يبدو الحدث الأبرز والأهم حتى الآن في ما يتعلق بأداء مجلس نقابة الصحفيين الأخير -والنقيب تحديدًا- منذ انتخابه هو اعتداء السيد نقيب الصحفيين ممدوح الولى على هشام يونس عضو مجلس النقابة، بالسبّ والضرب، ثم قيام يونس بتقديم بلاغ ضد النقيب لتتحول خلافات المجلس من خلافات نقابية إلى خلافات جنائية وليحلّ الصحفيون -أعضاء المجلس والنقيب- أزماتهم فى النيابة لا في النقابة.
ويبدو حدث أول من أمس جديدا على واقع الصحفيين، رغم أن واقع النقابة والمهنة والأداء النقابى بشكل عام، قديم بل قديم جدا.
فعلى مدى ما يقارب العام ظلت مشكلات الصحفيين المتراكمة كما هى لم تتغير، وظلت القضايا التى يناضل الصحفيون من أجلها عالقة بلا حلّ، ورغم أن النقيب قد تغيَّر، فإن المفارقة الأبرز والأهم والأوضح أن النقيب الذى كان يميل إلى النظام القديم أصبح يميل إلى النظام الجديد.
الأجور وعلاقات العمل والحريات الصحفية والتعيين وجداول القيد.. مشكلات مزمنة لم يتقدم مجلس النقابة الحالى خطوة واحدة إلى الأمام فى حلها بل تفاقمت أزمة الحريات الصحفية بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة وفاقت ما كانت عليه الأمور في زمن الرئيس المخلوع، فقد شهدت الأيام الأخيرة واقعة فريدة فى تاريخ الصحافة وهى حبس صحفي في قضية نشر حبسا احتياطيا، أضف إلى كل هذا منع صحف من الصدور ومصادرة مقالات للكتاب وإيقاف صفحات بالكامل من النشر، كل هذا حدث فى ظل غياب كامل من النقابة بل وصل الأمر لدرجة عدم إصدار بيان واحد من النقابة يرفض مصادرة جريدة أو رفض نشر مقال.
«النقيب يرفض قيام النقابة بممارسة ضغوط من أجل منع الحبس» هذا هو الواقع الجديد الذى وصلت إليه النقابة لأن السيد النقيب قبل أن يعتدى بالسب والضرب على أحد أعضاء المجلس كان رأيه أننا نحتاج إلى هؤلاء -يقصد السلطة الجديدة طبعا- وهو نفس الأسلوب الذى كانت تُدار به النقابة فى السابق، أى انتظار السلطة -وكرمها ومِنحها- فلا ضغوط ولا مبادرة ولا أفكار ولا إبداع من أى نوع، بل أداء روتينى مملّ ومكرّر لن ينقل الصحافة خطوة واحدة إلى الأمام لا سيما وهى تخوض معركة كبرى مع السلطة الحاكمة من أجل انتزاع حريتها وحقها فى العمل بعيدا عن ضغوط وترهيب السلطة، أىّ سلطة.
الأمر الأخير والغريب والمثير للضحك أن السيد نقيب الصحفيين بنى معركته الانتخابية كاملة على كونه «خبيرا اقتصاديا» سيستطيع استثمار موارد النقابة وتنميتها وإنعاش خزينة النقابة وتقديم خدمات حقيقية إلى الصحفيين، ولكن الأمر تحول إلى «تراجُع حادّ» في ميزانية النقابة وتراجُع في مشروع العلاج المقدم للصحفيين وعدم التقدم خطوة واحدة على طريق تنمية موارد النقابة ولا تقديم فكرة واحدة لوضع لائحة الأجور، واكتفى السيد النقيب بكونه عضوا فى اللجنة التأسيسية للدستور وسمعنا العجب عن نصوص تجيز حبس الصحفيين فى الدستور الجديد ومع هذا لم نسمع عن كلمة واحدة تفوّه بها السيد النقيب في اللجنة ضد هذه النصوص الشاذة، فيبدو أن النقيب قد تناسي أنه ممثل الصحفيين داخل هذه اللجنة واعتبر نفسه ممثلا «للإخوان المسلمين» وحزب الحرية والعدالة، وهو نفس ما يتعامل به النقيب فى إدارته لنقابة الحريات التى بالفعل أصبحت «خناقة» أول من أمس أكبر حدث وأضخم إنجاز له فيها.
أخيرا لم يعد أمام الصحفيين إلا الدعوة لجمعية عمومية طارئة لمحاسبة النقيب والمجلس عن فترة العام ولسحب الثقة منهم إن لزم الأمر، وقبل كل ذلك وبعده للتصدى للهجمة الشرسة على حرية الصحافة، ووضع قواعد لتغيير واقع المهنة بشكل كامل.