موقع أمريكي: واشنطن تضغط سرا على بعض الدول للتصويت ضد عضوية فلسطين    فلسطين.. قصف مدفعي متواصل يستهدف المناطق الجنوبية لغزة    تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 اكتوبر بينها قتل مسن خنقا واغتصاب مراهق    شاهد شروق الشمس فى الشرقية واعرف حالة الطقس    القباج تكشف ل«البوابة نيوز» قيمة رسوم الدفعة الثانية لقرعة حج الجمعيات الأهلية    محمود عاشور حكم الفار الأول في إفريقيا يوجه رسالة لوزير الشباب    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18 ابريل في محافظات مصر    القدسي: أمريكا تحاول إغراء إسرائيل بالمساعدات العسكرية مقابل التمهل في ضرب إيران    وزارة الطيران المدني توضح حقيقة انتظار إحدى الطائرات لمدة 6 ساعات    مدير أعمال شيرين سيف النصر: كانت عايزة تشارك في عمل ل محمد سامي ( فيديو)    أحمد عبد الله محمود يكشف كواليس تعاونه مع أحمد العوضي ومصطفى شعبان    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    شاب يتحول من الإدمان لحفظ القرآن الكريم.. تفاصيل    مجلس الأمن يصوت الجمعة على طلب فلسطين الحصول على "العضوية"    لبنان.. 6 غارات جوية إسرائيلية وأكثر من 70 قذيفة مدفعية استهدفت مدينة الخيام    سامسونج تثير الجدل بإطلاق أسرع ذاكرة في العالم .. فما القصة؟    "نقص الغاز".. برلمانيون يوضحون أسباب أزمة زيادة انقطاع الكهرباء (خاص)    إبراهيم سعيد يوجه رسالة نارية ل كولر    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    منة عدلي القيعي: «حققت حلم حياتي بكتابة أغنية لعمرو دياب»    الصين قادمة    استمرار نمو مخزون النفط الخام في أمريكا    دعاء الرياح والعواصف.. «اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها»    الكشف على 1433 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    7 علامات بالجسم تنذر بأمراض خطيرة.. اذهب إلى الطبيب فورا    رشة من خليط سحري تخلصك من رواسب الغسالة في دقائق.. هترجع جديدة    طريقة عمل مربى الفراولة، زي الجاهزة للتوفير في الميزانية    البنك الدولي يعتزم توصيل خدمة الكهرباء ل 300 مليون إفريقي    «البيت بيتى 2».. عودة بينو وكراكيرى    إبراهيم نور الدين: كنت أخشى من رحيل لجنة الحكام حال إخفاقي في مباراة القمة (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الانخفاض.. سعر الذهب في مصر اليوم الخميس 18 أبريل 2024    مبارة صعبة لليفربول ضد اتلانتا بإياب دور ربع النهائى للدوري الاوروبي .. موعد اللقاء والقنوات الناقلة    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024.. 