هل تأخرت مراجعة فتوى تجسيد شخصية الرسول الكريم على الشاشة حتى نُقرب شخصيته لمن لا يعرفه ولم يقرأ عنه فى الغرب والشرق؟ يبدو الأمر كذلك بعد أن وصل الأمر إلى أن أى فيلم مسىء يصنعه جاهل وحاقد يثير أعصاب المسلمين فيتخبطون فى الطريقة التى يدافعون بها عن نبيهم الكريم، يبدو أننا فى حاجة إلى إعادة دراسة فتوى تحريم تجسيد الأنبياء والصحابة، بعد أن أصبح للسينما هذا التأثير، فإذا كنا نشعر بالإهانة من فيلم يقدم صورة قبيحة ومبتذلة ومخالفة للتاريخ عن الرسول، فلماذا لا نصنع نحن الفيلم المنصف للرسول والرسالة؟ الأمر الذى يمكن أن يصطدم به مَن يرغبون فى مقاضاة صُناع الفيلم المسىء فى أمريكا، أو مطالبة الحكومة الأمريكية باتخاذ إجراء قاسٍ نحو مَن صنع الفيلم أن حرية التعبير غير مجرمة قانونا فى الغرب، قد لا يعجبك فيلم أو كتاب أو مقال، ولكن لا يمكنك منعه، لأن ذلك ينافى حرية التعبير، ولكى نفهم هذه المسألة ونقارنها بحالة الفيلم المسىء يجب أن نستعرض نماذج من الأعمال الفنية الشبيهة فى مضمونها مع مضمون الفيلم المسىء وإن كانت موجهة نحو الدين المسيحى أو الأديان بشكل عام، أغلب الصحافة الأجنبية تصف فيلم «براءة المسلمين» بالفيلم الساخر من الرسول، وهذه النوعية تندرج تحت بند الهجاء الدينى، وهو شكل من أشكال السخرية من المعتقدات الدينية ليس جديدا على الغرب، وهذه الأعمال إما يقدمها شخص ملحد لا يؤمن بهذه الأديان، أو شخص يرغب فى نقد عيب يراه فى المعتقد نفسه بشكل ساخر، وعلى سبيل المثال قدَّم مقدم البرامج الساخر بيل ماهر فى عام 2008 فيلمًا وثائقيًّا بعنوان Religulous، والعنوان كلمة محرفة تجمع بين كلمتى «religion» أو «دين» وكلمة «ridiculous» بمعنى سخيف، والفيلم يسخر من رجال الدين عمومًا، المسيحية واليهودية والإسلام، وهو يستخدم فى الأفيش صورا لثلاثة قرود أولهم يرتدى طاقية شيخ ويضع يده على فمه، والثانى يرتدى تاجا بابويا ويسد أذنيه، والثالث يضع طاقية يهودية ويخفى عينيه فى إشارة إلى عبارة «لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم» أو أن رجال الدين لا يفهمون ولا يعرفون شيئا.
الفيلم يعرض آراء مختلفة عن الأديان فى العالم، يقدمها بيل ماهر فى رحلته التى شملت العديد من المدن ذات الأهمية الدينية مثل القدس، الفاتيكان، سالت لايك سيتى بالولاياتالمتحدة، وقام ماهر بإجراء مقابلات مع العديد من أتباع عدة أديان ومعتقدات دينية، منهم اليهود اليسوعيون، ومسيحيون، ومسلمون، وأعضاء من الطائفة المورمونية، وقد اضطر ماهر إلى خداع بعض من قابلهم، فقال لهم إنه يصنع فيلم عنوانه «رحلة روحانية»، وواجه طاقم الفيلم صعوبة فى إجراء مقابلات مع بعض الأشخاص، خصوصا فى سالت لايك سيتى الأمريكية، حيث تم طرد الطاقم ومنعه من التصوير. يسخر ماهر من مضمون الآراء التى ينطق بها أتباع الديانات الثلاثة، والتى يراها متناقضة أو غير مفهومة وتجافى المنطق من وجهة نظره. الفيلم لم يعرض فى أى قنوات عربية، ولكن تمت ترجمته للعربية على بعض مواقع الإنترنت، ليس من قبيل الموافقة على ما فيه، ولكن للتعرف على أفكار هذه النوعية من الأعمال حسبما قال المترجم الهاوى.
