حكم محكمة القضاء الإدارى بإحالة دعاوى حل الجمعية التأسيسية -برئاسة الغريانى وبرعاية جماعة الإخوان- إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية القرار بالقانون رقم 79 لسنة 2012 الذى أصدره الرئيس محمد مرسى لمنح «تحصين» ل«التأسيسية» الثانية بعد حل «التأسيسية» الأولى.. يُدخِلنا فى متاهات جديدة من الفشل. فلم تكن المرحلة الانتقالية فى حكم العسكر فاشلة فقط.. بل أدت إلى ما نحن فيه من خلل تشريعى وحالة تعطيل للانتقال إلى مرحلة جديدة لتحقيق أهداف الثورة من بناء مجتمع مدنى ديمقراطى يليق بهذا الشعب الذى ثار ضد الاستبداد والطغيان.
وزاد من حالة الفشل أداء الرئيس محمد مرسى وجماعته ومحاولته تمكين جماعته وإخوانه على حساب مستقبل هذا البلد.. وتحقيق أهداف الثورة.
فبدا الرئيس محمد مرسى رئيسًا لجماعة الإخوان، لا رئيسًا للمصريين جميعا، فعمل لصالح الجماعة وتحقيق مصالحها لدرجة جعلته يدخل فى صدام مع القضاء كما جرى مع المحكمة الدستورية ومحاولته إعادة مجلس الشعب «المنحل» بقرار منه.. وكذا محاولته عزل النائب العام.
ولم ينفِّذ الرجل وعوده بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية حتى تُحقِّق التوافق الوطنى عليها بعد استئثار جماعة الإخوان وحلفائهم بها، وتوجيهها لإنتاج دستور «تفصيل» عليهم.. وليس لمستقبل هذا الوطن.. وهو ما كان قد قرره عندما حاول الحصول على دعم الثوار، وتشكلت جماعة «فرمونت» لدعمه فى انتخابات الإعادة فى الرئاسة باعتباره الثورى (!) ضد أحمد شفيق.
بل كان من أول قراراته منح الحصانة ل«تأسيسية الإخوان» من خلال القرار بقانون الذى أصدره فى هذا الأمر (القانون 79 لسنة 2012)، رغم أن مجلس الشعب قد تم حله، لكنه لا يعترف، لا هو ولا جماعته، بذلك الحل.
وهنا ندخل فى متاهة جديدة فى مصير «التأسيسية»، ولعل ما طرحه الفقيه القانونى الدكتور نور فرحات، على صفحته الشخصية على «فيسبوك» بشأن تحليله للحكم الصادر عن محكمة القضاء الإدارى الخاص بإحالة دعاوى حل «التأسيسية» إلى المحكمة الدستورية يوضح مدى تلك المتاهة والفشل فى إدارة الفترة الانتقالية الثانية.
يقول د.نور فرحات: «معنى الحكم الذى صدر من محكمة القضاء الإدارى بوقف نظر دعوى إلغاء قرار (التأسيسية) وإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية، أن محكمة القضاء الإدارى رأت أن نص المادة الأولى من القانون 79 لسنة 2012 غير دستورى، فأحالت الأمر إلى (الدستورية) لتفصل فى الأمر. ماذا تقول المادة الأولى من القانون 79 لسنة 2012؟ وماذا عن هذا القانون؟ هذا القانون دفع به ممثلو التيار الإسلامى إلى مجلس الشعب وأصدره الرئيس فى يوليو الماضى، والهدف منه تحصين قرارات تشكيل (التأسيسية) ضد الطعن أمام مجلس الدولة، وهذا التحصين غير دستورى لوجود نص فى الإعلان الدستورى مأخوذ من دستور 71 يحظر تحصين القرارات الإدارية ضد الطعن القضائى، هذا القانون رفض المجلس العسكرى التصديق عليه لعدم دستوريته وصدَّق عليه الدكتور مرسى. معنى حكم محكمة القضاء الإدارى أمران: أنها قدَّرت أن قرار تشكيل (التأسيسية) هو قرار إدارى يمكن الطعن عليه، وأنها رأت أن تحصين هذا القرار من الطعن أمر غير دستورى.
ما المتوقَّع فى المستقبل؟ لن تتعجل المحكمة الدستورية فى نظر الطعن، خصوصًا أنها مظنون من ممثلى تيار الإسلام السياسى عدم حيادها، ولكنها فى النهاية ستصدر حكمًا بعدم دستورية المادة الأولى من القانون، وستعود الدعوى إلى مجلس الدولة للفصل فى الموضوع، فى الغالب ستكون (التأسيسية) قد انتهت من وضع الدستور وطرحته للاستفتاء، وهكذا سيُطلَب من الشعب أن يُستفتى على دستور وضعته جمعية غير دستورية بحكم قضائى.
وأزيد على ما قلت تحليلا لحكم محكمة القضاء الإدارى، أنه عندما تنظر المحكمة الدستورية مسألة دستورية القانون 79 لسنة 2012، فمن حقها أن تتعرض لدستورية نصوص تشريعية أخرى مرتبطة، ولم تكن محل الإحالة، وقد يتطرق الأمر إلى القرار الإدارى الصادر عن الرئيس بتعديل الإعلان الدستورى، وقد يحكم بعدم دستوريته، وهكذا ينقلب السحر على الساحر وندخل فى حالة من الفوضى السياسية والقانونية يُسأل عنها مشرعو هذا النظام، وهذا ما أوصلنا إليه مهندسو التعديلات الدستورية.
خلاصة القول أن الصراع حول مشروع الدستور وحول هوية الدولة المصرية قد خرج من ساحات المحاكم إلى الأفق السياسى الأوسع». (انتهى ما قاله د.نور فرحات). فماذا يفعل الرئىس مرسى وجماعته؟! بالطبع سيستمرون فى طريقهم للسيطرة بعشوائيتهم، حتى لو كان ذلك على حساب القانون والدستور. فهم يريدون إنجاز دستورهم.