في 25 مايو الماضي خصصت صحيفة الطلبة في جامعة ستانفورد الأميركية وهي صحيفة «ستانفورد ديلي» معظم صحفتها الأولى للرئيسة الأكاديمية السابقة للجامعة، كوندوليزا رايس، التي تعتبر في اجازة مفتوحة من الجامعة لحين انتهاء عملها كوزيرة خارجية. وقال عنوان الموضوع «كوندي تتطلع للعودة، ولكن في أي دور؟». وخلال ساعات تدفقت الرسائل على رئيس تحرير الصحيفة. فقد كتب دون اورنستاين، الذي ذكرت الصحيفة أنه أستاذ شرف الرياضيات، في خطاب له «كوندوليزا رايس تخدم إدارة ألحقت الأضرار بالقيم الأساسية للحياة الأكاديمية وهي المنطق والعلوم والخبرة والأمانة. لا يجب أن ترحب ستانفورد بها». وكانت التعليقات على موقع الصحيفة على الإنترنت أكثر حادة، وشملت موجات من الانتقادات اللاذعة، إذ ذكرت واحدة من الرسائل المعتدلة وهي من شخص يدعى جون «رجاء أبق بعيدا كوندوليزا رايس. لا نريد من شخص مسؤول عن ذبح أمة بأكملها التدريس في جامعتنا». كانت هناك فترة من الزمن، إعتبرت فيها رايس، ربما أكثر من هيلاري رودام كلينتون أو باراك اوباما، أفضل مرشحة محتملة لكي تصبح أول إمرأة، أو أول أميركية إفريقية رئيسة للولايات المتحدة. غير إن ذلك كان قبل أن تثير القلق العام اعتمادا على معلومات استخبارية خاطئة لتبرير الحرب في العراق، وذلك يوم قالت لشبكة تلفزيون سي ان ان «لا نريد أن نسكت حتى يتحول دخان مسدس إلى دخان نووي.» وكان ذلك قبل أن يصف ديفيد كاي، المسؤول عن البحث عن الأسلحة غير التقليدية عقب غزو العراق في تصريحات وردت في كتاب بوب وودوارد «حالة إنكار»، رايس بأنها « ربما أسوأ مستشارة أمن قومي منذ إنشاء هذه الوظيفة.» كما أنه كان قبل أن يعلق اللبنانيون من فوق أحد جسور بيروت لافتة ضخمة لكوندوليزا رايس تقطر من فمها الدماء. وتستمر رايس،البالغة من العمر 52 سنة، في تحقيق شعبية أكثر من أي شخص آخر من كبار مستشاري بوش. ففي الشهر الماضي وضعتها مجلة «جي كيو» الأميركية على قمة أقوى الشخصيات في واشنطن، بينما اختارتها مجلة «فوربس» مرتين كأقوى إمرأة في العالم، بينما ذكرت مجلة «تايم» الأميركية بأنها واحدة من أكثر الشخصيات نفوذا أربع مرات. إلا أن الكثير من جاذبيتها تلاشى تحت ضغوط الكشف عن أحداث في إدارة بوش ولا سيما بخصوص عدم قدرتها كمستشارة للأمن القومي للتحكم بفاعلية في المعركة الدائرة بين كولن باول وزيرالخارجية السابق ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع بخصوص سياسة العراق، وهي المعركة التي سمحت هي والرئيس بوش لرامسفيلد بالفوز بها. وتبذل رايس الآن جهدا كبيرا لإعادة تشكيل إرثها في ال16 شهرا المتبقية لها في وظيفتها. وهي تتعاون مع عديد من المؤلفين الذين تجمعوا لكتابة كتب عنها: «المؤتمنة: كوندوليزا رايس وخلقارث بوش»، للصحافي في «واشنطن بوست» جلين كيسلر، الذي سيصدر الأسبوع الجاري، بينما يصدر كتاب اليزابيث بوميلر الصحافية في «نيويورك تايمز» «كوندوليزا رايس: حياة أميركية»، فيصدر في شهر ديسمبر (كانون الأول). ويصدر كتاب «الجودة المضاعفة: كوندوليزا رايس وطريقها للسلطة» لماركوس مابري، المحرر في «التايمز» الآن فيصدر في شهر مايو (مايو) المقبل. وبالرغم من أن كتابي كيسلر وبوميلر سينتقدان كوندوليزا رايس في عديد من النقاط، إلا أن المسؤولين في وزارة الخارجية أشاروا إلى انه من غير العادي بالنسبة وزيرة خارجية التعاون