5 أيام متصلة مدفوعة الأجر    أنت لي.. روتانا تطرح أغنية ناتاشا الجديدة    فستان لافت| نسرين طافش تستعرض أناقتها في أحدث ظهور    اشتري دلوقتي.. رئيس شعبة السيارات يوجه رسالة ونصيحة هامة للمواطنين    رئيس حزب الوفد ناعيا مواهب الشوربجي: مثالا للوطنية والوفدية الخالصة    بعد 24 ساعة قاسية، حالة الطقس اليوم الخميس 18-04-2024 في مصر    علي جمعة: الرحمة ليست للمسلمين بل للعالمين.. وهذه حقيقة الدين    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق منزل في العياط    بسبب منهج المثلية | بلاغ للنائب العام ضد مدرسة بالتجمع    استعدادا لمواجهة مازيمبي| بعثة الأهلي تصل فندق الإقامة بمدينة لوبومباشي بالكونغو    الله أكبر| احتفال مثير من روديجر بريال مدريد بعد الإطاحة بمانشستر سيتي    «معلومات الوزراء»: 1.38 تريليون دولار قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية عالميًا عام 2023    حظك اليوم برج الميزان الخميس 18-4-2024.. «كن مبدعا»    مصرع طفل غرقًا بنهر النيل في المنيا    بحجه تأديبه.. التحقيق مع بائع لاتهامه بقتل ابنه ضربًا في أوسيم    طاقم حكام مباراة الإسماعيلي وزد في الدوري المصري    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    أسباب نهي الرسول عن النوم وحيدا.. وقت انتشار الشياطين والفزع    تراجع سعر كارتونة البيض (الأبيض والأحمر والبلدى) واستقرار الفراخ بالأسواق الخميس 18 ابريل 2024    تراجع سعر الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء الخميس 18 ابريل 2024    ارسنال ومانشستر سيتى آخر ضحايا الدورى الإنجليزى فى أبطال أوروبا    موعد بدء التوقيت الصيفي 2024 في مصر (اضبط ساعتك)    لقد تشاجرت معه.. ميدو يحذر النادي الأهلي من رئيس مازيمبي    إطلاق النسخة الأولى من المهرجان الثقافي السنوي للجامعة الأمريكية بالقاهرة    عدد أيام إجازة شم النسيم 2024 .. «5 بالعطلة الأسبوعية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هويدا طه تكتب : يا دكتور البرادعي لا تتعامل معنا.. عليك بمن هم دون الثلاثين!
نشر في الدستور الأصلي يوم 05 - 03 - 2010

شباب الألفية أمامك فاعتمد عليهم ولا تنزلق بالله عليك وتغلق علي نفسك الباب مع هؤلاء القادمين من مطلع القرن العشرين
جيل الألفية الثالثة مطالب بمقاومة (رجال الخلايا الجذعية) في الحكم والمعارضة علي السواء!
النخبة الملتفة حول البرادعي الآن ستفرزها الأيام فيبقي من يعمل بإخلاص ويغيب من لا يملك أي نية أو استعداد للتضحية
البرادعي
مصر مريضة.. مصر الحكم ومصر المعارضة ومصر النخبة ومصر الجماهير.. وكما يجري الطبيب أشعة مقطعية علي الجسم المريض فيري بوضوح مواقع الخلل.. وضع (مشرط البرادعي) مصر كلها تحت الأشعة الكاشفة فظهرت مواقع العلة.. واتضح في (أسبوع الكشف) الأخير هذا أننا كلنا.. مرضي!
أما عن مصر الحكم فلن يكون جديداً أو مدهشاً الحديث عن علاتها.. لا معني حقا لتكرار ما نقوله جميعا كل يوم وكل ساعة عن تلك (البلوي) التي أصابت بلدنا.. فيروسات الفساد والظلم الاجتماعي والتفريط في الوطن - أرضا وكرامة - ورهن المستقبل والمقامرة به واحتكار القلة لكل من الثروة والسلطة وقرارات المصير.. إضافة إلي تقزيم قيمة بلدنا وسحب الثقة من نفوسنا واحتقار الشعب بعد نهبه وإفقاره وتعجيزه ووو.. كل هذا كلام نعرفه جميعا ونعيشه يوميا ففي الشارع المصري..
