكن الاستعانة بالتجربة التونسية التي تتابع وتراقب بدقة كيفية تطبيق القانون في متابعة الطفل العامل, مؤكدة أن الدراسات التي قام بها المجلس القومي للطفولة والأمومة حول الطفل العامل مازالت في حاجة إلي تطبيق عملي وطالبت المنتدي بأن يكون بمثابة الضمير الاجتماعي أو اللوبي الضاغط علي الجهات المهمة بهذا العمل, مع تقديم فكر جديد للمصلحين في القانون وزيادة ندوات التوعية لكل الفئات المهتمة والمهمومة بعمالة الاطفال من صحفيين وإعلاميين واصحاب أعمال ومجتمع مدني وهيئات حكومية للضغط علي الاجهزة التي تعمل في حماية أطفال الشوارع خاصة أننا لسنا قوة تنفيذية. مسئولية التفتيش. والتقط الدكتور طارق وفيق الخيط مرة أخري طارحا قضية التفتيش علي عمالة الأطفال والموزعة مسئوليتها علي المحليات ووزارة القوي العاملة ويتساءل عن الضبطية القضائية هل يكون عبؤها موزعا علي المحليات أم الوزارة المثقلة بالأعباء أم يكون للمجتمع المدني دور في ذلك لكنه لم يجد اجابة؟! ويقول المهندس محمود إبراهيم من الإدارة المركزية لحماية الاطفال بوزارة القوي العاملة إن التشريعات والقوانين واحدثها قانون العمل12 لسنة2003 وقبله12 لسنة1996 تركز علي عمالة الاطفال, ولها باب مخصص وتم العمل فيه لمدة10 سنوات بهدف واحد هو قيام الوزارة والقائمين علي التشريع بالالتزام بالمواثيق الدولية ويكون متفقا مع جميع المعايير الدولية, مشيرا إلي أن نص القانون يغرم صاحب العمل الذي يعمل عنده طفل بغرامة من500 ألف جنيه تزيد بتكرار المخالفة طبقا لنص التشريع, موضحا أن القانون يعني بالطفل العامل بأن يكون عمره من14 18 عاما, وما دون سن14 المفروض أنه لا يخضع للعمل نهائيا ومع ذلك فالقانون لم يهمله, فهناك ما يسمي بالتدريب المهني له ويوجد بالوزارة لسن12 حتي14 سنة وبعقود تدريب مهني بالاتفاق مع صاحب العمل ويتم كتابة عقد عمل للطفل ويكون تحت وصاية واشراف مديريات القوي العاملة ال27 التابعة لها علما بأن كل مديرية قوي عاملة توجد بها إدارة عمل للطفل معنية بالاهتمام بالطفل العامل من خلال مفتشين يبحثون عمل الطفل مع إلزام صاحب المنشأة بتوفير الوقاية والحماية من المخاطر المهنية, ومع ذلك فنحن لا نقول إننا نستطيع منعها لكن تقييمها والحماية منها مع ضرورة وضع استراتيجية خاصة لعمالة الاطفال. ويؤكد المهندس محمود إبراهيم أن الوزارة تهتم بالطفل أكثر من الرجل الكبير لأن القانون يشغل الطفل في سن14 18 سنة في24 مهنة ولا تزيد علي6 ساعات منفصلة علاوة علي أن القانون يوعي أصحاب المنشآت بهذه العمالة. أما السيد هاني هلال, استشاري حقوق الطفل وأحد المشاركين في تعديلات القانون12 لسنة96 فيري أن القانون12 سنة2003 أسوأ تشريع اجتماعي حدث في الخمسين سنة الماضية, لانه جعل العامل سلعة في السوق بين صاحب العمل والعامل ولا توجد حماية حقيقية, حيث أعطي سلطة لصاحب العمل بطرد العامل وقتما يشاء وتحديد الأجر