"الاسكتلنديون جنبوا أوروبا عواقب خطيرة".. تعليق جاء على لسان رئيس وزراء اسبانيا " ماريانو راخوي Mariano Rajoy "، وكان من ابرز ما قيل فى اعقاب ظهور نتائج استفتاء اسكتلندا، ورفض مواطنيها الانفصال عن المملكة المتحدة. بالفعل يعتبر الكثير من المحللين أن قرار الاسكتلنديين ضد الاستقلال في استفتاء الامس، أدى إلى تجنب عواقب خطيرة، من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية على كامل اراضى " اوربا".. حيث كانت موافقة الاسكتلنديين على الانفصال ستفتح الباب لما امام العديد من الحركات الانفصالية للمطالبة بحق تحديد المصير و الانفصال باقاليم بعينها عن البلاد التى تتبعها حاليا فيما يشبه الخبراء" ببلقنة اوربا" اى اعادة تقسيمها و رسم حدودها على غرار ماحدث اثر تفكك يوغسلافيا ودول البلقان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وبالطبع كان رئيس وزراء اسبانيا ممن كانوا يخشون بشدة نتائج التصويت فى اسكتلندا بالموافقة على الانفصال ، فلديه " اقليم كاتلونيا " الواقع بشمال شرق البلاد ، ويرفع الكاتالونيون راية الاستقلال و يبغون حق تقرير المصير" .. لكن على خلاف لندن، يمكن لمدريد الاستناد الى الدستور الذي أقر في استفتاء شعبي بالمملكة ،والذى يدحض مشروعية الاستفتاء الذي يرغب الاستقلاليون من كاتالونيا في تنظيمه في 9 نوفمبر المقبل. . و هناك ايضا ازمة اقليم " الباسك "، والذى رغم تلاشي العنف الانفصالي به ، الا ان حركة القوميين القوية ذائعة الصيت في إلاقليم الواقع شمال إسبانيا وجنوب غرب فرنسا لاتزال الرغبة لدىها متأججة نحو الاستقلال ، وتخوض منظمة إيتا -المصنفة من مدريد كجماعة إرهابية- كفاحا مستمرا منذ نصف قرن من أجل إقامة دولة باسكية. والامر لا يقف عند بريطانياواسبانيا ، فقد كانت موافقة الاسكتلنديين على الانفصال ستدخل اوربا حلقة مفرغة من عدم الاستقرار ، وتضع على المحك بقاءدولة مثل " بلجيكا " موحدة فى ظل تصاعد الخلاف بين الفلامنكيين والفرنكوفونيين الذى تصاعد مؤخرا بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية وإجراءات التقشف ، حيث أصبح "الفالاندر" الأثرياء بشمال بلجيكا غير راغبين بمواصلة تقاسم الأعباء المالية مع مواطنيهم الفقراء سكان إقليم "الوالون" الجنوبي، وقد أوضح القوميون الفلمنكيون أنه إذا تمكنت أسكتلندا من الانفصال والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الناتو، فسيلحقون بها. وهناك "إيطاليا " وهى ليست في منأى من عدوى حركات الانفصال ، فهناك سكان إقليم صقلية ( وهى جزيرة تقع جنوب البلاد) الموشك على الإفلاس، الذين اصبحوا مقتنعين بأن انتشار الفقر والفساد والجرائم المنظمة للمافيا سيقود إقليمهم لحرب أهلية لن يمكن تجنبها إلا بالاستقلال عن روما. هناك اقليم " فينيتو" شمالى شرق ايطاليا الذى تعتبر مدينة البندقية عاصمته ، حيث يريد دعاة الاستقلال إقامة دولة جديدة تضم البندقية والمنطقة المحيطة بها بما في ذلك منطقة "فينيتو" وأجزاء من منطقة "لومباردي وترينتينو" ومنطقة "فريولي فينيسيا جوليا " التي تقع على الحدود مع سلوفينيا والنمسا. كما تواجه ايطاليا ايضا شبح انفصال جزيرة "سردينيا" ومنطقة "التيرول الجنوبية" الناطقة بالألمانية والتى تتمتع بالحكم الذاتي،وتم ضمها إلى إيطاليا في نهاية الحرب العالمية الأولى، تريد الانضمام للنمسا. وفى فرنسا ، شكّلت جزيرة "كورسيكا" الفرنسية المتوسطية مصدراً دائماً لأوجاع الرأس لدى الحكومات الفرنسية المتعاقبة على رغم حجمها الجغرافي والديموغرافي المحدود 250 ألف نسمة الذين يسعون منذ عقود للانفصال بالجزيرة . وهناك حركة "سافويان " التي تدعم إستقلال إقليم سافوي الواقع بجنوبفرنسا ، يبلغ تعداد سكانه 405 الاف نسمة تقريبا ، والذين يرون انهم لا ينتمون الى فرنسا. لذا فان استفتاء يوم امس ، لم يكن اطول يوم فى حياة الاسكتلندين فقط ، بل فى حياة و مستقبل اوروبا واتحادها ، وقد علقت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية بانه إنه إذا ما تحققت رغبة الحركات الإنفصالية فى اوروبا فستعود القارة العجوز مجددا إلى العصور الوسطى.. وترى الصحيفة ان في إيطاليا وفي بلجيكا وفي جميع المناطق الأوروبية تعددت المطالبة بالاستقلال في ظل الأزمة الأوروبية. وهذه المطالبات الانفصالية يمكن إرجاعها للوضع الاقتصادي: فالبعض يطلب الاستقلال المالي، والآخرون يطلبون الحق في عدم دعم الدول المجاورة الأقل ازدهارا. لقد جمدت الحرب الباردة خريطة أوروبا نحو 30 عاما غير أنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتى وسقوط حائط برلين ظهرت دول جديدة واستعادت دول قديمة وجودها من خلال حروب دموية في البلقان غير أن معظمها ظهر سلميا في منطقة بحر البلطيق ، وفي كثير من الدول الاوروبية حصلت أقاليم على مزيد من السلطات على حساب الحكومة المركزية. ويرى المحللون ان اكبر خطر يواجه اوربا و وحدتها حاليا هم " القوميون " الذين كما اتضح من نتائج انتخابات البرلمان الاوروبي الاخيرة التي كانت نسبة التصويت فيها كبيرة للأحزاب المناهضة للاتحاد الاوروبي في كل من بريطانياوفرنسا والنمسا وهولندا ، بينما تعتبر حركات الاستقلال و الداعمة للانفصال في مناطق كما فى اسكتلندا وكاتالونيا في الوحدة الاوروبية سبيلا للهرب من نير الحكومات الوطنية ، وهي تريد مقعدا خاصا بها على موائد الاتحاد الاوروبي دون الحاجة للوسطاء في كل من لندن ومدريد