أما عن مصر المعارضة.. المعارضة الرسمية.. المعارضة الفاشلة.. المعارضة المستأنسة.. المعارضة التي لا تعارض شيئا.. فتلك أيضا وللأسف جزء من (بلوي) مصر الحكم.. فالنظام الحاكم حجّمها وأعجزها فاستجابت كرها ثم صارت مع الزمن تتلذذ برضا بحالة العجز تلك.. الحكم والمعارضة كلاهما جناحا الظلم في بلدنا.. والله علي المستوي الشخصي لا أطيق سماع أحد هؤلاء الممثلين للأحزاب الديكورية! سواء التي تسمي أحزابا مشروعة أو تلك (التكايا) المسماة أحزاباً تحت التأسيس.. كلها أحزاب تشبه مؤسسة الحكم في مصر.. أفراد أقدمهم بلغوا من العمر أرذله ومازالوا يتحدثون عن ذكرياتهم في الطفولة عندما كانوا يشاهدون صواريخ الألمان والحلفاء في الحرب العالمية الثانية! اختطفوا زمنا - بل أزمنة - ليست لهم ومازالوا يستميتون علي إزاحة الأجيال التالية لهم جيلا بعد جيل.. كي يستمروا في خطف بلد وقع رهينة في أيديهم وأيدي حليفهم النظام الحاكم، ولن أنسي أبداً واحداً من هؤلاء وهو يقف أمام كاميرات الفضائيات (التي لم يعرفها زمانهم البعيد!) معلقاً بغضب علي انطلاق حركة كفاية منذ حوالي خمس سنوات: «دوول شوية عيال أنا لا أهتم بهم أنا أنظر إلي مستقبلي السياسي»! أي مستقبل أيها الباقي من زمن حرب الحلفاء والمحور! أما أحدثهم فأذكر عندما كنت في عشرينات العمر في الثمانينيات كان هناك شباب أكبر منا قليلا يشتكون من سطوة مخلفات الحرب العالمية تلك.. وكان هؤلاء ومازالوا يسمون أنفسهم جيل السبعينيات.. الجيل الذي قاوم في البدء تحول مصر عن نهجها الذي عرفته قبل رحيل عبد الناصر، هذا الجيل بالفعل قاوم لكنه تشرذم والزمن يمضي، الآن.. هذا الجيل - عن اختيار أو دون أن يشعر - انضم إلي تلك الفئة التي لا ترحل أبدا وصار مثلهم.. يحاول إزاحة شباب اليوم ويمارس عليهم (وصاية متعالية) في سلسلة من فشل الأجيال لا تنتهي، وعندما كنت في استقبال البرادعي في المطار كغيري من الناس الآملين في مستقبل لا يكون رهينة في أيدي الحكم الفاشل والمعارضة الفاشلة.. كنت أري شبابا في العشرينات يتفجر طاقة واتساءل.. كيف ستتمكنون أيها الورد المتفتح في زمن العشرة الأولي والثانية من الألفية الثالثة من فعل شيء.. وعلي رءوسكم ما زالت تدهس أقدام أجيال الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات وهلمه جرة!
لا أحزاب معارضة في مصر.. بل هناك تكايا بعضها رسمي وبعضها تحت التأسيس، وكلها مشخصنة باسم أصحابها.. سواء حزب التجمع (الذي سمي في الثمانينيات تهكما: حزب التأمع!) والمسجل مازال باسم د. رفعت السعيد الذي يحكي في كل لقاء تليفزيوني له عن قصة اعتقاله وهو يرتدي الشورت من قبل ضباط ما كان يسمي حينها القلم السياسي قبل الحرب العالمية! أو حزب الوفد المتأثر بعصر الباشاوات البعيد.. أو الحزب الناصري الذي يتخذ رمزا راح لكبر السن في غياهب الألزيهايمر، أو حزب الكرامة تحت التأسيس الذي كلما سألت عنه أحدا يقول إن عرفه (بتاع حمدين صباحي؟) حمدين صباحي المناضل القادم من جيل السبعينيات.. الجيل الذي يمارس بدوره الوصاية علي من تلاه.. وكأن تلك الوصاية قانون مصري أبدي! أو حزب الوسط وهو بدوره تحت التأسيس وأسسه منشق عن جماعة الإخوان التي تمارس بدورها وصاية طبقية زمنية هائلة في أجيالها أو أو.. كلها تكايا لا تعرف عنها شفافية أو ديمقراطية أو ما إلي ذلك مما وصلت إليه معظم الأمم دوننا.. هل سمع أحدكم عن انتخابات مثلا تغير علي أثرها رئيس أحد تلك الأحزاب وهو حي؟! مثلهم مثل رئيس الدولة الذي يسمي البلد باسمه فعلا وليس مجازا.. تلفت حولك وستجد استاد مبارك، أكاديمية مبارك، ميدان مبارك، جيش مبارك شعب مبارك.. مصر مبارك! ستظل تلك الأحزاب كذلك مسجلة باسم أصحابها إلي أن يرحلوا عن عالمنا.. وإن كان أحد الأصدقاء قال لي ساخرا: لن يرحلوا فهؤلاء مثلهم مثل كهنة الحزب الحاكم يتعاطون (حقن الخلايا الجذعية) فتتجدد خلاياهم! أتذكر الآن مقالا كتبه صحفي شاب عن صفوت الشريف واختار له عنوانا دالا: الرجل الذي لا يموت!