وفقا لهواه, علاوة علي ذلك فان قانون العمل12 لسنة2003 تجاهل مسألة عمالة الاطفال حيث إن القطاع الريفي الزراعي به85% والقطاع الخدمي في المنازل77%, وعمالة الاطفال في القطاع الريفي لم تذكر في القانون2003 ولا عمالة الاطفال لدي ذويهم. ويؤكد هاني هلال أن قضية حقوق الطفل في مصر قضية جديدة تحتاج إلي وقت لإقرارها إقرارا حقيقيا والقضية الحقيقية هي كيف نحولها من مجرد كلام إلي ثقافة مجتمعية تؤثر علي المجتمع فاسوا أنواع عمالة الاطفال التي تأتي ضمن ال44 مهنة خطورة هي عمالة الاطفال في المحاجر طبقا للاتفاقية182 والتي تأتي علي رأس أولويات الخطة, ولهذا فإن قانون العمل الحالي يعد أسوأ تشريع اجتماعي ويجب اسقاطه بالفعل وأين لجان التفتيش فلدينا أكثر من2.5 مليون وحدة عمل نشأت تحت بير السلم وكلها تشغل الاطفال في الورش ولا توجد رقابة وإذا وجدت تتركز في جهة واحدة لاتستطيع المراقبة. وأثار قضية أخري هي قضية التدرج حيث إن قانون العمل قال إن عمالة الاطفال من14 18 سنة والتدرج من سن12 سنة ولكن لم يضع معايير حقيقة للتدرج فالتدرج هنا يعد بابا خلفيا لعمالة الاطفال التي بدأت اليوم من عمر الميلاد باستئجارهم للتسول ب10 جنيهات في اليوم ويليه الذي يعمل من سن5 سنوات وغيره. ويؤكد أن لجان التفتيش التابعة للوزارة لها دور, وحماية الطفل مسئولية الدولة وما علي المجتمع المدني إلا إلقاء الضوء علي المشكلات ولا يمكن أن يطرح نفسه بديلا عن الدولة. وقال إن قانون التعديلات الجديدة الذي يتم العمل فيه منذ ثلاث سنوات ويضم144 مادة تم تعديل91 مادة منها بالاستعانة بالمجلة التونسية للاطفال, وسوف يعرض علي مجلس الوزراء في نوفمبر المقبل ويناقش في أول جلسة برلمانية وتم أخذ رأي منظمات المجتمع المدني وعمل جولات علي المحافظات, ولذلك فيكون سابقة للمنطقة العربية والأوروبية لانه لأول مرة في مصر يوجد قانون به آلية لتنفيذه. موروث ثقافي مجتمعي محمود صالح مدير عام مدارس الفصل الواحد والطفل العامل بوزارة التربية والتعليم أشار إلي أن عمالة الاطفال مرتبطة بالموروث الثقافي المجتمعي, وقد تم عمل تجربة في بعض المحافظات التي تنتشر بها عمالة الاطفال وهي دمياط ويعمل بها الاطفال في صناعة الاثاث, وأهل الاطفال لا يقتنعون بعدم عمالة اطفالهم, فالطفل يأتي ب300 جنيه شهريا دخلا للاسرة ولهذا اتفقت جمعية الشبان المسلمين مع اصحاب الورش ومتابعة الوزارة بترك الاطفال لمدة ساعتين يوميا ويوم كامل في الأسبوع لفتح فصلين اليوم الواحد وابتعدنا تماما عن المقررات الدراسية الجافة ووضعنا مقررا جديدا, التعليم فيه من خلال ممارسة الانشطة وشاركت فيه اليونسكو ولبنان واعطتنا الحاسبات الآلية والفيديو ونجحت التجربة وتم تطبيقها في بني سويف والفيوم وتم طرق باب آخر مع اليونسكو هو اطفال الشوارع بالتعاون مع الجمعيات, وتدفع الوزارة المرتبات وتوفر الكتب, وهو ماأكدته السيدة سهام إبراهيم مديرة