.. كدت أضحك.. فبكيت!! بكيت لما أَلم منذ ساعات بقلب طلعت السادات «الطيب» .. ما كاد يضحكني هو حجم التشابه الرهيب بين ما تعرضت له يوم 29 من يناير 2005 أثناء عملية رفع الحصانة عني، وما تعرض له زميلي وصديقي طلعت السادات منذ أيام!! عندما تقرر تجريده فوراً من حصانته بذات الطريقة الهزلية، التي لم يشهدها التاريخ المصري البرلماني إلا في حالتي، وحالة محمد أنور السادات، وأخيراً.. طلعت السادات!! .. ما أبكاني ومنعني من الضحك، أو حتي الابتسام هو مصر! مصر التي باتت غير عصية علي أي صاحب سلطة وهوي، يفعل بها ما يشاء بلا سقف أو حد أو قيد أو عقل!! .. القصة باختصار، تؤكد أننا عدنا لعهد مراكز القوي، حيث كافياً جداً لتدفع الثمن، أن تكون علي خلاف مع أحد هذه المراكز، التي تنصاع لإرادتها ورغبتها، وشهوتها في الانتقام جميع مؤسسات الدولة!! .. طلعت السادات- علي الأقل في السنوات الأخيرة- لم يدخل في صراع مباشر، مع رأس النظام، ولا حتي نجله، وكان حريصاً- منذ سجنه الأول علي أن يؤدي دوره كنائب معارض، وكمرشح لموقع نقيب المحامين دون الدخول في الدائرة الحمراء، إلا أنه لم يخف يوماً موقفه من وزارة الداخلية، ووزيرها حبيب العادلي!! لم يكن طلعت يدرك أنه بهذا دخل الدائرة الحمراء من بابها الخلفي!! .. ربما لم يكن طلعت يعرف، أو يصدق أن حبيب العادلي وصل من القوة بين ضعفاء النظام أنه يستطيع أن يحول أحلامه إلي أوامر، شأنه شأن الكبير ومن حوله من الأسرة! .. حبيب العادلي بات هو المنوط به تحديد قائمة خصوم الرئيس والنظام أو أنصاره!! هو الذي يعطي ويضع ختم السلخانة علي جسد أي مصري تمهيداً لذبحه، وسلخه أو إعدامه وهو أيضاً الذي يعطي صكوك الغفران والعصيان، وهو بهذه الصفة صاحب الكلمة الأولي التي لا تعرف حصانة أو برلمانًا، نيابة أو قضاء بعد أن بات هو القضاء والقدر. .. مشكلة مصر الكبري الآن ومنذ سنوات أنها تحولت من دولة بوليسية إلي دولة البوليس!! الجامعات، النقابات، الأحزاب، النيابات، البرلمانات، الحكومات، الوزارات، المحافظات، وغيرها وغيرها جميعًا باتت مجالات نشاط لمباحث أمن الدولة، حيث يوجد في كل من هذه الجهات ضابط أو أكثر من هذا الجهاز، كلمته هي الأولي والأخيرة. .. وزير الداخلية الحالي لم يمثل لمرة واحدة أمام البرلمان ليجيب عن آلاف الاستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة التي توجه له، فهو مثل الرئيس سلطة بلا رقابة !! أو بالأصح فوق الرقاب والرقابة، والويل كل الويل لمن يحاول أن يحاسب الرجل أو أن يعُمل عليه أحكام الدستور والقانون. .. وطلعت السادات قالها بوضوح إن مشكلته ليست مع الرئيس، لكنها مع من حوله!! ولكنه لو أراد معرفة الحقيقة فمشكلته ليست مع من حول الرئيس، بل تحديدًا مع وزير الداخلية الذي لا يتسامح في حق نفسه أبدًا ولا يفرط في فرصة يثبت فيها لنفسه ولمصر أنه هو الذي لا ترد له كلمة ولا يحده حد ولا يقف في وجهه مصري إلا ويسجنه أو ينفيه. طلعت السادات ضحية جديدة لتغول الأمن في شتي مجالات الحياة في مصر. .. علاقة طلعت المتميزة بسرور وببعض رموز النظام لا تشفع له، ولم تمكنهم من الانتظار علي طلعت السادات أو علي التعليمات الصادرة عن العادلي. .. قديمًا كانوا يقولون «مصر هبة النيل» واليوم «مصر هي هبة حبيب العادلي». .. قلبي ينفطر علي طلعت السادات وقبله علي مصر التي اختزلت في شخص حبيب العادلي.