ماذا سيفعل جيل الألفية الثالثة وأمامهم تلك الجدران البشرية تحول بينهم وبين الشمس؟ هذا ليس انتقاصاً طبعاً من محاولات الأجيال السابقة النضالية لكنه تأمل في حالة (وصاية القديم علي الجديد) الحية أبدا في الزمن المصري!.. جيل الألفية هذا مطالب بمقاومة (رجال الخلايا الجذعية) في الحكم والمعارضة علي السواء!
أما مصر النخبة فتلك قضية تثير الأسي.. إذا تحدثت عن النخبة بالمعني الطليعي وليس النخبة بالمعني الطبقي فأنت تتحدث عن (المثقفين المحبطين) ممن ينتمون إلي كل تلك الأجيال المهزومة التي تتراكم فوق بعضها زمنياً.. جميعهم بلا شك تمنوا لمصر حالا غير حالها الماضي بتسارع في طريق الانحدار الحضاري.. لكن لم ينجح أي منهم في فعل شيء.. في صياغة شيء.. يمكن أن تقول (لهم شرف المحاولة) وهذا صحيح.. فقد أسسوا عشرات الجبهات والائتلافات والحركات.. وبقيت جميعها تنشد- عن صدق - مصر أخري غير التي نعيشها وتعيشنا.. لكن لم تخطو تلك الحركات أبعد من سلم نقابة الصحفيين! لذلك تركها النظام تفرح بنفسها وهي تلقي البيانات أمام الكاميرات ليبدو وكأنه ديمقراطي! يسمح لهؤلاء بقدر من (الطنين) لكنه طنين غير مؤثر.. يعلم أن معظمهم - ممن يزاحمون الآن - لن يتقدم الصفوف حقاً إذا تخطي الأمر حاجز الوقوف أمام الكاميرات إلي تضحيات حقيقية لخلاص الوطن!.. ولعل واحداً من المثقفين الذين كانوا (مناضلين) ثم حسموا أمرهم وانضموا إلي (اللي فيه فايدة بصحيح.. جمال مبارك!) كان إلي حدٍ ما محقاً حينما نصح جمال مبارك في جلسة خاصة بألا يتوجس منهم! فهو يعرفهم واحدا واحدا ويوقن أنهم لن يشكلوا خطرا أبدا! فشلت إذن النخبة المتراكمة عبر الأجيال في صياغة مشروع حقيقي وفشلت في تكوين قائد حقيقي للتغيير.. سواء لعلة أو علات فيها أو لأن النظام أمني بوليسي يحول بحسم دون نجاحها في تحقيق شيء ملموس، لكن رغم ذلك فإن استقراء تاريخ الأمم يشير إلي أن النخبة (بالمعني الطليعي وليس الطبقي) مهما كانت صراعاتها الداخلية.. وحتي لو كانت صراعات تافهة..هي دائما التي تقوم بعملية (الإقلاع) في كل مشروعات التغيير الكبري التي قرأت عنها.. هي رغم انتكاساتها وصراعاتها تلتقط أول الخيط.. لذلك بمجرد أن أعلن البرادعي ذات يوم عن احتمالية ترشحه للرئاسة.. استشعرت تلك النخبة أن أملا جديدا يبدو في الأفق فالتفوا حوله منذ اللحظة الأولي.. لكن أمرا لاحظته وقد أكون مخطئة علي كل حال.. بل يارب أكون مخطئة! حدث أن هذا الالتفاف حول البرادعي بدت عليه ملامح المرض المصري المزمن القبيح.. الوصاية