جمعية طفولتي لاطفال الشوارع في حلوان مشيرة إلي أنها قامت بالتجربة فقدمت المادة الثقافية والمادة المهنية والربح أي استخدمت العمل كحافز لمنع التسرب من التعليم مع اطفال الشوارع الذين ينتمون للجمعية. الدكتور عماد عدلي من المكتب العربي للبيئة كانت له مداخلة اخري طالب بعكس الوضع, فلدينا اطفال عاملون وشباب عاطلون فماذا يكون الحال لو عكسنا الوضع. وتقول عزة غيتة خبيرة تدريب مهني بالقوي العاملة إن التدريب المتدرج للصبية مقنن بموجب القانون137 لسنة81 ورقم12 لسنة2003 ويتدرب الطفل بموجب اتفاقية بين صاحب العمل والطفل العامل ويمثله الأم أو الاب لأنه قاصر ومفتش الحكومة وعقد العمل لايزيد علي3 سنوات لكنه يوجد تقصير في التمويل وهناك بعض المحافظات تمول نفسها وبعضها يعتمد علي تنفيذ مشروع التدريب المتدرج علي صاحب العمل وقد علمت أمريكا بهذا المشروع فاشتركت مع اليونيسيف والمنظمات غير الحكومية بتمويله بالتغذية والخبرة مصرية ومر بمرحلتين الأولي تدريب اطفال من14 18 سنة ويمر ب5 مراحل ثم ينزل الطفل لسوق العمل ويتم تدريبه ثانيا إلا أنه واجه صعوبة من صاحب العمل الذي يطفش الطفل أو يهربه من المفتشين خوفا من التأمينات الاجتماعية والمشروع الذي تنقده مقنن في الباب الثالث من قانون العمل. وطالب احد المشاركين بوضع قاعدة بيانات سليمة وواضحة عن عمالة الاطفال, حيث إن الاعداد التي تم ذكرها تقريبية ومصدرها المركز القومي للمرأة والطفل التي اخذها عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء الذي اخذها بدوره عن اليونيسيف ومنظمة العمل الدولية وغيرها, ومن أفواه الاطفال العاملين انفسهم والذين شاركوا في المنتدي الذي يهتم بقضية حياتهم. قال الطفل إبراهيم شعبان 14 عاما من جمعية أبوالسعود بالدويقة انه يعمل في ورشة لصناعة السبح وترك المدرسة لينفق علي أسرته الفقيرة, أما الطفل إسلام سعيد فيعمل في الصاغة لسبك الذهب وعمره14 عاما يتقاضي50 جنيها اسبوعيا وخرج من الصف الرابع الابتدائي لظروف الأسرة المادية, ويعول أباه المريض وأمه و6 أخوات بنات ويتمني العودة إلي المدرسة ثانية. ويقول نار المدرسة ولاجنة الشغل, أما محمد مصطفي13 سنة فيعمل مكوجيا مع عمته, وترك المدرسة من الصف الخامس الابتدائي ويقبض20 جنيها اسبوعيا, ويعطي الفلوس لعمته لا لامه وحريص علي تأجير الفسبة ليلعب بها حيث إنها كل اهتمامه. كان الملاحظ في المنتدي أن جميع الاطفال الحضور تمنوا العودة إلي المدرسة مرة أخري والاستمتاع بطفولتهم مثل باقي زملائهم, وهو ما جعل الدكتور محمد رياض ناظر مدرسة يؤكد ضرورة تغيير المفهوم الثقافي للحرفي والعامل واحترامه حيث اثبتت ثقافة المجتمع بانها بلد شهادات فشلها واصبحت قيمتها تتدهور فلا مانع من الحصول علي الشهادة مع التدريب والممارسة والخبرة, وينادي ايضا بحماية هؤلاء الاطفال العاملين بما يضمن لهم مستقلا مشرقا ولا يحرمهم من طفولتهم.