نموذج آخر لسينما الهجاء الدينى هو أفلام فريق الكوميديا الإنجليزى «مونتى بايثون» Monty Python، الذين قدموا أعمالا درامية تسخر من كثير من تابوهات السياسة والجنس والدين، وذلك بمسلسلات وأفلام من الستينيات، وعلى الأغلب كان مخرج الفيلم المسىء للرسول يحاول بصورة ركيكة تقليد أسلوب هذا الفريق.
أعلى نقد دينى قدمه فريق «مونتى بايثون» وطال سيرة المسيح عليه السلام والديانة المسيحية جاء فى فيلم بعنوان «مونتى بايثون وحياة برايان» Monty Python,s Life of Brian، والفيلم يدور حول اليهودى برايان كوهين الذى يولد فى نفس الساعة التى ولد فيها المسيح، وفى منزل مجاور لمنزل المسيح، ويظل طوال حياته يعانى من الخلط بينه وبين شخص المسيح.
من الأفلام الأخرى التى سببت إزعاجا للفاتيكان الفيلم الكوميدى الأمريكى «العقيدة» Dogma أنتجته شركة «والت ديزنى» سنة 1999، وشارك فيه الممثلون بين أفليك ومات ديمون وليندا فلورينتو وجاسون لى وسلمى حايك، وركز الفيلم على السخرية من الكاثوليك ومعتقداتهم.
ربما يندهش البعض فى ظل الاحتقان الحاصل ضد أمريكا بسبب الفيلم المسىء حينما يعلم أن أغلب الأفلام التى شاركت فيها «هوليوود» واستوديوهات أخرى عالمية عن النبى الكريم تحتفى به من زوايا كثيرة تتعلق بخلقه الكريم وعدله ومساواته بين البشر، وبرسالة الإسلام وسماحة الدعوة، هذه الأفلام كان هدفها تعريف الغربيين بهذه الرسالة، وقد احترمت هذه الأفلام حتى فتوى عدم تجسيد الرسول، ولا يوجد عمل معروف أو مشهور خُصص لنقد الرسول بصورة شخصية.
هناك نحو 17 فيلما تعرفها أمريكا تناولت الرسول الكريم، بغض النظر عن جنسية وديانة منتج الفيلم، آخر هذه الأفلام وأقلها قيمة هو فيلم «براءة المسلمين» Innocence of Muslims، وهو الفيلم الذى تسبب فى حالة الغضب الحالية، الفيلم غير احترافى بشهادة المتخصصين الذين بحثوا عنه بعد حالة الجدل التى صاحبت عرض مقتطفات منه على «يوتيوب»، وحسب بيانات الفيلم المتاحة على «ويكيبيديا» هو مصنف كإنتاج أمريكى إسرائيلى، منتجه ومخرجه اسمه سام باسيل ومدته 120 دقيقة، لم يشاهد أحد نسخته الكاملة، وربما لن يشاهدها أحد بعد حالة الغضب والقتل والدمار التى تسبب فيها عرض تلك المقتطفات.
أول وأهم فيلم تعرفه «هوليوود» عن الرسول هو فيلم «الرسالة» للمخرج مصطفى العقاد، الفيلم لم يجسد الرسول، ولكنه سرد بصورة فنية متميزة بداية الوحى ونشأة الإسلام، وصدرت له نسختان، واحدة بالعربية كان بطلها الممثل الراحل عبد الله غيث، ونسخة باللغة الإنجليزية كانت من بطولة الممثل الأمريكى أنطونى كوين. «هوليوود» نفسها قاومت إنتاج فيلم يتناول الإسلام فى السبعينيات، وهو أمر دفع العقاد إلى محاولة الحصول على تمويل من خارج «هوليوود»، وأسهم العقيد الليبى الراحل معمر القذافى فى تمويل الفيلم، وخرج الفيلم إلى النور ولم تسهم «هوليوود» به رسميا، ولكن شارك به عدد غير قليل من الفنيين والممثلين الأجانب على رأسهم أنطونى كوين وإيرين باباس، وبدأ العقاد فى عرضه فى أوروبا والولاياتالمتحدة وسط ترقب من الأجانب لمشاهدته، العرض الأول للفيلم بالولاياتالمتحدة تعرض لحادثة مؤسفة حينما اختطفت مجموعة مسلحة من المسلمين الأمريكان من أصول إفريقية 3 مبان فى واشنطن العاصمة، وقتلت صحفيًّا وضابط شرطة قبل احتجازها 149 موظفًا، وهددت بنسف المبانى بمن فيها، وكان من بين طلباتهم عدم عرض فيلم «الرسالة» وتدمير جميع نسخ الفيلم لظن قائد المجموعة الخاطئ أن الممثل أنطونى كوين يجسد شخصية الرسول، وبسبب هذه الحادثة وحالة الجدل حول الفيلم لم يحقق الفيلم أرباحًا تُذكر حين عرضه.