من الأقدمين علي الأجيال التالية الأحق بالمساهمة بطاقتها من أجل مستقبلها.. لو تأملتم الوفود التي زارت البرادعي في بيته للتحاور معه والاستماع إليه حول آلية التغيير في المرحلة القادمة.. لرأيتم أشياء غريبة تحدث.. مجموعة من رجال ونساء النخبة (بعضهم مخلص بلا شك) لكن بعضهم تعاطي مع الأمر ببوادر انتهازية سياسية.. وكأن نجاح المشروع حُسم والدولة الجديدة نشأت أو تكاد ويريدون لأنفسهم حجز مكان فيها! وبعضهم تعاطي مع مشروع البرادعي وكأنه امتداد لحركات الاحتجاج العمالية التي لها مطالب فئوية محددة! فتسمع سيدة مثلا تقول للبرادعي ماذا ستفعل لنساء مصر؟! وآخر يناقشه في أحوال عمال مصنع الكتان.. وثالث يسأله عن لوائح الجامعة وما إلي ذلك من عينة سؤال مني الشاذلي (هل تري الدعم يكون نقديا أم عينيا؟!) ثم تري مرشحا للرئاسة من أحد الأحزاب يبدو وكأنه يساومه (نعمل توكيلات ومن يجمع أكثر يرشح نفسه)!
تحاورت مع سائق التاكسي وعندما وصلت البيت دونت فورا الحوار قبل أن تتلاشي تفاصيله من ذاكرتي، ثم كررت الحوار مع حارس العمارة وسائق تاكسي آخر وعاملة منزل تعمل باليومية وآخرين.. وجاء الحوار والله يكاد يكون متطابقا.. ولعلك أيها القارئ العزيز مررت بتجربة مماثلة فهل اختلفت تجربتك عما يلي:
سمعت عن البرادعي؟
- آه دا اللي اتكلم في التليفزيون من كام يوم.. والله راجل باين عليه طيب يمكن يا ست يعمل حاجة ترحمنا من العيشة اللي إحنا عايشينها دي، والله يا مدام ما بانام من الحيرة أعمل إيه طيب اعمل إيه؟ باشتغل طول اليوم من صباحية ربنا لحد بعد نص الليل لكن والله ما عارف أعيش.. ورحمة أمي ما عارف أعمل إيه؟
طيب وهو البرادعي دا يعني ساحر؟ حيعمل إزاي وحده مش لازم برضه نقف جنبه؟
- واحنا نقدر نعمل إيه يعني يا مدام؟ دا كان فيه واحد في شارعنا (واسترسل السائق يروي قصة شاب من جيرته) «مرمي» في السجن وأمه مش عارفة طريقه لحد دلوقتي عشان راح مع الجماعة دوول.. بتوع المظاهرات دوول يعني.
سمعت عن توكيلات يعملوها له المصريين يعني عشان يتكلم باسمنا ويقدر يقف قدامهم؟
- فين ده؟ مسمعتش ولا اعرف فين ولا إزاي.. والله يا مدام أنا طلعت عيني ومستعد اعمل توكيل بس فين وإزاي؟ وهمه برضه حيسيبونا نعمل حاجة كده يعني؟.. دوول يسحلونا.. وانا راجل صاحب عيال ومش عارف حييجي عليهم بكره إزاي.. والله لو فيه واحد كده يعني والله أعملله توكيل (ثم قال بأسي وكأنه يحدث نفسه) والله أعملله توكيل بس قوليلي إزاي وفين وإمتي.. يعني حيعملوا فينا إيه أكتر من اللي عملوه.
