فى العديد من المهرجانات تُقام فى المساء حفلات موسيقية أو غنائية، بينما مهرجان «الخليج» ومنذ دوراته الأولى اختار أن يحيل الليل إلى مناقشات جادة تتناول الشأن السينمائى العربى. أمس كان موعدنا مع جلسة السيناريو وشارك فيها المخرج محمد خان، ومن لبنان المخرج ميشيل كمون، والبحرين الكاتب فريد رمضان.
كان أغلب الحضور من كتاب السيناريو الشباب الذين يحلمون لكى يعبروا من شاطئ الهواية إلى دنيا الاحتراف، حيث إن الناقد مسعود أمر الله مدير المهرجان حريص على أن تصبح هناك ورشة تضم هؤلاء الشباب، ومن خلال ذلك تبدأ مرحلة تقييم الأفكار ووضع الأسس لبناء السيناريو.
وبسهولة تتجسد دائما تلك المعارك التى نراها بين قطبَى الفيلم الرئيسيَّين المخرج والكاتب، وكما أن المسرح يتم رصده من خلال الكتاب فإن السينما يتم توثيقها كتاريخ بأسماء مخرجيها.. إلا أنك مثلا لو راجعت تاريخ جوائز الأوسكار لأفضل فيلم سوف تكتشف أنه فى 90% من الحالات كان أفضل فيلم هو أيضا الفيلم الحاصل على أفضل سيناريو، وهذا يؤكد المكانة الاستثنائية للسيناريو، فهو ليس مجرد عنصر هام فى بناء الفيلم ولكنه الأهم.. ملحوظة هذا العام حدث الاستثناء ولم يحصل فيلم الأوسكار «الفنان» على جائزة السيناريو، ولكنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة.
عدد لا بأس به من الكتاب أُصيبوا بعقدة اسمها المخرج، حيث إنهم يشاهدون الأضواء يستحوذ عليها المخرج والفيلم يُنسب إليه، ولهذا توجه عدد منهم إلى ممارسة الإخراج على طريقة «بيدى لا بيد عمرو»، وبعضهم اكتفى بالتهديد، وأغلبهم لم يحققوا نجاحا خلف الكاميرا كمخرجين مثلما كان لهم وهم يمسكون بالورقة والقلم قبل اختراع الكمبيوتر بالطبع.
أتذكر مثلا حسين حلمى المهندس والسيد بدير، ومن الجيل التالى بشير الديك.. كل هؤلاء وغيرهم أخرجوا للسينما، ولكن بصمتهم ككتاب هى الأقوى وأيضا الأصدق.
بينما رأفت الميهى صاحب تجربة مختلفة بدأ كاتبا متمكنا وقدم أفلاما متميزة مثل «غروب وشروق»، و«على من نطلق الرصاص»، و«شىء فى صدرى»، وغيرها تقع فى إطار السينما الواقعية فى بنائها الكلاسيكى، لكنه عندما توجَّه إلى الإخراج قدَّم نبضًا مغايرًا وهو «الفانتازيا»، وبدأت الرحلة مع «عيون لا تنام»، ولكن منهج رأفت تأسس فى الفيلم الثانى «الأفوكاتو» الذى شهد حتى على خريطة عادل إمام كممثل أداءً مغايرا. هناك تأثير مباشر فى توجيه الممثل تلمحه فى سينما رأفت الميهى، ولا يمكن أن تعزل أفلامه عن إحساسه بكل التفاصيل، فهو صاحب رؤية متكاملة ولا يقدم الفيلم بعيدا عن عالمه الخاص الذى تجده منذ اختيار الفكرة، إلا أن الفانتازيا التى كانت تحقق أرقاما فى الشباك تأثرت ولم يعد رأفت الميهى على نفس الموجة الساخنة مع الجمهور، إلا أن ذلك لا يعنى أنه لم يكن صاحب تجربة مختلفة واستثنائية فى توجهه إلى الإخراج وصنع عالمه الخاص بعد مشواره ككاتب متميز.
فى أحيان عديدة تحدث توأمة بين الكاتب والمخرج، حدث ذلك مثلا بين حسن الإمام ومحمد مصطفى سامى، وبين السيد بدير كاتبًا للحوار ونجيب محفوظ كسيناريست، وبين المخرج صلاح أبو سيف، وفى مرحلة زمنية توحد كل من الكاتب ماهر عواد والمخرج شريف عرفة فى «الأقزام قادمون»، و«سمع هُس»، و«يا مهلبية يا»، و«الدرجة الثالثة»، ثم توقف المشوار وتوجه «عرفة» إلى وحيد حامد، ليصنعا فى مرحلة ما ثنائية وإن كانت مشروطة بوجود عادل إمام، فهو الضلع الثالث فى تلك الرؤية، تشعر فيها بأن الكاتب والمخرج والنجم كل منهم ارتضى باللقاء داخل دائرة الآخر، ولكن بشروطه، ثم كالعادة توقف المشوار.
وتجربة مصطفى محرم ككاتب تظل هى الأغزر فى تاريخ الدراما.. ارتبط بالعديد من المخرجين، وحدث بينهم نوع من التوأمة، وكان أشرف فهمى هو الأقرب إليه منذ أن قدَّما معا فى البدايات «ليل وقضبان».
فى كثير من الأحيان كان صوت مصطفى محرم يعلو، مؤكدا أنه سوف يخرج أفلامه، ومضى قطار العمر وظل التهديد مجرد تهديد.
كل ما قرأتموه فى هذا العمود لم أذكر منه شيئا فى لقاء منتصف الليل بمهرجان الخليج، ولكنه دار فى ذهنى وأنا أستمع إلى هموم وآمال وأحلام عشرات من الكتاب الشباب، كل منهم يحلم بأن يصبح كاتبا سينمائيا، وبعدها فركة كعب ليقف خلف الكاميرا مخرجا.. كم من هؤلاء ستتحقق أحلامه؟