في مصر بنوك دم عديدة، ومرضي كثيرون، ربما أكثر مما تتصوَّرون، يحتاجون إلي الدم.. المشكلة أن ما يحتاجونه يفوق بكثير كما في بنوك الدم، في المستشفيات العامة، والجامعية، والخاصة، والاستثمارية والمتخصصة.. هذا لأننا لا نمنحهم ما يكفي من الدم، علي الرغم من أننا نملكه.. والدم عطاء جميل عظيم، لا يفرِّق بين الغني والفقير، أو بين رجل وامرأة.. إنه عطاء بشري، يمنحه كل بشري صحيح الجسد، لكل بشري عليل الجسد، ولأن الصحة كالحال لا تدوم، فكل شخص في الواقع يمنحه في أيام صحته، ليأخذه في أيام مرضه، تماماً وكأنك تدخر مالاً أيام غناك (لو أن الحكومة تركت لك فرصة لتغتني) دون أن تكون من الأقارب والمحاسيب وبتوع الحزب وداء قلبي، حتي يفيدك إذا ما انقلب الحال.. وقديماً كانوا يمنحون مقابلاً مادياً للمتبرع، ولكن هذا أدي إلي خلق فئة من المتبرعين المحترفين، الذين يواصلون التبرع من أجل المال، حتي تنهار صحتهم، ويصبحون في حاجة إلي ضعف ما تبرَّعوا به، وفي الوقت نفسه كانت تمنع البعض من الإقبال علي التبرع بالدم، حتي لا يحسبوا علي قائمة بائعي الدم المحترفين، سواء أكان نقدياً، أم في صورة هدايا، لذا فالتبرع بالدم لم يعد تجارة في هذا الزمن، وإنما عطاء بشري، وشريان من عطاء القادر (جسدياً) لغير القادر، وفي سبيل الله سبحانه وتعالي وحده.. وبدلاً من أن ننشغل في قضايا مظهرية، كطول اللحية أو الجلباب، أو صحة النقاب من عدمه، دعونا نعتبر هذا مجرَّد حرية شخصية، وليفني كل حياته فيما يؤمن به، سواء أكان صحيحاً أو وهمياً، ولنركز علي أن نحصل علي ثواب أكبر، من أمور أكثر عملية، فمن أحيا نفساً، فكأنما أحيا الناس جميعاً، وقطرات من دمك ستحيي نفساً حتماً، ويمكنك أن تزور مستشفي للأطفال المصابين بأمراض الدم، لتري بنفسك كم يحتاجون إلي دمك، الذي يحصلون عليه مجاناً، كما منحته أنت، وإن كان هناك من دخل الجنة في كلب سقاه، فما بالك بمن منح دمه لبشر؟!..