هل من الممكن يا صديقي أن تسمح لي بإعادة نشر مقال كتبته منذ شهور عن قضية هشام مصطفي؟، هو ليس إفلاسًا - باقولهالك بالأمانة - لكنني عندما عرفت خبر قبول النقض بدأت في كتابة مقال شعرت أثناء كتابته بأنني (قلت الكلام ده قبل كده بس مش فاكر فين)، ثم تذكرت هذا المقال فقلت لنفسي (طب ما أهوه)... أنا أحد أفراد مجتمع يكره رجال الأعمال بالفطرة، ويرون معظمهم الوجه الآخر لقبيلة قريش في أوج كفرها، ولا يتسع المجال هنا لفك شفرة هذه الكراهية فالأمر يحتاج لمحطة تليفزيونية، لكنني لا أستطيع أن أتجاهلها فقد جعلت هذه الكراهية البعض يشمتون في الحكم بالإعدام علي هشام مصطفي لأن سعر الشقة ال 100متر في مدينتي يتجاوز النصف مليون، وهناك من بالغ في كراهيته لرجال الأعمال إلي أن اختلطت عليه الأمور فبات موقنًا أن هشام قد حصل علي الحكم بالإعدام في قضية غرق العبارة. وهناك فئة قليلة تحاول أن تكون موضوعية لكنها مرتبكة بعض الشيء ربما بحكم تركيبتنا العاطفية كمصريين، فقد أصابتني غصة في الحلق وتعطل جهازي التنفسي قليلاً وأنا أتابع الجلسة التي صدر فيها الحكم علي هشام، وهو شعور لم أصادفه من قبل إلا في صباح يوم العيد الذي أعُدم فيه صدام حسين، لم يؤذني صدام حسين يومًا ولم أستفد منه ولكن شعوري بأنه ربما قد تلقي عقابًا مبالغًا فيه وأن عقابه جاء علي يد الأمريكان لا علي يد أبناء بلده سبب لي ارتباكًا مشابهًا لاعتقادي بأن الإماراتيين هم الذين أوصلوا هشام إلي هذه النقطة في الوقت الذي تغافلت فيه مصر عن متابعة من ارتكب منهم جرائم قتل رخيصة في مصر ثم هربوا بعدها ولم نسمع عن أي متابعة لمحاكمتهم ولم يذهب مأمور قسم مدينة نصر إلي دبي للشهادة في قضية الإماراتي الذي قتل شابًا في سباق سيارات في صلاح سالم مثلما حضر قائد شرطة دبي للشهادة في جريمة هشام، ثمة تعاطف لا ينفي الشعور العام بالامتعاض من معظم رجال الأعمال نجوم المرحلة وساداتها بعد أن كان المثقفون نجوم الستينيات ثم انحدر بنا الحال تدريجيًا فأصبح مستوردو البلوبيف الفاسد نجوم السبعينيات وتجار المخدرات نجوم الثمانينيات والإرهابيون نجوم التسعينيات، المهم بخلاف التعاطف كان ثمة ارتباك مرجعه شهادات المقربين من هشام في حقه وهي شهادات إيجابية تشبه التي قالها بعض العراقيين بخصوص صدام بعد إعدامه. أنا مشغول بمصير هشام مصطفي لأن لعبتي المفضلة دومًا هي أن أضع نفسي مكان أي شريك في الإنسانية يتعرض لمحنة أو كارثة لأدرس كل الاحتمالات الممكنة أمامي إذا كنت مكانه بالفعل، وها هي النتيجة أعرضها علي الأستاذ هشام.. أولاً: أن يؤيد النقض الحكم بالإعدام وأنت تعلم أنك لم تتورط في الجريمة، وأنت هنا مظلوم لك ما للمظلوم من تقدير في الأرض وفي السماء. ثانيًا: أن يؤيد النقض الحكم بالإعدام وأنت تعلم أنك تورطت بالفعل في الجريمة، هنا ستكون محظوظًا لأن رحمة الله قد طالتك بمنحك مهلة طويلة تسمح لك بالتوبة وتنسيق كل ما يخص حياتك قبل الرحيل ووداع محبيك وأصدقائك والارتواء من رؤيتهم وتذوق دفء أحضانهم لآخر مرة وعمل ما يساعدك علي التكفير عن ذنبك وضخ بنود كثيرة إلي خانة حسناتك ليصبح ميزان أعمالك مضبوطًا قدر الإمكان، مهلة هي فرصة نادرة جدًا في حياة القاعدة فيها أن الموت يأتي بغتة. ثالثًا: أن يؤدي النقض إلي البراءة وأنت تعلم أنك لم ترتكب الجريمة، هنا هبطت عدالة السماء مجددًا علي حياتك، وأنت محظوظ من جديد بأن تعرضت لمحنة قاسية ستجعلك تعيد حساباتك وتقوِّم حياتك وتخرج منها أكثر قوة وحكمة وقربًا إلي الله. رابعًا: أن يؤدي النقض إلي البراءة وأنت تعلم أنك قد ارتكبت الجريمة، وهنا - فقط - يجب عليك أن تشعر بالخوف.