وعلي تلك الشاكلة يعاني الناس.. بعضهم لا يبالي ولن يتحرك إيجابيا أبدا حتي لو تعري من كل ما يستره حتي لو بيعت كل مصر وليست أرض توشكي فقط! وهؤلاء موجودون في كل الشعوب.. وبعضهم يريد أن يفعل شيئا (من غُلبه!) لكن أحدا لم يتوجه إليه ليدله علي الطريق.. وهو يريد قائدا مجسدا واحدا يقول له إفعل فيفعل.. لكنه (لا يعرف) كيف وبم يبادر وأين ومتي.. وأظن غالبية المصريين يمكنها أن تتكتل (فقط لو) عرفوا مطالب محددة منهم وواضحة.. كأن يعرفوا بشكل جلي ومبسط كيف ومتي وأين يوكلون قائدهم.. كيف يتابعون خطواته باسمهم.. كيف يوصلون مطالبهم.. وماذا يريد هو أن يفعل وكيف.. فقط لو يرونه بأم أعينهم ويسمعونه.
لكن.. طالما مصر النخبة ومصر المعارضة ومصر الجماهير يغرد كل منهم في وادٍ.. سيلقي مشروع البرادعي مصير الحركات التي أسسها علي مدار السنوات الماضية (المثقفون المحبطون)! لنجد أنفسنا أمام سؤال في تلك المرحلة: كيف تجتمع تلك (الأمصار) علي حدٍ أدني من التوافق لمواجهة مصر الحكم المستبد:
من المؤكد أن للنخبة دورا في عملية (الإقلاع) اللازمة لانطلاق مشروع التغيير.. هناك دائما آباء مؤسسون لكل مشروع (بمعني أنهم يؤسسون ويفتحون الطريق ثم يفسحوا المجال.. لا أن يقبضوا عليه ويحرسونه لأنفسهم دون سواهم من فئات الشعب وأجياله!.. هذا إن نجح!) وتلك النخبة حتي بصراعاتها الداخلية التافهة سيتم فرزها لحظة العمل الجدي.. وهي دائما بتلك الصفة تكون حلقة الوصل بين فكرة المشروع وأجيال الشباب المعني الحقيقي بالانتشار لتنفيذ مشروع يعني أساسا بمستقبلهم.. والنخبة الملتفة حول البرادعي الآن ستفرزها الأيام فيبقي من يعمل بإخلاص لشباب وطنه ومستقبله ويكون مستعدا للتضحيات ولو بدرجات متفاوتة.. ويغيب من لا يملك أي نية أو استعداد لمثل هكذا تضحية.. صحيح أنه سيظل الآن ظاهرا في المشهد.. لا بأس!.. لكنك لن تراه لحظة الجد!
تلك النخبة عليها أن تساعد الشباب في (عملية الانتشار) لتدل الجماهير ماذا تفعل ومتي وكيف؟.. فرجال ونساء النخبة كلهم حول الخمسين من العمر إلي ما شاء الله! لن يتمكنوا من الانتشار بفاعلية كما الشباب.. ولابد من التعالي علي الذاتية عند مد يد المساعدة للشباب، بدفعهم للأمام وليس بإزاحتهم! والحقيقة أن تاريخ نخبتنا المصرية رغم إحباطاته الكثيرة يمتلئ بتلك النماذج المشرفة.. التي عملت علي تربية الكوادر ومساعدة الشباب علي تنظيم طاقتهم لكن.. دون مزاحمتهم..
لا يجب أبدا أن تتوقع تلك النخبة من الجماهير أن تبادر.. الجماهير لا تبادر! ولهذا السبب يكون (الإقلاع) مهمة النخبة وليس الجماهير! الجماهير تُطلب فتستجيب حسب درجة صدق وفاعلية من يناديها.. ربما تكون النخبة أقدر علي رسم الخطوط العريضة للمشروع.. لكن الآليات الصغيرة والتنفيذ يحتاج انتشار الشباب وسط الجماهير.. وانتشار الشباب وسط الجماهير يحتاج مساعدة نخبة لا تتآمر كي تبقي في مشهد تزيح منه الشباب.. وتاريخنا في الفشل المتتالي يدل علي أن النخبة عندما تأخذ علي عاتقها كل شيء.. وتنسب لنفسها كل شيء.. لا تفعل أي شيء!
