على الرغم من أن الرئيس محمد مرسى وعد بأن يكون الدستور توافقيا، فإن ما شهدته مصر أمس، يؤكد أن التوافق ضرب من الخيال، حيث تحول مبنى مجلس الشورى، الذى شهد التصويت على المسودة النهائية من الدستور إلى ثكنة عسكرية محاطة بمئات الجنود وضباط الأمن المركزى لتأمين عملية التصويت بشكل كامل. ومع بدء توافد الأعضاء على المبنى، عززت قوات الأمن من وجودها وأغلقت جميع المداخل المؤدية إلى بوابات مجلسى الشعب والشورى وشددت من إجراءات التفتيش وغيرت مسارات السير فى محيط مبنى البرلمان بحيث لا يُسمح بالمرور إلا لسيارات أعضاء الجمعية التأسيسية لأداء مهمتهم.
قوات الأمن لم تكتف فقط بتعزيز وجودها بل أغلقت بعض المداخل المؤدية إلى المبنى بالحجارة وزادت من تأمينها بوقوف عشرات الجنود خلفها ثم تطور الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك، حيث أغلقت أبواب المبنى نفسها، وأبقت على بوابة واحدة فقط محاطة بسياج حديدى كامل مع تفتيش دقيق لجميع الحضور من الأعضاء أو العاملين بالمبنى تحسبا لعدم دخول أى شخص غير مرغوب فى حضوره.
خارج المبنى كانت هناك 12 سيارة أمن مركزى فى الانتظار وعلى أهبة الاستعداد للتحرك فى مواجهة أى طارئ يمكن أن يعكر صفو عملية التصويت، وعلى الجانب الآخر شهد شارع الكورنيش تظاهر المئات من الشباب المعترضين على عمل الجمعية التأسيسية والتصويت على الدستور.
وكان الرئيس مرسى قد قال فى خطابه الشهير فى التحرير، يوم أن فتح سترته مؤكدا أنه لا يخاف قال «أنا رئيس لكل المصريين والدستور القادم سيحقق آمال هذا الشعب العظيم سيأتى بالتوافق والمحبة»، ومن هناك من أمريكا تحديدا فى سبتمبر خلال حضوره مؤتمر الأممالمتحدة جاء تأكيد ثالث قال فيه «إن مصر ستشهد استقرارا تبدأ معه مرحلة البناء وأولى الخطوات هى دستور توافقى».
ورغم هذا استمر الرئيس على وعوده الباهتة، ففى اجتماعه يوم 21 نوفمبر مع وفد الكنيسة الأرثوذكسية برئاسة الأنبا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عقب انسحاب ممثلى الكنيسة من «التأسيسية» اعتراضا على طريقة الغريانى المستبدة فى إدارة جلسات المناقشة الأخيرة، قال لهم الرئيس المنتخب «حقوق المصريين جميعا أمانة فى عنقى، ولن أقبل مطلقا بأى تمييز ضد أى مواطن، وعلينا أن نتكاتف من أجل الوصول إلى توافق حول دستور مصرى يفتح أبواب المستقبل فى أسرع وقت ممكن».
أستاذ العلوم السياسية الدكتور عمرو حمزاوى علق قائلا «رئيس الجمهورية مع بالغ الأسف، وأقول للأسف، لأنه رئيس منتخَب، سعى لكل ما يمكن أن يقوم به مسؤول خلال مرحلة انتقالية ليتحول من رئيس لكل المصريين إلى رئيس للجماعة، فقد طلبنا من الرئيس مرارا إعادة التوازان لتشكيل (التأسيسية) ولم يفعل، والآن رغم الوعد الذى قطعه على نفسه بأنه لن يدفع بدستور للاستفتاء إلا اذا كان توافقيا فها هو يفضل سياسة الاستقواء». حمزاوى أضاف أن ما يتم إعداده حاليا دستور يمنح القوات المسلحة وضعية خاصة وينشئ مجلس دفاع يجعل له سلطة فوق سلطة البرلمان، وغيرها من المثالب الشديدة، والدفع بهذا الدستور للاستفتاء يضع كل المصريين فى أزمة حقيقية، مشيرا إلى أنه ما زالت أمام الرئيس فرصة تاريخية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال طرح المسودة التى ستصل إليه على لجنة قانونية مستقلة تعطى رأيا حولها، مضيفا «لكن للأسف لا أعتقد أنه سيفعل ذلك، لأنه لا يملك الإرادة السياسية لذلك».
«طوال الوقت الرئيس لا يلتزم بأى كلمة يقولها ويعود عنها»، هكذا قال أحمد كامل الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ل«التحرير»، مضيفا «لا غرابة أن يعود عن وعده بالتوافق فى كل مرة، فما تأكد الآن أن كل خطاب توجه به للشعب كان فى الحقيقة موجها للإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الإسلامية، التى تحشد له وبقوة من كل المحافظات، موضحا أن الشعب بالنسبة إليه هو من ذهب لتأييد إعلانه الدستورى أمام الاتحادية، وهو من يعد الصياغة النهائية لهذا الدستور، وبهذا يكون حقق التوافق الذى يتحدث عنه، توافقا بين بعضهم البعض، أما باقى الشعب المصرى غير مطروح فى حديثه».
كامل أضاف أن مرسى سيستمر فى تجاهل القوى السياسية حتى يحقق النفور الشعبى الكامل منه، فهو يتناسى أنه أقسم اليمين على أن يكون رئيسا لكل المصريين لا لجماعته ومبادئها وأفكارها