من المفكرة…. حكى برما قائلًا… المقهى أصلًا متر فى متر، لكن بحكم موقعه الاستراتيجى فى وسط البلد يديره عم أحمد كأنه مملكته الخاصة. أخرج الموبايل عدة مرات من جيبه ينظر إلى شاشته، ثم يعيده إلى جيب جلبابه، عم أحمد إذن يريد أن يسمعها منى: «مبروك يا عم أحمد على الموبايل». رد بعنف: «مبروك على إيه؟». وقفت المجذوبة أمام باب المقهى وابتسمت لنا ابتسامة مخيفة، ثم انتقلت إلى الرصيف المقابل، وأخرجت من البؤجة بطانية افترشت نصفها وتدثرت بالنصف الثانى، وقالت بصوت متعالٍ: (هاتلى شاى)، أخرج زبون نحيف جنيهًا ووضعه على الصينية الموجودة أمامه، وقال لعم أحمد: «خد.. هات لها شاى على حسابى»، نظر عم أحمد إلى الجنيه ثم تجاهل الجميع. دخل علينا رجل له هيبة لواءات المعاش، ومعه زوجته الأرستقراطية، تغيرت ملامح عم أحمد، ألقى الرجل السلام ودخلت زوجته فى الموضوع مباشرة «إحنا آسفين يا عم أحمد ع اللى حصل، واللهِ البيه ما نامش من إمبارح بسبب الموضوع ده».. اكتست ملامح عم أحمد بالخجل، وقال: «وما ينامش ليه بس؟ ماحصلش حاجة».. أخرجت الزوجة ورقة بخمسين جنيهًا من حقيبتها وقدمتها لعم أحمد: «طيب علشان خاطرى خد دول ده تعويض بسيط عن اللى حصل». قابلها عم أحمد بالصمت، قالت الزوجة: «والنبى وحياة أولادى ماتكسفنيش».. مد عم أحمد يده وأخذها: «عشان بس حلفتينى أنا هاخدها، بس حاحطها فى أقرب جامع.. أنا ما بأقبلش العوض»، انكسرت نظرة الرجل ذى الهيبة، وألقى السلام منصرفًا بعد أن ألقى نظرة أخيرة فى وجه عم أحمد «يعنى مسامح؟»، قال له عم أحمد: «جيتكم لحد هنا تنسى الواحد كل اللى ضايقوه»، ابتسمت الزوجة وسحبت زوجها وانصرفا. رن موبايل عم أحمد فأخرجه قائلًا: «مش ممكن الصداع ده»، ثم رد: «أيوه حضرتك أنا فى القهوة وفى انتظارك.. تشرفى يا بنتى»، لمح عم أحمد الفضول يطل من وجهى، «أصل الموبايل ده أنا لقيته فى سيدنا الحسين إمبارح والست صاحبته كل شوية تتصل تتطمن إنه لسه معايا.. بتقول: إنها كانت بتزور (أبوها) العيان لسيدنا الحسين». سألت عم أحمد عن الرجل الوقور وزوجته، فقال لى: «واحد من الورشة اللى جنبنا خد شاى، رجع الصينية والكوبايات، وبدل ما يدخلهم جوه سابهم على عربية راكنة قدام القهوة، قبل ما اخدها لقيت الراجل ده بيفتح باب العربية وبيرمى الصينية والكوبايات فى الأرض وكسرها ميت حتة، الناس الموجودة زى حضرتك هاجوا عليه ولسه هيكلموه، قلت لهم: ماحصلش حاجة، العيب على الحيوان اللى ساب الصينية على العربية، وما احترمش صاحبها، الراجل اتكسف وقال لى: الكوبايات دى تمنها كام؟ قلت له: لما زبون عندنا بيكسر كوباية ما بناخدش منه تمنها.. عيب»، لاقت الحكاية استحسان الحاضرين، فعطف علينا عم أحمد بالدرس المستفاد منها: «مش هو راجل أقوى منى وممكن يأكلنى؟ بس أهو جالى لحد عندى عشان ماحدش كبير على الأدب». قطع كلام عم أحمد وصول صاحبة الموبايل التى عرضت على عم أحمد ورقة بعشرة جنيهات، وأصرت أن يأخذها: «يا ستى، أنا لو عايز فلوس ماكنتش رجعت لك الموبايل أصلًا». انصرفت السيدة ولمحنا فى سيارتها رجلًا مسنًّا، وبينما السيارة تبتعد أطل المقعد المتحرك من حقيبتها، اختفت السيارة فأصبحت المجذوبة فى مواجهتنا، أطلت من تحت البطانية، وصرخت: «فين الشاى؟»، نظر لها عم أحمد شذرًا وصرخ هو أيضًا: «حاضر»، أعد الشاى وقبل أن يخرج به من المقهى باتجاهها مد يده بخفة والتقط الجنيه الذى تركه الزبون النحيف على الصينية ووضعه فى جيبه.