المعارضة.. المعارضة المصرية الفاشلة!.. لا أعرف كيف لكن لن نيأس من محاولة إقناع رموزها العتيقة أن تكف شر تآمرها هذه المرة (فالبرادعي ليس المشروع الدائم لمصر).. البرادعي هو تلك النقطة الفاصلة بين الاستبداد والحرية.. لحظة انتقالية تاريخية في مسيرة مصر الزمنية.. لابد أن تكون توافقية.. يمكن كذلك للمرشحين الآخرين للرئاسة أن يؤجلوا حلمهم ومشروعهم الخاص إلي ما بعد تلك اللحظة.. إلي ما بعد أن يؤدي البرادعي دوره.. ويمهد لهم الطريق. وأمامهم الوقت علي كل حال!
أما الشباب.. هؤلاء الرائعون ما دون الثلاثين وحولها.. فلدي ثقة فيهم لا أعرف لها سببا.. أستشعرها.. ربما لأنهم لم يتلوثوا بعد مثل معظمنا.. علينا أن نرفع عنهم (تلك الوصاية الغبية) ونفسح لهم المجال مع البرادعي!.. وهنا رسالة خاصة جدا للبرادعي.. لا تحبس نفسك معنا وعليك بالشباب ما دون الخامسة والثلاثين!. هؤلاء يحسون المستقبل ويحسهم يعطيهم طاقة حقيقية لمساندتك.. لا تنزلق بالله عليك وتغلق علي نفسك الباب مع هؤلاء القادمين من مطلع القرن العشرين وعقوده المتتالية!.. شباب الألفية أمامك فاعتمد عليهم..
أما البرادعي نفسه فندعو الله أن يتحمل ما سيلاقيه من كل هؤلاء.. الحكم والمعارضة والنخبة والجماهير! صحيح هو يدرك كل ذلك لكنه لم يعشه بعد! وما بدر ضده من سفه بعض وسائل الإعلام وشذاذ الآفاق ووكلاء مباحث النظام في الأيام الأولي لوصوله ليس إلا تسخين! سيقابل الكثير.. نرجو أن يتحمل، فهو مثل كل فرد فينا.. يحلم أن يترك لأحفاده وطنا حقيقيا.. يشبه علي الأقل الأوطان التي شاهدها بعيدا عن وطننا.. الخرب!
الامتحان الحقيقي لنا حقا إن أردنا إثبات أننا نريد أن نترك لأبنائنا وطناً حراً وليس سجنا كبيرا.. أن نتسامي علي ذواتنا ونعمل علي إفساح الطريق لهم.. الشباب، نساعدهم بالطبع فلا يصح أن نقف مكتوفي الأيدي.. ولا يصح أن نبخل عليهم بخبراتنا حتي خبرات الفشل منها! لكن نترك لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم بثقة.. هذا واجب وطني وليس منة من أحد.. ولو تحقق هذا حقا.. لو فقط خمسون في المئة منا يتعالي علي ذاته فسوف ينجح مشروع أولادنا بقيادة البرادعي لبناء وطن حر!.. أما إذا أصررنا بأنانية علي مزاحمتهم.. فلن ينجح البرادعي.. سنمزقه ومشروعه إربا!.. ولن ينال شبابنا الفرصة.. وربما يحبط ويمضي به الزمن وتجري عليه القوانين المصرية الأبدية فيغلق الطريق علي من يليه.. في سلسلة غبية من الفشل المتتالي! لو لم نتسام علي صغائر أمانينا الشخصية.. لن نترك لأبنائنا وطنا بل بالكاد.. جدران حظيرة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.