مع كل كتاب السيرة الذاتية هؤلاء خلال وجودها في المنصب. ولكن القليل من أسلافها تلقى كل هذه الطلبات من مؤلفين يسعون لكتابة كتب عنهم. وإلى جانب محاولة التأثير على السجلات التاريخية، فإن رايس تبذل جهدا كبيرا لإعادة كتابة إرثها ليشمل شيئا غير العراق. وقال زملاؤها وأصدقاؤها إنها قبلت اعتبار العراق بقعة لا يمكنها إزالتها قبل ترك الوظيفة، ولذا فقد تركز جهودها على دعم باقي إرثها، ومن هنا ركزت على السلام العربي الإسرائيلي، كمصدر محتمل للتكفير عن اخفاقاتها. ويؤمن العديد في واشنطن وحول العالم، ان كوندوليزا رايس بعد سنتين ونصف السنة في منصبها، أصبح أداؤها كوزيرة خارجية أفضل من عملها كمستشارة أمن قومي. وقد تمكنت باعتبارها الدبلوماسية الأولى في عهد بوش، من تخفيض التوتر بين أميركا وحلفائها، بعد أربع سنوات من الدبلوماسية الفردية التي أدت إلى توتر العلاقات عبر الاطلسي. وبالرغم من الانتقادات من المحافظين في الإدارة، فقد سمحت لمساعده المتخصص في كوريا الشمالية كريستوفر هيل، بمساحة كافية لكي يتمكن من التوصل إلى هدنة أدت إلى إغلاق كوريا الشمالية لمفاعلها النووي الرئيسي. كما جمعت جهدا دبلوماسيا لست دول للسيطرة على طموحات إيران النووية، والذي بالرغم من عدم نجاحه حتى الآن، فإنه تمكن لأكثر من عام اتخاذ موقف موحد بخصوص سلسلة من العقوبات التي فرضتها الأممالمتحدة ضد إيران. والأكثر أهمية أنها استخدمت العقوبات، بالإضافة، إلى خطاب قوي، للسيطرة على الصقور في الإدارة في مكتب ديك تشيني نائب الرئيس الذين جادلوا معها من أجل دعم خيار ضربات عسكرية ضد إيران. ولكن كل ذلك لم يكن كافيا للقضاء على وجهات النظر التي تشير إلى أنها كمستشارة أمن قومي، كانت مجرد ختم لعدد من الأخطاء في المجالات السياسية الخارجية، خلال فترة ذكر النقاد إنها ستضغط على إرثها. وقال لورانس ويلكرسون رئيس هيئة مكتب باول في وزارة الخارجية في الوقت الذي كانت فيه كوندوليزا رايس مستشارة أمن قومي «لقد أصبحت أربع سنوات كارثة من وجهة نظري». من جانبه قال ريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية في فترة باول إنه أصبح محبطا للغاية بحيث أنه توجه للبيت الأبيض ذات مرة واشتكى بصفة شخصية لكوندوليزا رايس، وإنه كان يشعر أنه في حلقة مفرغة كل صباح، «لا شيء يحل، ثم نترك العمل في المساء ونعود صباح اليوم التالي ويتكرر نفس الأمر». ولكن ارميتاج ذكر في مقابلة أن وجهة نظره بخصوص رايس قد تعدلت بعض الشيء، وقال «لقد أصبحت أكثر اقتناعا بأن الرئيس حصل على مستشارة الأمن القومي التي يريدها،ولم تكن مستشارة الأمن القومي التي أريدها أنا». وتجدر الاشارة إلى أن كوندوليزا رايس، نادرا، إن لم يكن على الاطلاق، تعتبر شخصية تتأنى التفكير، ولكن في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» هذا الشهر، اعترفت بأن أول أربع سنوات لها في إدارة بوش لم تكن أفضل سنواتها. وقالت « لا أعرف، إذا كان ذلك هو التقييم، لنني سأقبل تقييم الناس. مستشارة الأمن القومي وظيفة عظيمة لأنك قريب من الرئيس وتعمل معه، ولكنها أيضا صعبة للغاية لأن كل الأمور تتم عبر عن بعد. لا تملك أي من الودائع». وخلال اللقاء معها كانت تجلس في غرفة داخلية في مكتبها في الطابق السابع من وزارة الخارجية في المكتب الذي تجلس عليه خلال المقابلات الصحافية، وكانت ترجع للخلف