إنتظرت مصر أكثر من ثلاثة أسابيع قبل أن يعلن الرئيس الجديد محمد مُرسي عن اسم الشخص الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة..فترة طويلة للغاية في مكان وزمان استثنائيين ..فنحن في بلد يمر بمأزق تاريخي بعد ثورة تعرضت وتتعرض للضرب ومحاولات التصفية والإختطاف من كل اتجاه ..وفي وقت تعاني فيه مصر من أزمة إقتصادية معقدة وإنفلات أمني شبه كامل وربما يكون متعمدا.
وكان الجميع يتوقعون أن يسارع الرئيس بطرح رؤية سياسية وإستراتيجية للمستقبل واضحة المعالم والاهداف بالتزامن مع تشكيل فريقه الرئاسي والحكومة على الاسس التي تعهد بها في حملته الإنتخابية ، وايضا طبقا للشروط الواضحة التي إتفق عليها مع بعض السياسيين والنشطاء الذين إلتفوا حوله وأيدوه قبل إعلان فوزه بالرئاسة رسميا..فقد التقى هؤلاء مع الدكتور محمد مرسي بناء على دعوة منه "للإتفاق على وثيقة للشراكة" تم الإعلان عنها في مؤتمر تدشين ما سمى بالجبهة الوطنية يوم الجمعة 22 يونيو الماضي.
تعهد الدكتور مرسي في هذه الوثيقة بتشكيل فريق رئاسي يضم كافة مكونات المجتمع المصري وتمثل فيه المرأة والمسيحيين والشباب..وكذلك بإختيار حكومة تلتئم فيها جميع التيارات السياسية ويكون رئيسها شخصيةً وطنيةً مستقلة.
واتفق ايضا على تكوين "فريق إدارة أزمة يشمل رموزا وطنية لضمان تسليم السلطة للرئيس المنتخب وفريقه الرئاسي وحكومته بشكل كامل"..والسعي لتحقيق التوازن في تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين..وتم في اللقاء رفض الإعلان الدستوري المكمل ، وقرار المجلس العسكري بحل البرلمان.
وتوافق أعضاء الجبهة الوطنية كذلك على التزام الرئيس بالشفافية والوضوح مع الشعب في كل ما يستجد من متغيرات تشهدها الساحة السياسية.. وهنا لا بد من الإشارة الى أن أعضاء الجبهة من غير الإخوان تعرضوا لإنتقادات حادة من جانب بعض القوى الوطنية والثورية التي فوجئت بتحالفهم مع مرشح الجماعة المحتمل فوزه بالرئاسة..وكان الإتهام الرئيس الذي وجه اليهم هو أنهم وثقوا في جماعة الإخوان ووضعوا يدهم في يدها بعد كل ما عانته الثورة منذ اندلاعها من ضربات قاتلة كان اساسها تحالف وتواطؤ الجماعة مع المجلس العسكري.
ولكن الضربة الاكثر إيلاما لأعضاء الجبهة الوطنية من غير الإخوان جاءت من الرئيس مرسي نفسه الذي لم ينفذ أيا من البنود التي تم الإتفاق عليها في وثيقة الشراكة..وقد اعترفوا بذلك في بيان صدر أمس الأول وجاء فيه "بعد مرور ثلاثين يوما على تولي د. مرسي مسؤوليته....فإن الجبهة لاحظت غيابا للشفافية والوضوح مع الشعب فيما يتعلق بالقرارات الحيويّة التي تصدر من مؤسسة الرئاسة...وتعبّر الجبهة عن قلقها من الوقت المستغرق لتشكيل الحكومة والمنهجية التي يتم على أساسها اختيار أعضائها والتي تخالف ما تم الاتفاق عليه مسبقا.."
وفي إطار غياب الشفافية والغموض الذي يكتنف سياسة الرئيس مرسي جاء قراره المثير للجدل بإختيار الدكتور هشام قنديل رئيسا للحكومة ، وهو شخصية بلا تاريخ سياسي معروف ويحسبه البعض على التيار الإسلامي بشكل عام ، وهذا يؤكد أن الإتجاه الغالب حتى الآن هو اختيار مستشاري ومساعدي الرئيس من أهل الثقة وليس أهل الخبرة والكفاءة ..وبالتحديد من الدائرة الضيقة التي تمثلها جماعة الإخوان المسلمين..وكان ذلك واضحا في اختيارات المتحدث باسم الرئاسة والمستشار القانوني والمستشار الإعلامي فضلا عن رئيس الحكومة..والمؤكد أن للرئيس حقا مطلقا في إختيار رئيس الحكومة ، ولكن على الجميع التوقف عن الحديث عن توافق وطني أو حكومة إئتلافية والإعتراف بصراحة بأننا في "دولة الإخوان" أو ، على الاقل ، دولة يحكمها الإخوان ..وعلينا من الآن فصاعدا محاسبة الإخوان كجماعة وحزب عن البرامج والسياسات التي ستنفذ حتى الإنتهاء من وضع الدستور وإجراء انتخابات جديدة.
وإذا كنا نعترف بحق الرئيس في اختيار حكومته ومساعديه ، لأن الشعب سيحاسبه على نتيجة هذه الاختيارات في نهاية المطاف فإن ما نحذر منه هو محاولة اختطاف الثورة والدولة..وذلك من خلال "سلق" الدستور والسيطرة على الصحافة والإعلام..وفيما يتعلق بالدستور فإن هناك محاولات حثيثة ومكشوفة من جانب الإخوان وحلفائهم من السلفيين وبعض السياسيين "المشتاقين" ، للإسراع بوضع دستور يعبر عن دولة دينية على مقاسهم ، وهو ما ترفضه بإصرار القوى الوطنية المدافعة عن دستور يرسخ الدولة الديمقراطية المدنية ويعكس أهداف ومباديء ثورة 25 يناير..أما فيما يتعلق بمحاولة السيطرة على الصحافة والإعلام وخاصة المؤسسات القومية الكبرى، فإن هناك جريمة بشعة في حق المهنة يرتكبها كيان غير شرعي هو مجلس الشوري الذي لم يكتمل بعد والذي تم إنتخابه على اساس قانون باطل، بهدف تغيير رءوساء تحرير عدد من الصحف على أساس معايير مضحكة الهدف منها "أخونة"
هذه الصحف وإدخالها في بيت الطاعة كي تتلقى الاوامر والتعليمات مباشرة من مكتب الإرشاد بدلا من أمن الدولة ولجنة سياسات الحزب الوطني المنحل..وكانت الصدمة كبيرة وفادحة في زملاء مهنة قبلوا التعاون في هذا المخطط مع قيادات الشورى ونقيب الصحفيين الإخواني ..وارجو أن تكون الاستقالات الكاشفة التي تقدم بها بعض أعضاء لجنة اختيار رءوساء التحرير ، والتي فضحت المهازل التي تتم داخل أروقة اللجنة، دافعا كافيا لإيقاظ ضمير جميع المشاركين في هذه الجريمة ، وتُحرك الصحفيين للدفاع عن مؤسساتهم ومهنتهم..نحن جميعا مع التغيير والإصلاح للنهوض بمهنتنا ونرجو أن يتم ذلك عن طريق نقابة الصحفيين وشيوخ المهنة ، ولكننا لن نسمح بأن تزرع "لجنة الاشقياء" غير الشرعية في مؤسساتنا خلايا نشطة ونائمة يكون ولاؤها لمكتب الارشاد وليس للقاريء والشعب والوطن!!.