تتدهور تصريحات الرئيس انفعالا وتزداد عصبيته وتتوتر خطبه وتفتقر إلى التوازن المفترَض فى خطاب رئاسى، حيث يدافع الرئيس عن نفسه وجماعته بأفكار تتعجب وتحوقل وتحسبن وأنت تسأل: هل هذه هى أفكار الرئيس أم أن أحدا يفكر له (هذا إذا كان هناك أصلا مَن يفكر)؟ فالخطاب الذى ألقاه الرئيس مرسى فى أسيوط مثلا أول من أمس، وبعيدا عن توتره الذى يكشف عن ضغوط أثقل من تحمُّل الرئيس، كان درسا مذهلا فى التفكير الغرائبى، بل والعبثى، وإذا مشت مصر كده شهرا أو اثنين آخرين فالذى ينتظرنا أسوأ مما نتوقع. الرئيس لا فُضّ فوه ولا حرمنا من ارتجال خطاباته التى تعبّر عن عناده وعصيانه على النصيحة، فالارتجال يبقى محلا للفخر لو كان من خطيب فى صلاة جمعة أو لناشط فى مظاهرة، لكن عندما يكون الرئيس مرتجلا فهذا لا يعنى إلا عشوائية التصريحات وتفلُّت الكلمات وانزلاق الأوصاف والمعانى المبتورة، وسندفع كلنا ثمن هذا قريبا حين يتورط مرسى فى ما لا يجب أن يُقال.
عموما قال الرئيس إنه فتح حسابا، وأخبرنا برقمه واسمه (نهضة مصر)، وها نحن قد بدأنا الشحاتة من أولها، ويذكرك هذا بالتبرع لسداد ديون مصر، ويعيدك إلى الشيخ محمد حسان ودعوته (مجهولة المصير والخزينة) لجمع أموال تغنينا عن سؤال اللئيم، وعن المعونة الأمريكية، لكن المذهل هنا هو الرئيس حين يقترح على الفاسدين أن يتطهروا بالتبرع أو إيداع أموال فى هذا الحساب، كأن الرئيس لم يلتقط أبدا وهو يتكلم بهذا الاقتراح البائس أنه هكذا يَصِمُ كل من سيودع مالا فى الحساب بأنه فاسد يتطهر. وكيف غاب عن الرئيس -وهو رجل يحمل الدكتوراه- أن أى شخصية سوف تفكِّر مليون مرة قبل أن تودع مالا فى حساب فيشكّ الناس فى فسادها وأن الرجل جاى هنا يتطهر؟!
حتى المنافقون الذين يقفون على أهبة الاستعداد، كما فعلوا فى كل عصر، للتبرع نفاقا، وقد فعلوها من قبل مع مبارك ومشروع حرمه وجمعيات ابنه، سوف يترددون فى النفاق هذه المرة خشية أن تعرف الصحافة فتشوِّش عليهم أو يلتبس الأمر عند الرئيس مرسى ومحيطيه، هل هذا نفاق أم تطهُّر، ثم إن الفاسدين يستطيعون التطهر بأساليب كثيرة استعدادا ليوم الحساب بعيدا عن حساب السيد الرئيس.
السؤال هنا: ولماذا يلجأ الرئيس إلى هذا الأسلوب الذى يليق بجمع التبرعات لإغاثة غزة والصومال لا بدولة بحجم وقيمة مصر؟ وما الذى سيقوله العالم ودوائره المالية عن رئيس يجمع تبرعات من شعبه ومن فاسدى شعبه للنهضة؟ وما الذى يمكن أن يجمعه حساب مثل هذا كى ينفق على نهضة مصر كده مرة واحدة؟
الأنكت هو: مَن سيراقب هذا المال ويطمئن إلى إنفاقه؟ ومَن فتح الحساب، الرئاسة أم الحكومة؟ ومن سيصرف هذه الفلوس؟ وإمتى؟ هل مع كل جنيه يدفعه مواطن أم لما تصل الودائع إلى مليون أم اتنين مليون أم تلاتة؟ وهل تم فتحه بقرار أم بقانون؟ وما الضمان أنه لن يكون حسابا لغسل أموال البعض؟
يبقى الأمر إذن تكرارا لتهريج قديم بخيال سياسى سقيم لا يملك جديدا ليقدمه.
أما تصريح الرئيس بأنه سيدعو الشعب لثورة ثانية فهذا يبلغ به الرئيس قمة الارتجال المؤذى والمُعدِى، فحين يقول الرئيس إنه قد يحتاج يوما إلى دعوة الشعب لثورة ثانية، فكأنه يعترف بفشل سياسته وبعجز إدارته عن تحقيق أهداف الثورة حتى إنه يطلب من الشعب أن يثور. ولكن ضد مَن يا سيدى الرئيس؟ عايز الشعب يثور ضد مَن؟
يقول الرئيس إنها ثورة ضد الفساد والفاسدين، ولكن محاربة هؤلاء يا سيدى الرئيس مهمة الأجهزة الرقابية والأمنية، ومهمة سعادتك، فهل الفساد بسرعة جدا ظهر مثل عدو أو خصم فشلت معه ولا تملك مواجهته وعايز الشعب يخلّص لك حقك؟ إن أعجب العجائب حين يدعو رئيس شعبه للثورة، وهو شىء لم نرَه من أى رئيس فى العالم اللهم إلا الرئيس الأخ القائد معمر القذافى فى تجلياته المشهورة.