وهي جالسة كما تفعل عادة، إلا هذه المرة، فقد تخلل تلك الأحاديث تذمر من انه يطلب منها كثيرا انطباعات شخصية، وهو أمر لا تحب أن تفعله، وتفضل العمل خلال فترات الاضطرابات الشخصية على البيانو وعزف برامز. وفي واقع الأمر، حسب ما يقول أصدقاؤها، فإنها نادرا ما تتساءل حول ما اذا كانت على خطأ أو صواب، وتختار بدلا عن ذلك الاعتقاد بحقيقة محددة بصورة قاطعة حتى يأتي يوم تكف فيه عنالإيمان بهذه الحقيقة، ثم تمضي قدما. وكانت رايس تتلفت خلال الحديث في الغرفة الراقية لاستقبال الضيوف التي تظهر على جدرانها لوحات للشخصيات المفضلة التي سبقتها في منصب الخارجية مثل توماس جيفرسون وجورج مارشال ودين آشسون. وقالت: «أبلغت ستيفن هادلي مرة بأنني أفضل أن يتم التنسيق بشأني وليس أن أتولى مهمة التنسيق»، وذلك في إشارة إلى المستشار الحالي لشؤون الأمن القومي، ستيفن هادلي. وقالت إن مستشاري شؤون الأمن القومي غالبا ما ينتهون إلى قضاء وقتهم في التفكير حول «دعني أرى ما اذا كان من الممكن تعيين الوزير فلان للقيام بهذه المهمة، والوزير فلان للقيام بتلك المهمة، ودعنا نرى ما اذا من الممكن ان يقوما بهذه المهمة معا». وقالت في نفس السياق إنها تفضل أن تكون المسؤوليات محددة ومرتبة، وهي في ذلك ربما تعكس أكبر شكوى من الوقت الذي قضته مستشارة لشؤون الأمن القومي من كونها تابعة وليست قائدة. تفصل بين كوندوليزا، في مكتبها الحالي في «فوجي بوتوم»، والرئيس بوش مسافة أكبر حوالي ميل مقارنة بما كان عليهالحال في موقعها السابق عندما كانت تعمل في البيت الأبيض ضمن جهاز مهمته الأساسية خدمة الرئيس. وفيما لا تزال تعمل مع الرئيس بوش عن كثب، تجلس رايس الآن على رأس مؤسسة قائمة بذاتها لها تقاليدها ومهمتها المختلفة. وخلال فترتها بوزارة الخارجية، ظهرت مجددا كمفكرة براغماتية كتبت في وقت سابق بمجلة "شؤون دولية" إنه يجب على رئيس الولاياتالمتحدة أن يتذكر أن الجيش الأميركي "ليس قوة شرطة مدنية". أما هذه الأيام، فإن طبيعة مسؤوليتها المباشرة لها مشاكلها الخاصة. فمسؤولو البنتاجون شكوا من أنها لم تف بعدد الدبلوماسيين الذي وعدت به الجهات المعنية لدعم أطقم إعادة التعمير في محافظات العراق. كما تعرضت ايضا لانتقادات بسبب تخليها عن قضيتها المفضلة في السابق وهي سعي الإدارة الأميركية لنشر الديمقراطية في منطقة الشرقالأوسط. تلاشى هذه الأيام سيل الكتابات الساخرة على شبكة الإنترنت حول المواجهة بين كوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون على الرئاسة. وجدير بالذكر أن نسبة التأييد التي تتمتع بها، وهي أعلى من نسبة التأييد التي يتمتع بها بقية شخصيات الإدارة الأميركية بمن في ذلك الرئيس بوش نفسه، تراجعت إلى 47 بالمائة في يوليو (تموز) الماضي مقارنة ب54 بالمائة في أبريل (نيسان) 2005، كما لم يعد هناك كثيرون يتحدثون حول "رئاسة كوندوليزا". كوندوليزا نفسها تنفى أن يكون لديها أي اهتمام بالمنافسة على كرسي الرئاسة، وتقول في هذا السياق إنها تعتزم العودة إلى ستانفورد عندما تنتهي فترة عملها في الاإدارة. إلا أن العودة إلى ستانفورد لها مشاكلها أيضا. ويقول مدير جامعة ستانفورد، جون هينيسي، الذي خلف كوندوليزا كرئيس كلية عام 1999، إنها "كمفكرة ستكون على ما يرام، ولكن هناك كثيرون غير راضين عما فعلته كوزيرة للخارجية"، وأضاف قائلا إن البعض