أشعر أثناء العاصفة أنني أصبحت قَزَما، وأستشعر الضآلة في حياتي والضعف في عمري، كلما انهمرت زخات المطر من السماء، وكلما ارتفع صوت الرياح العاصفة، ويترسخ يقيني بأن كل ما على الأرض وكل ما في السماء رهين بقبضة الله سبحانه وتعالى.. وما هي إلا واحدة كلمح بالبصر. الإعصار ساندي؛ كما أسماه الأمريكان؛ يهب بقوة عجيبة رهيبة، بعد أن اجتاح البحر وجزائره؛ اجتاح أمامه في الشرق الأمريكي كل شئ، الأشجار والبيوت واللافتات والإعلانات وكل مظاهر الحضارة، وأغرق بأمطاره وفيضانات أنهاره الشوارع والحقول والسواحل والموانئ، ونشر بهجومه الرعب والفزع في النفوس، وأثبت لمن يظن في نفسه القدرة على هزيمة الطبيعة، أو على تحمل غضبة الرياح العاتية، أن الإنسان على هذه الأرض.. لا شئ أكثر من جناح بعوضة !
إنها – لا أراكم الله – ساعات عصيبة، حين تتبادل دقات قلبك وصوت الرياح علو الصوت، وكلما اشتد هبوب الرياح؛ تنخلع الضلوع مع انخلاع الأشجار العملاقة من جذورها، لتلقى كفسائل في عرض الطريق، والأمطار الغزيزة تسقط وتغرق الشوارع والحدائق والمراكز التجارية والبيوت، والبرد يكاد يقص عظام الناس.. والموقف كله يدعو للرثاء والدعاء من الناس، والعمل الجاد والإغاثة من الرؤساء والحكومات ومراكز البحث والاستقصاء والأقمار الصناعية والعلماء، وهؤلاء أثبتوا للعالم كله أن الأقمار الصناعية عندهم ليست (كالنايل سات)، لبث الغث من المسلسلات والبرامج التافهة، وإنما هي للتصوير والمتابعة وتحديد المسار والتوقيت بدقة متناهية، تم على أساسها إفراغ المدن وتسكين الناس، وتوفير احتياجاتهم الطارئة مدة مرور الإعصار، فلم يقض في ثلاثة أيام إلا سبعون شخصا..
هل تذكر حضرتك كارثة العبارة ؟ خمسون وثلاثمائة وألف مواطن مصري قضوا في حادث غرقها !
وسط ذلك كله؛ هالني ما قرأت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من عبارات الشماتة، وأحيانا الفرحة فيما أصاب الولاياتالأمريكية من جراء إعصار (ساندي)، وكأن خراب بيوت الأمريكان هو نصر من الله أنعم به على الشامتين والشاتمين، ومنّ به على عباده المؤمنين..!
إن إعصارا بقوة إعصار (ساندي)، إن أصاب مصر – لا قدر الله – سيذرها في ساعات قاعا صفصفا كأن لم تكن بالأمس، فهل يظن الشامتون أن مصر أو بلاد العرب كلها بمنأى عن هذا الابتلاء ؟ إننا في مصر إن أمطرت السماء علينا ساعتين، تجد عناوين الصحف صباح اليوم التالي: (وغرقت القاهرة في شبر ميه).. وزلزال بقوة 5 أو 6 ريختر ستنهار في أعقابه نصف البلد، وبدلا من أن نتعلم من الأمريكان كيف نواجه تلك الكوارث أو نستفيد من خبراتهم في إدارة الأزمات؛ نجد من يدعو عليهم بالهلاك، وبأن ينزل الله بهم البلاء، ونسمع من يقول في بعض القنوات إن إعصار ساندي هو عقاب إلهي ! وهل حددت أنت مسار العقاب الإلهي ؟ للشعب الأمريكي ؟ أم لقادة أمريكا ؟ أم للسي آي إيه ؟
يجب أن يعلم هؤلاء الشامتون الشاتمون، أن قسوة الطبيعة وكوارثها هي من طبيعة الحياة على هذه الأرض، ولا تخلو بقعة من بقاعها من هذه الكوارث أو تلك، عندنا في مصر مثلا؛ ابتلانا الله تعالى بندرة الأمطار خمسة عشر الأعوام السابقة، فجفت أودية الصحراء الشرقية، وتقلصت أراضي المراعي في شمال البلاد وفي سيناء.. فهل نعتبر هذا عقابا إلهيا للمصريين ؟ وفي بلد كالصومال وجيبوتي، تقل الأمطار حتى يصرخ الشعب من الجفاف، ويعاني فقراء أفريقيا من المجاعة، ويموت الكثيرون، فهل نعتبر هذا عقابا إلهيا لهؤلاء المساكين المعدَمين ؟ وإن قلّ منسوب مياه النيل في مصر نتيجة لهذا الجفاف، أو إن فاض النهر؛ هل نتوقع أن يفرح فينا الأمريكان ويشمتوا فينا ؟
إن الكوارث الطبيعية من العواصف والنوات والرياح القوية والأعاصير، والزلازل والمد العاتي (التسونامي) والفيضانات والبراكين، كلها من مخلوقات الله تبارك وتعالى، وتتبع سننه في خلقه، تماما كالرزق، فالله يرزق المؤمنين به ويرزق الكافرين، فهي إذن سننه تبارك وتعالى يسيرها كيف يشاء لمن يشاء وعلى من يشاء وقتما يشاء.. أما الشامتون في إعصار أمريكا بخاصة، وفي كوارث الغرب عامة، فهم من استطاروا فرحا يوم ادّعى بن لادن أنه انتصر في غزوتي نيويورك وواشنطن في 2001، فاعترف بقتل الأبرياء في برجَي التجارة، تماما كما طُلب منه، وألصق تهمة الإرهاب بالإسلام، والإسلام منها براء، وصفق له الجهلاء والمغيّبون، وسمّوا بن لادن (شيخ المجاهدين)، واعتبروا ذلك العمل الجبان نصرا على الكفار والمشركين الأمريكيين !
إننا نحتاج إلى مراجعة تصرفاتنا، وإعادة توجيه مشاعرنا، فالعالم الآن يضحك علينا ويسخر منا عقليات المتحدثين في قنواتنا، وما من سبيل إلى ذلك إلا التوسل بالعلم الذي نتسوله من الأمريكان الذين يتمنى الشامتون المغيَّبون هلاكهم ! إسلمي يا مصر.