في مثل هذا اليوم ولمدة عشرات السنين وحتي سنوات قريبة جداً كنت أبدا رحلة البحث عن هدية عيد الأم. في النصف الثاني من عمري كنت أبحث عن هديتين واحدة لأمي وواحدة لحماتي، وأرجو أن يسامحني الله وأن تسامحني أمي وحماتي وكل الأمهات، كانت مهمة البحث عن الهدية من أثقل المهام علي نفسي. أكره أغنية «ست الحبايب» وأشعر بأنها أغنية كئيبة كتبها شاعر فقد أمه مبكراً، ولحنها وغناها «عبدالوهاب» بطريقة من ينتظر سماع خبر وفاة أمه الراقدة في الرعاية المركزة، «لو كان فيه علي أيامهم رعاية مركزة». أما «فايزة أحمد» ف «بتنوح» كما قالت عنها «نعيمة عاكف» في فيلم «تمر حنة»، أسباب كثيرة عرفتها تدريجياً ولا أحب أن أكتبها.. حتي الآن.. ربما فيما بعد جعلتني أعيش طفولة يخيم عليها ذعر حاد من أن تموت أمي وتتركنا أطفالاً ويتزوج أبي وتعذبنا زوجته!!. هذا الهاجس بالنسبة لطفلة ليس مضحكاً إنه مؤلم.. وقد كان كذلك بالنسبة لي كطفلة وكمراهقة.. وظل يلقي عليَّ بظلاله المؤلمة حتي بعد أن ماتت أمي، مازلت أري في الحلم أمي تموت، وأصحو مفزوعة!!. السنوات القليلة التي شعرت فيها بسعادة الاحتفال بعيد الأم علي عكس الكثيرات هي السنوات التي كنت اصطحب فيها ابنتي الطفلة وننزل عند «جاليري خالد» المحل القريب من بيتنا ونختار هدايا عيد الأم للمدرسات، هدايا بسيطة رخيصة مبهجة. تصر ابنتي علي أن تختار هدية «مس هالة» المدرسة المفضلة لديها بنفسها وتتركني أتدخل في باقي الاختيارات. في هذه السنوات أيضاً كانت ابنتي هي التي تقوم بالنيابة عني وعن أبيها بتقديم هدايا عيد الأم للجدات.. فتحولت المهمة الثقيلة إلي احتفال حقيقي بالبراءة. كبرت الطفلة.. وربما تشعر الآن بمثل ما كنت أشعر به من ثقل مهمة شراء هدايا، وماتت أمي وحماتي.. وأصبح عيد الأم بالنسبة لي الآن مناسبة لذرف الدموع. في كل المواقف التي تتطلب البكاء تعاندني دموعي إلا في هذا اليوم تتكرم عليَّ بمنتهي السخاء، الغريب أنني مازلت أكره هدايا عيد الأم رغم أنني الآن أتلقي الهدايا ولا أقدمها، مازلت أشعر بأنها مهمة ثقيلة.. حتي في استقبالها.