بعد السبعينيات لم يحدث أن «هوليوود» شاركت فى أى عمل له قيمة تناول الرسول، لكن هذا الوضع تغيّر بعد أحداث سبتمبر بظهور عدد من الأفلام التسجيلية والأنيميشن التى حاولت التعرف على الإسلام بعيدًا عن الشكل النمطى المعتاد، من بين هذه الأفلام الفيلم الوثائقى «محمد.. إرث نبى» Muhammad: Legacy of a Prophet وهو من إنتاج قناة «PBS» الأمريكية، وتناول العمل سيرة الرسول الكريم ليس فقط من وجهة نظر المسلمين من العرب، بل مسلمى الولاياتالمتحدة الذين بلغ عددهم وقت إنتاج الفيلم عام 2002 نحو 7 ملايين مسلم، الفيلم الذى جاء موضوعيا ومحتفيا بشخص الرسول الكريم قدم صورة الرسول لمن لا يعرفه على لسان المسلمين الذى تأثروا برسالته واتبعوها.
فيلم آخر تناول الرسول هو «محمد.. آخر الأنبياء» Muhammad: The Last Prophet وهو فيلم أنيميشن، الفيلم إنتاج عربى أمريكى بإمكانيات هوليوودية، أخرجه ريتشارد ريتش عام 2004، وتناول الفيلم بداية الرسالة مرورا بالهجرة وينتهى بفتح مكة وانتشار الإسلام.
من الأفلام الأخرى الهامة فيلم «الإسلام.. إمبراطورية الإيمان» Islam: Empire of Faith الذى يتناول تاريخ الرسالة منذ مولد الرسول وحتى الإمبراطورية العثمانية والدولة الصفوية، الفيلم تم إنتاجه عام 2000 وقام بدور الراوى فيه الممثل الإنجليزى بن كينجسلى، والفيلم مكون من ثلاثة أجزاء، الجزء الأول مخصص بالكامل لحياة الرسول الكريم، وهو يحاول الإجابة عن أسئلة يطرحها الغرب، وهى: ما الإسلام؟ ومن هو محمد؟ ويسرد الفيلم حياة النبى محمد المبكرة ونزول الوحى الإلهى عليه، ودوره فى إعادة البشر إلى رسالة التوحيد الحقيقية التى جاءت بها المسيحية واليهودية، ويبرز الفيلم دور الرسول ورسالته فى القضاء على العنصرية، والمساواة بين الفقراء والأغنياء، ويبرز الفيلم الحلول التى قدمها الإسلام لجميع مشكلات البشر، وهذا العمل بأجزائه الثلاثة متاح على موقع «جوجل» فيديو مجانا.
هناك أنباء أن إيران تنتج حاليا فيلما عن الرسول وسيقوم أحد الممثلين الإيرانيين بتجسيد شخصية الرسول الكريم لأول مرة على الشاشة، المخرج الإيرانى ماجد مجيدى، حسب تصريحات منسوبة إليه، يعد لثلاثية فيلمية ترصد حياة الرسول منذ ولادته وحتى وفاته، إمكانات السينما الإيرانية تؤهل فيلما مثل هذا لمشاهدة عالمية كبيرة، الخبر صاحبه بالطبع ضجة تتركز على رفض الفيلم، لأنه يجسد الرسول الكريم، وأيضا مخاوف من أن تأتى الرواية الإيرانية مخالفة لتفاصيل السيرة النبوية عند أهل السنة، سبقت هذا الفيلم وبالتحديد منذ 3 أعوام أخبار عن فيلم تنتجه شركة النور القطرية والمنتج الأمريكى بارى أوزبورن منتج سلسلة أفلام «مملكة الخواتم» و«ماتريكس»، التكلفة الإنتاجية المعلنة وقتها كانت 150 مليون دولار، وأوكلت شركة «النور» الإشراف على قصة الفيلم للشيخ القرضاوى، وكانت المشكلة وقتها عملية تجسد الرسول، وكيف سيتغلب عليها مخرج العمل، وربما يطرح هذا الأمر مرة أخرى مراجعة فتوى تجسيد النبى، خصوصا بعد نجاح مسلسل عمر الذى جسد شخصية عمر بن الخطاب.