سيقول إنه لا ينبغي أن يسمح لها بالعودة إلى الجامعة، إلا أن ذلك ليس موقفا شرعيا أو قانونيا، على حد قوله. وكانت رايس قد «توعدت» بأنها ستكتب مذكراتها، إلا أن اصدقاء شككوا في أن تعد نصا يتضمن الاشارة بأصابع الاتهام إلى أي شخص مثلما فعل جورج تينيت وغيره من مسؤولي الإدارة الأميركية في الآونة الاخيرة. وقامت رايس خلال العام الحالي بأربع زيارات إلى اسرائيل والأراضي الفلسطينية وتعتزم العودة مرة أخرى الشهر المقبل. وظلت في رحلات مكوكية بين رام الله والقدس وعمان بحثا عما تطلق عليه "أفق سياسي" للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. يضاف إلى ما سبق انها عقدت ستة اجتماعات خلال هذا العام بين رئيس الحكومة الاسرائيلية، ايهود اولمرت، والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأعربت في هذا السياق عن اعتقادها في انهما اذا استطاعا التوصل إلى نقطة تشكل فرصة معقولة لتحقيق مصالحة عربية-اسرائيلية، فإن ذلك سيكون خطوة كبيرة للأمام، وأضافت قائلة: إن هذا أمر ممكن. وقال لاري داياموند، المستشار السابق لسلطات الاحتلال الأميركي في بغداد عام 2004، إنه من الممكن ولكنمن غير المرجح أن تغير رايس سجل التاريخ خلال ما تبقى لها من فترة زمنية في موقعها الحالي. وأضاف قائلا إنها إذا تمكنت من أن تأتي بحل سحري للمسألة الفلسطينية والتوصل إلى تسوية سياسية في العراق، فإن ذلك قد يساعد جزئيا على انقاذ ارثها السياسي. لكنه أضاف قائلا إن الولاياتالمتحدة إذا واصلت السير في نفس الإتجاه الواضح الآن، فإن فترة عملها كوزيرة للخارجية ستكون مثار سخط واستياء. رايس قالت من جانبها إنها لا تركز على إرثها السياسي. ففي صباح اليوم الذي أجرت فيه "نيويورك تايمز" المقابلة معها، كانت رايس عائدة من جولة إلى دار الوثائق الوطنية، التي تقول إنها طالما رغبت باستمرار في زيارتها. وقالت إن بدء صباح ذلك اليوم بالإطلاع على "إعلان تحرير الرقيق" و"إعلان الاستقلال" و"الدستور" أعطاها بعدا آخر للنظر إلى الإرث السياسي، لكنها قالت أيضا إنها غير قلقة على إرثها السياسي. وذكرت رايس ايضا إن زيارتها الأخيرة إلى كامب ديفيد إلى جانب الرئيس الأفغاني حميد كرزاي جعلتها تشعر بالارتياح وذكّرتها بأن السياسات الأميركية ساعدت على نشر الديمقراطية والاعتدال في أماكن مثل افغانستان. واستطردت قائلة: "شاهدت الرئيس يقف أمام العلمين الاميركي والأفغاني وفكرت في أنه اصبح ممكنا أن يقف الرئيس الأميركي أمام العلمين الأميركي والعراقي، والأميركي واللبناني، والأميركي والفلسطيني. تأملت في المساعدة في تحقيق هذه التغيرات خلال ست سنوات، حتى إذا لم تكن هذه التغيرات مكتملة وحتى إذا كانت صعبة وحتى إذا كانت هناك مهام لم تنجز بعد- فقط أنظروا إلى هذه الصورة. هذه تغييرات دراماتيكية." وأكدت رايس انها تتطلع إلى العودة إلى التدريس في جامعة ستانفورد، حيث تأمل في التفاعل مع الطلاب والطالبات وتحديهم والاستماع إليهم وربما تعليمهم أشياء حول ما يشعر به الشخص عندما تنفجر أزمة تتعلق بالأمن القومي ويكون في موقع القيادة،وذلك بطرح مشكلة أمامهم للحل في إحدى بؤر النزاع في العالم ثم تطلب منهم بعد أسبوع أن يتخيلوا أنفسهم في موقع مستشار أو مستشارة الأمن القومي ويطرحوا حلا للمشكلة التي عرضتها عليهم. إلا أنها تقول: "على نحو مفاجئ، لا تبدو المسائل سهلة."